الصحف العربية تنجو من انهيار النموذج الربحي للصحافة العالمية

التحول الرقمي لا يقدم ضمانة لبقاء الصحف في حال لم تواكب متطلبات المستخدمين.
الثلاثاء 2020/08/11
البقاء للمحتوى الجيد

أودت الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كورونا بالصحف والمطبوعات الصغيرة المعتمدة على الإعلانات وتهدف للربح، فيما أوجدت الصحف الكبرى في العالم لنفسها نماذج تمويل لاستمرار بقائها.

باريس - تجزم بينيلوبي أبرناثي نائب الرئيس السابقة لنيويورك تايمز ووول ستريت جورنال بأن “الصحافة الهادفة للربح انهارت ولم تنجح الصحف في إنشاء بدائل رقمية”، رغم اعتبارها أن المستقبل لا يزال واعدا لبعض الصحف والمجلات الكبرى.

وعزّز تفشي جائحة كوفيد – 19 الحاجة للصحافة الجيدة والمحتوى الإعلامي الواضح والمميّز، وفي الوقت نفسه أدّى إلى عدم استقرار النموذج الاقتصادي للصحافة، كما حدث في الاقتصاد العالمي بشكل عام، فشهدت المؤسسات الإعلامية حول العالم تسريح أعداد كبيرة من الصحافيين، وأغلقت الكثير منها أبوابها.

واستطاعت المؤسسات الصحافية العربية الصمود إلى حد ما، لأنها أساسا ليست ربحية، فيما انهيار الإعلانات سبق جائحة كورونا، وتسبب بإغلاق العديد من الصحف الصغيرة، فيما صحف أخرى على حافة الانهيار، والصحف الأقوى التي ضمنت بقاءها تعتمد على دعم الحكومات أو تتبع مجموعات إعلامية كبيرة لرجال أعمال وأخرى تتبع أحزابا وقوى سياسية تمولها لأجنداتها الخاصة.

وتقول أبرناثي في حوار مع وكالة الصحافة الفرنسية “في بلدان كثيرة، بنت الصحف تاريخيا نفسها على نموذج ربحي. في الولايات المتحدة، هي لا تقوم على مبدأ أن يدفع القراء في مقابل تلقيهم المعلومات، بل هي تعتمد على المعلنين”.

غير أن هذا النموذج انهار ولم تنجح الصحف في إنشاء بدائل رقمية. وحتى في الأسواق الصغيرة، تستحوذ فيسبوك وغوغل على ثلاثة أرباع الإيرادات الرقمية، فيما تتقاسم وسائل الإعلام الفتات، وهذا لا يكفي لبناء صحافة صلبة.

وينطبق ما تقوله أبرناثي على الصحافة العربية التي ما زالت تكافح لبناء نموذج رقمي قادر على جذب المشتركين الذين تعودوا على عدم الدفع مقابل المعلومات على الإنترنت، ورهانها الأكبر اليوم على إقناع المستخدمين بالدفع مقابل ما تقدمه من محتوى، إذ أن التحول الرقمي لا يقدم ضمانة أكيدة للبقاء في حال لم تواكب المستخدمين بما يهمهم من معلومات وأخبار.

الصحف الأقوى ضمنت بقاءها خلال تدهور إيرادات الإعلانات في فترة ما قبل كورونا بالاعتماد على مصادر تمويل متعددة

وخاصة بعد أن أمعن وباء كوفيد – 19 في ضرب هذا النموذج القائم على الإعلان، ووفقا لأبرناثي “نحن نعيش امتدادا لأزمة اقتصادية قائمة أصلا. وسائل الإعلام كانت تصمد بالاعتماد على هوامش ربح هزيلة، وقد أتى كوفيد – 19 ليسرّع انهيارها”.

في الولايات المتحدة، اختفت ربع الصحف التي كانت موجودة سنة 2004. وأكثرية المنشورات التي توقفت عن الصدور كانت من الصحف اليومية أو الأسبوعية الصغيرة. هي لم تتوقف عن العمل بين ليلة وضحاها، بل تحولت في مرحلة أولى إلى مطبوعات أسبوعية، من دون جدوى، ثم انتقلت إلى الصدور بنسق رقمي حصرا، ثم أوقفت عملها بالكامل. وبنتيجة ذلك، جرى تسريح نصف العاملين في الصحافة المكتوبة منذ 2008.

وتتابع أبرناثي لا تزال لدينا حوالي 150 صحيفة إقليمية كبرى. ورغم أن مستقبلها كان يبدو واعدا في بداية تحولها الرقمي، لكنها لم تنجح في أن تحقق إيرادات عن طريق الإعلانات أو الاشتراكات.

هل تصمد الصحافة الورقية بشكل أو بآخر
هل تصمد الصحافة الورقية بشكل أو بآخر

كذلك حصل تغيير جذري في هوية أصحاب هذه المؤسسات: فأكثرية مجموعات الصحف الكبرى كانت مدرجة في البورصة، وكنا نعلم ما طبيعة عملها. أما مالكوها الجدد فهم من الشركات الخاصة أو صناديق المضاربة. والأولوية لهؤلاء تكمن في توزيع الأرباح. هم قد يتسلمون الإدارة ويقتطعون من الميزانية بطريقة قاسية ربما.

وما يثير القلق لدى الناشرين عموما في الولايات المتحدة هو الميل نحو توقف صحف عن الصدور في المجتمعات التي تواجه مشكلات كبرى، مع مستويات كبيرة من الفقر، فيما هي الأكثر حاجة للمعلومات من أجل تحضير مستقبل أفضل.

والصحف الوطنية الكبرى هي النماذج الاقتصادية القادرة على تقديم بدائل مثل نيويورك تايمز أو وول ستريت جورنال، حيث تطبق استراتيجية لبلوغ عدد كاف من القراء وإقناعهم بالدفع. لكن صحيفة إقليمية لن تنجح يوما في استقطاب 5.5 مليون مشترك.

ويمكن لنماذج ربحية أو غير ربحية أو هجينة أن تثبت فاعلية تبعا للحالات. ففي حال وجود مالك صحيفة مبدع ومجتهد يرغب في الاستثمار على المدى الطويل في سوق تتمتع بمقدّرات نمو، ثمة فرص في النجاح.

ستصمد الصحافة الورقية بشكل أو بآخر. قبل عشر سنوات، كنا جميعا نتوقع أننا سنقرأ اليوم الكتب الرقمية. لكن هذه المنتجات وصلت إلى أوجها قبل خمس سنوات! لا يزال هناك مستقبل للمطبوعات الأسبوعية والشهرية. مع بعض الاستثناءات، سنظل نتذكر بحنين زمن الصحف اليومية والملخص عن الساعات الأربع والعشرين الماضية”.

18