الصراع في السودان ينوّع محن المزارعين

مزارعون يتوقعون احتدام أزمة الجوع في غياب الأمن والتمويل.
الثلاثاء 2023/07/18
حيرة مزارع

يتواصل الصراع في السودان وتطال نيرانه الأخضر واليابس في مختلف الولايات السودانية، فمع اقتراب الموسم الزراعي الصيفي يقف المزارعون حائرين في ظل غياب التمويل البنكي وفقدان الأسمدة والبذور والوقود وغلاء أسعارها إن توفرت. وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع عدد الجياع في البلاد بالتزامن مع التغيّرات المناخية وغياب الأمن.

القاهرة – قال مزارعون في عدة ولايات سودانية إن الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع تُعرّض إنتاج المحاصيل الأساسية هذا العام للخطر، وهو ما يهدد بتفاقم الجوع والفقر في الدولة الأفريقية.

وأفاد مزارعون وخبراء وعمال إغاثة بحدوث تأخيرات في زراعة محاصيل مثل الذرة الرفيعة والدخن، وذلك لأسباب منها نقص الإقراض المصرفي وارتفاع أسعار مواد أساسية مثل الأسمدة والبذور والوقود.

وقال المزارعون إنهم ربما لا يستطيعون الزراعة على الإطلاق قبل هطول أمطار غزيرة متوقعة هذا الشهر، وهي فرصة تقليدية للري.

ويشي تدهور أوضاع المزارعين بأن أزمة جوع تلوح في الأفق قد تكون أشد وطأة مما تتوقعه الأمم المتحدة وعمال الإغاثة، ففي مايو، قالت الأمم المتحدة إن تقديراتها تشير إلى أن عدد الجياع في السودان سيرتفع إلى 19.1 مليون بحلول أغسطس من 16.2 مليون قبل الصراع الذي بدأ في أبريل.

والنقص في المواد الغذائية الأساسية، الذي يفاقمه نهب المستودعات في مدن مثل العاصمة الخرطوم، من شأنه زيادة حدة أزمة الجوع الآخذة في التفاقم منذ سنوات.

ومن شأن ذلك أيضا الحد من وسائل الكسب وتجريد السودان من النقد الأجنبي اللازم لاستيراد سلع أساسية، إذ تشير أرقام البنك المركزي إلى أن محاصيل ذات قيمة تجارية مرتفعة مثل السمسم والفول السوداني أسهمت بواقع 1.6 مليار دولار في عائدات التصدير عام 2022.

الأبرياء يدفعون الفاتورة

وتفيد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بأن ما يقرب من 65 في المئة من سكان السودان البالغ عددهم 49 مليون نسمة يتصل عملهم بالقطاع الزراعي.

وبينما يقول خبراء من الأمم المتحدة إن من السابق لأوانه الإعلان رسميا عن مجاعة في السودان، قال مزارعون إنهم يعتقدون أن الوضع يسير بالفعل في هذا الاتجاه.

وقال عبدالرؤوف عمر، وهو مزارع وقيادي في تحالف للمزارعين في ولاية الجزيرة، وهي منطقة زراعية رئيسية في وسط السودان لم تشهد قتالا “كان يجب زرع الفول السوداني. كان يجب أن يبدأ الناس في زراعة الذرة الرفيعة. حتى الآن، استعدادنا صفر… نعتقد أننا مهددون بالمجاعة”.

عدد الجياع في السودان سيرتفع إلى 19.1 مليون بحلول أغسطس من 16.2 مليون قبل الصراع الذي بدأ في أبريل

وذكرت الفاو الأسبوع الماضي أنها بدأت في توزيع طارئ لبذور الذرة الرفيعة والدخن والفول السوداني والسمسم، وتأمل في مواجهة “تحديات أمنية ولوجستية معقدة” لتوفير ما يكفي لتغطية احتياجات ما بين 13 و19 مليون شخص.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه سيواصل تحليل الوضع خلال الأشهر الستة المقبلة وبعد موسم الزراعة والحصاد.

وقال عمر إنه يخشى أن يكون أوان الزراعة قد فات بالفعل، وهي وجهة النظر التي يتبناها ثلاثة مزارعين آخرين. وأضاف عمر أنه على الرغم من أن القتال لم يؤثر بشكل مباشر على مزارعهم، فإن هناك مشكلة رئيسية تتمثل في نقص التمويل وعدم الوفاء بوعود الإقراض أو الدعم العيني من البنوك.

وتعرضت البنوك للنهب واضطرت إلى الحد من أنشطتها مع اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي قوات شبه عسكرية كبيرة، في الخامس عشر من أبريل بالعاصمة الخرطوم.

