الصدر ينهي اعتكافه السياسي بتفقد مقار حزبية شيعية قُصفت في النجف

بغداد – تصاعدت أعمال القصف لمقرات أحزاب شيعية عراقية اليوم الاثنين في محافظة النجف، جنوب غرب العاصمة بغداد، والتي تعد المعقل الرئيسي لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وذلك عقب إغلاق أنصاره نحو 20 مقرا حزبيا تابعا لحزب الدعوة بقيادة نوري المالكي في 10 محافظات، في خطوة اعتبرها مراقبون أنها بمثابة رسالة أوصلها الصدر لخصومه الذين كانوا يسعون إقصائه سياسيا.
ونقلت وكالة "شفق نيوز" عن مصدر أمني قوله اليوم الاثنين إن مسلحين مجهولين فتحوا فجر اليوم (الاثنين) نيران أسلحتهم الثقيلة ضد مقرات تابعة "لمنظمة بدر بزعامة هادي العامري وميليشيا أنصار الله الأوفياء التابعة للحشد الشعبي وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي.
وأضاف المصدر أن المسلحين استخدموا بنادق متوسطة وقاذفات "ار بي جي في عمليات الهجوم على المقرات الحزبية ما أدى إلى إصابة أحد عناصر حماية مقرات منظمة بدر فيما لاذ الجناة بالفرار بعد تنفيذ عملياتهم.
وظهر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ظهر اليوم الاثنين وهو يزور أحد المقار التي تعرضت للهجوم، وهو أبرز ظهور للصدر منذ أن أعلن اعتزاله العمل السياسي في أغسطس 2022، وقد اعرب عن رفضه العنـف واستخدام السلاح من أي جهة كانت، مطمئنا على سلامة الأهالي، وفق مقطع فيديو نشره محمد صالح العراقي المعروف بوزير الصدر.
وعلى إثر أعمال القصف هذه، استنفرت السلطات الأمنية في البلاد بتكثيف إجراءاتها وتشديد الحماية لمقرات الأحزاب السياسية في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات.
وقال مصدر أمني إن معلومات أمنية وردت بنية جماعات حرق المقرات التابعة لحزب الدعوة بعد جلسة مجلس النواب غدا الثلاثاء ومن ثم التوجه إلى مقر حزب الدعوة الكائن على شارع مطار المثنى في بغداد، كونه المقر الرئيسي، مشيراً الى وجود "تحشيد" لذلك.
وأشار المصدر في تصريح لوكالة "شفق نيوز" إلى وجود كتابة على جدار مكتب مرشح لانتخابات مجلس محافظة بغداد، عن إئتلاف دولة القانون في منطقة الشعلة حي الجوادين، وتضمنت عبارة (مغلق بأمر أبناء السيد محمد الصدر) مع تمزيق جزء من البوستر الذي يحمل اسم المرشح وصورته".
وشهدت العاصمة العراقية بغداد ومدن عدة جنوب ووسط البلاد، فجر الأحد، سلسلة هجمات من أنصار التيار الصدري على مقرات ومكاتب حزب الدعوة، تخللتها هجمات مسلحة بقذائف الهاون وحرق صور زعيم الحزب، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، مع شعارات مناوئة للأخير تتوعد بالرد على نحو أوسع في حال تكرار "الإساءة".
والتصعيد الجديد بين الصدريين وحزب الدعوة، الذي قابلته حكومة محمد شياع السوداني والأجهزة الأمنية بالصمت، جاء بعد اتهام التيار الصدري لحسابات الكترونية مرتبطة بحزب الدعوة بتوجيه إساءات للمرجع الراحل محمد الصدر (والد زعيم التيار مقتدى الصدر)، أعقبتها تعليقات منددة من أعضاء بارزين في التيار، ثم هجمات متزامنة بدت أنها منسّقة أكثر من كونها عفوية.
واعتبر محمد صالح العراقي ما جرى بأنه حركة "ثورية" لإيقاف التعدي على العلماء، وذلك ردا على بيان من "الدعوة" حذر فيه الاخير من "الفتنة".
ويأتي هذا التطور بالتزامن مع مرور عام كامل على تسريب التسجيلات الصوتية للمالكي، والذي كشف من خلالها عداوته للصدر، وتهديده بضربه في معقله في حي الحنانة بمحافظة النجف، من دون أن يكشف القضاء عن أي إجراءات له كان قد وعد سابقاً باتخاذها.
وتنشغل القوى الشيعية المنضوية تحت راية "الإطار التنسيقي" هذه الأيام بالاستعدادات للانتخابات المحلية وسط أنباء عن خلافات حول تشكيل القوائم المتنافسة.
