الصراع في السودان يهدد تجارة الصمغ العربي

يطغى التشاؤم على أوساط صناعة المشروبات الغازية والغذائية في العالم، نتيجة احتمال تعرض القطاع إلى انتكاسة ستحدّ من نشاطه مع إمكانية تراجع الإمدادات بسبب الحرب في السودان، ويرجع ذلك إلى اعتماد هذه الأوساط على الصمغ العربي كأحد أهم المكونات في عمليات الإنتاج.
الخرطوم - دفع الصراع في السودان الشركات الدولية المصنعة للسلع الاستهلاكية إلى الدخول في سباق لدعم إمدادات الصمغ العربي، أحد أكثر المنتجات إقبالا عليه ويعد مكونا رئيسيا لكل شيء بدءا من المشروبات الغازية وصولا إلى الحلوى ومستحضرات التجميل.
وذكر مصدرون ومصادر من الصناعة لرويترز أن الشركات، التي تخشى استمرار انعدام الأمن في السودان وتعتمد على المنتج، مثل كوكاكولا وبيبسي كولا، عملت على تخزين إمدادات، وبعضها لديه مخزون يغطي ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر كي لا يعاني من نقص المنتج.
وقال ريتشارد فينيغان مدير المشتريات بمجموعة كيري، التي تورد الصمغ العربي لمعظم شركات الأغذية والمشروبات الكبرى، إنه “بناء على الفترة التي سيستغرقها الصراع، قد تكون هناك تداعيات على السلع المُصنعة المعروضة على الرفوف والتي تحمل علامات تجارية شهيرة”.
وقدر فينيغان أن المخزونات الحالية ستنفد في غضون خمسة إلى ستة أشهر، واتفق معه مارتين بيركامب، الشريك في شركة التوريد الهولندية فوجا جام، والذي أكد لرويترز أن المخزونات تكفي لفترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر.
وقال متحدث باسم شركة كلويتا أي.بي السويدية المتخصصة في صناعة الحلوى، ومن بينها مستحلبات لاكيرول التي تستخدم الصمغ العربي، في رسالة بالبريد الإلكتروني إن الشركة لديها مخزون “وافر” من الصمغ العربي.
ووفقا لتقديرات نقلتها مجموعة كيري، يبلغ الإنتاج العالمي من الصمغ العربي حوالي 120 ألف طن سنويا، بقيمة تقدر بحوالي 1.1 مليار دولار.
ويأتي معظم هذا المكون من منطقة حزام الصمغ، التي تمتد 500 ميل من شرق إلى غرب أفريقيا، حيث تلتقي الأراضي الصالحة للزراعة بالصحراء وتضم أيضا إثيوبيا وتشاد والصومال وإريتريا.
ويأتي حوالي 70 في المئة من إمدادات العالم من الصمغ العربي، الذي لا توجد له بدائل كثيرة، من أشجار الأكاسيا في منطقة الساحل التي تضم السودان الذي يمزقه القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
ويشكل إنتاج الصمغ العربي مفخرة للسودان الذي يحتل صدارة البلدان المنتجة له عالميا ويستحوذ على أغلب تجارته مع الأسواق الخارجية.
وتشير التقديرات الحكومية إلى أن صادرات الصمغ العربي تمثل حوالي 3.4 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للسودان سنويا وهو يحتل المرتبة السابعة بين القطاعات المنتجة في البلاد.
وكان السودان الذي صدر أكثر من مئة ألف طن من الصمغ العربي العام الماضي بإيرادات تخطت نحو 130 مليون دولار، يخطط بمساعدة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لتنمية هذا القطاع خلال السنوات المقبلة.
وتقول جمعية منتجي الصمغ في الهيئة القومية للغابات بالسودان، والتي تضم نحو سبعة ملايين عضو، إن “الأكاسيا نبتة مهمة لمكافحة التصحر، إذ تقاوم الجفاف وتزيد من خصوبة التربة، وهو أمر ضروري لزيادة الإنتاج الزراعي”.
وهذا الصمغ المصنوع من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، هو مستحلب يكتسي أهمية بالغة في الصناعات العالمية من المشروبات الغازية إلى العلكة مرورا بالمستحضرات الصيدلانية وغيرها.