وعلى الرغم من أن معظم المناطق الزراعية في السودان هادئة نسبيا، فإن سلاسل التوريد المتمركزة في العاصمة تعطلت إلى حد كبير.

وأفاد شهود بتعرض بعض مستودعات الأسمدة والبذور والمبيدات للنهب.

وفي الجزيرة، يمر مزارعون بصعوبات مالية منذ سنوات مع زيادة انزلاق السودان في أزمة اقتصادية. وقال محمد بلة، وهو قيادي بتعاونية زراعية، إنهم يواجهون الآن صعوبات في سداد القروض من أجل الحصول على تمويل جديد، مضيفا أن ما تم تجهيزه للزراعة نسبة صغيرة فقط من الأراضي.

ff

ويعاني المزارعون في مناطق أخرى من السودان من محنة مماثلة، يقول محمد عجب صديق، وهو مزارع في ولايات سنار والنيل الأزرق والنيل الأبيض، إنه يواجه صعوبات في الحصول على تمويل من أجل المدخلات لزراعة نحو عشرة آلاف فدان بالذرة الرفيعة والسمسم وعباد الشمس.

وكان يعتمد عادة على إيرادات بيع المحاصيل التي يحصدها في الموسم السابق، لكن الصراع جعل الأمر شبه مستحيل إذ إن السوق مركزية في الخرطوم.

وفي مايو، أصدر مجلس الوزراء السوداني توجيها باستمرار الإعداد للموسم الزراعي الصيفي وتذليل العقبات التي قد تعيق العملية. ويشمل ذلك تحديد المساحات المستهدفة بالموسم الصيفي ووضع خطة لتوفير المواد الزراعية المطلوبة.

وصديق مثل مزارعين آخرين تلقوا وعودا بالحصول على بذور ووقود من البنك الزراعي المرتبط بالدولة، لكن بحلول أوائل الشهر الجاري كان لا يزال في الانتظار.

وقال إن هناك احتمالا كبيرا ألا يحصل على هذا الدعم، مضيفا “أنا شخصيا 60 – 70  في المئة سأجمد نشاط الزراعة، الموضوع في مخاطرة كبيرة”.

وأشار مزارعون من القادرين على الحصول على تمويل إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد التي تشمل البذور والأسمدة والمبيدات والوقود، وفقا لما قاله مزارعون وبرنامج الأغذية العالمي.

وقال مهدي أحمد، وهو مزارع في شمال كردفان، “الوقود يباع بالسعر الأسود وتضاعفت الأسعار 300 في المئة.. للأسف هذا كله يدل على فشل الموسم الزراعي”.

dd

وفي مناطق غرب البلاد حيث تقول جماعات الإغاثة إن مخزون الأغذية يتناقص، يقول أحمد ومزارع آخر هو محمد عبدالله من شمال دارفور، إن المزارعين تعرضوا للنهب والسرقة على أيدي عصابات بينها جنود من قوات الدعم السريع لدى محاولتهم الوصول إلى حقولهم.

ويقول عبدالله “يقولون ‘حمدا الله على سلامتك، اترك أغراضك هنا وارحل…’ يعتمد الناس على زراعتهم. يأكلون ما يزرعون”.

ويقول آدم ياو، مندوب منظمة الفاو بالسودان، إن هناك أنباء عن تأخيرات في مزارع تجارية أكبر تنتج للتصدير وتنتج كذلك الذرة الرفيعة والدخن. وتابع قائلا “أي تعطيل سيكون له تأثير ضخم على اقتصاد البلاد وعلى سبل عيش الشعب السوداني أيضا”.

ووفقا لثلاثة مصادر بالقطاع، تأثرت واردات الأغذية والسلع الأولية سلبا بسبب الحرب والانهيار المالي.

وفي ولاية الجزيرة التي استقبلت أكثر من 169 ألفا من النازحين الفارين من القتال في الخرطوم، تم الإبلاغ عن نقص بعض المواد الغذائية ويقدم برنامج الأغذية العالمي الدعم هناك لأول مرة.

وتشير منظمة الإغاثة الإسلامية إلى أن بعض المزارعين لجأوا إلى استهلاك بعض مخزونات بذور الذرة الرفيعة والدخن، مما قلل الكميات المتاحة للزراعة مع تدهور الأوضاع خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأبيض وسنار.

ويواجه من بقوا في ولاية الخرطوم نقصا في الإمدادات وارتفاعا في الأسعار مع نضوب السيولة، بينما تؤثر عمليات النهب وإغلاق المتاجر ومشكلات سلاسل الإمداد سلبا على المتاح.

اقرأ أيضا: 

Thumbnail
16