وحتى الآن لم يحسم الصدر، المعتكف منذ نحو عام عن التصريحات السياسية، موقفه من المشاركة او مقاطعة الانتخابات التي يفترض أن تجري قبل نهاية العام الحالي.
وكان أنصار زعيم التيار الصدري في مثل هذا الشهر قبل عام قد اقتحموا البرلمان أكثر من مرة قبل ان يقرروا "الاعتصام" لمدة شهر انتهت باشتباكات مسلحة داخل المنطقة الخضراء.
وترى مصادر سياسية قريبة من التيار الصدري ان ما يجري هو مقدمات لـ"مكاشفة سيقوم بها زعيم التيار للقوى السياسية بعد صمته الطويل".
ونقل موقع "المدى" المحلي عن المصادر قولها إن "هناك تحركات وراء الكواليس تعمل ببطء للتحضير لخطاب مهم للصدر حول كل المشهد السياسي".
وبدأت أولى الخطوات مساء السبت، حين قام أنصار التيار الصدري بإغلاق 18 مقرا لحزب الدعوة وائتلاف دولة القانون ونوابه، كان أعنفها على مكتب الحزب في النجف الذي استُهدف بواسطة قاذفة محمولة على الكتف، وأُحرقت صور المالكي وسط الشارع.
وأغلق المحتجون 3 مكاتب للحزب في بغداد (الكاظمية، الشعلة، ساحة مظفر)، ومقرين في بابل، ومكتب للنائب ياسر صخيل (قريب المالكي) في كربلاء.
كما أغلقوا مقرين في النجف وكذلك في ديالى والبصرة وذي قار، ومكتب واحد للحزب في المثنى وميسان، وكتبوا على الجدارن "مغلق بأوامر أبناء الصدر".
وأظهرت مقاطع بثت على منصات إخبارية قريبة من التيار، شباب يمزقون ويدوسون على صورة المالكي في أحد المقرات التي تم اغلاقها.
بالمقابل نقلت صور أخرى تعزيزات أمنية قامت بها مقرات تابعة لمنظمة بدر بزعامة هادي العامري.
وجاءت ردة الفعل الصدرية عقب توجيه القيادي في "التيار الصدري" حسن العذاري، الاتهام لحزب الدعوة بالإساءة إلى المرجع الديني محمد الصدر، عبر جيوش الكترونية وحسابات مرتبطة بحزب الدعوة، فيما رد الأخير ببيان مطول حذر مما سماه "فتنة عمياء".
وإثر قصف مقراته وإغلاق عدد منها اتهم حزب الدعوة بقيادة نوري المالكي اليوم الاثنين غريمه الصدر بالمسؤولية عن هذه الممارسات محذرا الصدريين بأنه قادر على المواجهة والدفاع عنها لكنه لن ينجر إلى معارك جانبيه مع أي طرف يختلف معه سياسيا.
وقبل أقل من أسبوع اتهم صدريون، عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، باستهداف منزل أحد قيادات التيار في البصرة برمانة يدوية.
ونظم أنصار التيار تظاهرات أمام القصور الرئاسية في البصرة التي تضم داخلها مقرات للحشد والفصائل، بعد أنباء عن اختباء منفذ الهجوم هناك، بحسب ما شوهد في كاميرات المراقبة.
وسبق أن شهد التيار وجيش المهدي (حل عام 2007) مواجهات مع قوى شيعية أبرزها ما جرى بينه وبين منظمة بدر في عامي 2005 و2007.
كما حدثت مواجهات بين الصدريين وعصائب أهل الحق في 2013 و2014، وتجددت اخيرا بين الطرفين في البصرة بعد اشتباكات أغسطس الماضي في المنطقة الخضراء.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد نعناع، أن ما جرى ليل/الأحد هو "رد فعل على استفزازات يقوم بها أطراف في الاطار التنسيقي وخاصة حزب الدعوة".
وقال نعناع في تصريح صحفي إن "الدعوة يفقد السيطرة الان على مفاصل الدولة والحكومة لأنها تحولت إلى يد العصائب، لذلك يحاول اثارة المشاكل لإحراج الحكومة".
ويرى النعناع أن الأن هو أفضل توقيت لكي يقوم فيه حزب الدعوة بـ"إثارة الفوضى والتشنجات" واستفزاز الصدريين بسبب قرب الانتخابات المحلية.
وتابع ان "ردة فعل الصدريين كانت بسيطة لكنها قد تكون أكبر وأخطر إذا استمرت هذه الاستفزازات"، مشيرا أن الصدر قد يدعو بشكل مباشر الى "وقف التصعيد حتى لا يسحبهم حزب الدعوة إلى خانة التخريب".