ويستخلص أساسا من أغصان وجذوع شجرتي الهشاب والطلح، وهو مادة شفافة بيضاء تميل إلى البني والبرتقالي، وتتحول إلى قطع صلبة تتكسر كالزجاج.
وتحتوي القطع على الكثير من المواد الغذائية والدوائية، كما أنها تحتفظ بخصائصها لعقود طويلة قد تصل إلى خمسة آلاف سنة دون أن يطرأ عليها أي تغيير.
ولكن بعد قرابة أسبوعين من اندلاع الحرب أكد أكثر من عشرة من المصدرين والموردين والموزعين لرويترز أن تجارة الصمغ، الذي يساعد في تماسك مكونات الطعام والشراب، توقفت.
وقال محمد النور مدير شركة الصمغ العربي في الولايات المتحدة، التي تبيع المنتج للمستهلكين كمكمل غذائي، إن “من المستحيل” الآن الحصول على كميات إضافية من الصمغ العربي من المناطق الريفية في السودان بسبب الاضطرابات وغلق الطرق.
وأشارت كيري وموردون آخرون من بينهم شركة جام سودان السويدية إلى أن التواصل مع الأشخاص في السودان صعب. وأضافوا أن ميناء بورتسودان، الذي يستخدم لشحن المنتج، يعطي الأولوية حاليا لعمليات إجلاء المدنيين.
وقال جينش دوشي العضو المنتدب لشركة فيجاي بروس للاستيراد، ومقرها مومباي، “يكافح موردونا لتأمين الضروريات بسبب الصراع ولا يعرف أي من المشترين أو البائعين متى ستعود الأمور إلى طبيعتها”.
وذكر الوليد علي، الذي يملك شركة أي.جي.بي إنوفيشنز المحدودة، وهي شركة لتصدير الصمغ العربي، أن زبائنه يبحثون عن دول بديلة يحصلون منها على الصمغ العربي. وقال إنه “يبيع الصمغ لشركات تصنيع في فرنسا والولايات المتحدة”.
ورفضت شركة بيبسي كولا التعليق على الأمور المتعلقة بالتوريد والسلع، بينما لم ترد شركة كوكاكولا على طلب للتعليق عندما اتصلت بها رويترز.
70
في المئة من إمدادات العالم تأتي من أشجار الأكاسيا في منطقة الساحل التي تضم السودان
وقال داني حداد مدير التسويق والتطوير في شركة أجريجام، وهي أحد أكبر عشرة موردين في العالم، “بالنسبة إلى شركات مثل بيبسي كولا وكوكاكولا، لا يمكن أن تستمر دون وجود الصمغ العربي في تركيباتها”.
وفي إشارة إلى أهمية الصمغ العربي بالنسبة إلى صناعة السلع الاستهلاكية، استثنته الولايات المتحدة من العقوبات التي تفرضها على السودان منذ تسعينات القرن الماضي لأنه سلعة مهمة وخوفا من خلق سوق سوداء.
ووفقا لشركة جام سودان يستخرج البدو السودانيون الصمغ من أشجار الأكاسيا، ثم تتم تنقيته وتعبئته في جميع أنحاء البلاد.
ويمثل الصمغ مصدر رزق لآلاف الناس ويمكن أن يبلغ سعر الطن من أغلى أنواعه حوالي ثلاثة آلاف دولار.
وقال النور إن “هناك صمغا أرخص وأقل جودة خارج السودان، لكن المكون المفضل موجود فقط في أشجار الأكاسيا في السودان وجنوب السودان وتشاد”.
وذكر فواز أبارو المدير العام لشركة سافانا لايف في الخرطوم أن لديه طلبات شراء، وكان يعتزم تصدير ما بين 60 و70 طنا من الصمغ العربي، لكنه يشك في أنه سيتمكن من ذلك بسبب الصراع.
وقال أبارو “لا يوجد استقرار حتى في الحصول على الطعام أو الشراب ولن يكون الوضع مستقرا للعمل”. وأضاف “كل المعاملات يسودها الارتباك في الوقت الحالي”.