الشيوعي السوداني يبحث عن تدعيم قوته السياسية للضغط على السلطة

الخرطوم- أعاد الحزب الشيوعي السوداني تدوير فكرة التقارب بين الأحزاب المدنية والحركات المسلحة في محاولة لتدشين معارضة قوية تعمل على إنهاء الانقلاب العسكري على السلطة والتأسيس لمرحلة انتقالية جديدة بعد أن فشلت قوى مدنية تنشط على الأرض في إحداث تغيير وممارسة ضغط حقيقي يسهم في حلحلة الأزمة الراهنة.
أثارت نواة التحالف الجديد مخاوف من إمكانية تكرار مشكلات سابقة أفرزها تحالف “نداء السودان” الذي ضم أحزابا مدنية وحركات مسلحة وقعت على اتفاق سلام جوبا، ثم أصبح جزءا من إعلان قوى “الحرية والتغيير” وتوحدت قواه على إسقاط نظام الرئيس عمر البشير قبل أن تدب خلافات بشأن الأهداف المرحلية بعد نجاح الثورة.
وكشف الحزب الشيوعي الأحد عن تنسيق جديد بينه وبين حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، لإحداث تغيير جذري شامل عبر تنسيق العمل السلمي لمقاومة ومناهضة الانقلاب وهزيمة ما يسمى بقوى الهبوط الناعم.

إيمان عثمان: المشاورات مع حركتي نور والحلو هدفها طرح وثيقة سلام
ولم تنخرط الحركتان في جهود السلام السابقة وعبرتا عن مواقف متشددة من السلطة الانتقالية وتقاربتا على نحو أكبر مع حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك وبعض القوى المدنية المتحالفة معه، واتخذتا مواقف قريبة من الحزب الشيوعي الذي تزايدت معارضته للتحالف بين المدنيين والعسكريين.
وقال السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب خلال مؤتمر صحافي نظمه الحزب بالخرطوم أخيرا إن حزبه توافق مع الحركتين لتدشين تحالف “قوى الثورة الحية صاحبة المصلحة في التغيير الجذري الشامل”، وهي قوى تتكون من شرائح وطبقات مقهورة في المركز والهامش.
وجاءت التحركات في وقت تحاول فيه السلطة الحالية إثبات حسن النوايا لنجاح العملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية الإقليمية والدولية وتخشى من تأثيرات التحالف بين تيارات مدنية وقوى مسلحة لم تنخرط بعد في جهود السلام على مركزيتها، وقد تشكل الخطوة تهديدا إذا تمت ترجمة ما جرى الحديث عنه كـ”نضال ضد السلطة” إلى أعمال عنف.
ويشير التعاون والتنسيق إلى وجود مساحات ضغط جديدة تمارس ضد الأطراف الموجودة على رأس السلطة الحاكمة، وأن تلك الضغوط لن تكون فقط في مجابهة العسكريين لكن أيضا ستوجه إلى حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام واختارت التقارب مع المكون العسكري للحفاظ على مواقعها في رأس السلطة الانتقالية.
ويبدو أن الحزب الشيوعي الذي يتخذ مواقف رافضة للحوار مع السلطة ويُصر على مواقفه الساعية لإنهاء الانقلاب وجد في الحركتين سبيلا مناسبا لتعزيز مواقفه، حيث تتخذان نفس الموقف من الحوار ولديهما تحفظات على عمل الآلية الثلاثية، بجانب أن التحالف يوفر فرصة لتكثيف الضغط على السلطة عبر الحراك في المركز والهامش.
وأكدت رئيسة تحرير صحيفة “الميدان” والناطقة باسم الحزب الشيوعي إيمان عثمان أن المشاورات مع الحركتين لم تصل بعد لتدشين التحالف بشكل رسمي والهدف طرح وثيقة متوافق عليها تحمل عنوان “قوى الثورة الحية للتغيير الجذري والشامل بغرض السلام والعدالة والوحدة”.

محمد صديق: التحالف الجديد لن يقود إلى شيء ولن يحدث تغييرا
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الحركتين كانتا جزءا من ثورة ديسمبر ولعبتا دورا في مقاومة النظام السابق الذي تفاوض لإنهاء الكفاح المسلح والانخراط في السلام، ومن الطبيعي أن يتم التشاور معهما في إطار العمل السياسي.
وقد أثبتت الأحداث صواب رؤية الحركتين من اتفاق السلام الذي تحول إلى وسيلة للوصول إلى السلطة، وهناك حاجة للبحث عن أطر جديدة لتحقيق العدالة والحرية.
ودافعت عثمان عن رؤية الحزب الشيوعي بتأكيدها أنه جزء من المنظومة السياسية التي تستهدف تشكيل مجلس موحد للتغيير وإسقاط السلطة مع التمسك بالسلمية.
وأثارت اللقاءات التي عقدها الحزب الشيوعي مع قادة الحركتين أخيرا في عاصمة جنوب السودان (جوبا)، ومنطقة كادوا الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، جدلا بشأن أحقية الحزب عقد لقاءات مع حركات تحمل السلاح وتسيطر على مناطق تسميها “محررة” غير خاضعة للسلطة في الخرطوم.
وأوقفت سلطات الأمن السودانية قياديين شاركا في اللقاء فور عودتهما إلى مطار الخرطوم قبل أن تُفرج عنهما الجمعة، وتم اعتقال عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي آمال الزين، عقب مؤتمر صحافي أقامه الحزب بمقره في الخرطوم.
وأوضح عضو اللجنة المركزية صالح محمود أن “إجراءات اللقاء مع قيادات في الحركتين لا تقتضي الاستئذان من أحد، وقد ذهبنا إلى أصحاب قضية أساسيين في أي تغيير في هذه البلد، ولم نذهب لأي أجنبي أو مشبوه”.
ويخدم الحراك الأخير حركتي الحلو ونور بعد أن تراجع حضورهما السياسي منذ الانقلاب على السلطة ولم تنخرطا مباشرة في الأزمات السياسية التي تضاعفت حدتها عقب انقلاب أكتوبر الماضي، وتشكل عودتهما من بوابة حزب مدني (الشيوعي) برهانا على أنهما تتمسكان بالحلول السياسية دون الانخراط في حروب مسلحة.
ويجد الحلو ونور في التحالف مع الحزب الشيوعي فرصة لتوجيه ضربات إلى حلفاء الكفاح المسلح السابقين الذين باتوا جزءا من السلطة الحاكمة الآن، وقد وجد الرجلان حركتيهما خارج المعادلة السياسية في البلاد بفعل الدعم الدولي لاتفاق جوبا، وتمثلت قوته في إدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية.

صالح محمود: ذهبنا إلى أصحاب قضية أساسيين في أي تغيير في هذه البلد
ودخلت حركة جيش تحرير السودان على خط أزمة اعتقال قياديي الحزب الشيوعي وهاجمت السلطة الحاكمة واعتبرت “حملات القمع والاعتقالات التي تشنها حكومة الانقلاب تؤكد المضي فى نهج البطش وتكميم الأفواه لفرض انقلابهم الآيل للسقوط”.
ونددت الحركة بالتعامل مع اللقاءات التي عقدت مع الحزب الشيوعي كجريمة، مؤكدة أنها جاءت لمناقشة “قضايا الوطن وإيجاد مخرج لحالة الانسداد السياسي بالسودان”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق إلى أن فكرة التحالف بين الطرفين مأزومة، لأن الشيوعي وقع في أخطاء خلال الفترة التي سبقت الانقلاب وحاول اللعب على جميع الحبال لضمان الحفاظ على شعبيته.
وذكر لـ”العرب” أن مواقفه الحالية تواجه بانتقادات عدة، في حين أن الحركتين تفتقران لاستراتيجية واضحة في التعامل مع أي حدث سياسي وترتكنان لأفكار موروثة.
ورأى أن التحالف الجديد لن يقود إلى شيء، فالحركتان ليست لديهما قدرة على مقاومة الانقلاب، وبعيدتان عن مركز الأحداث، فإحداهما تتمركز في جبال النوبة في الجنوب، والثانية ينحصر نشاطها على بعض معسكرات في دارفور.
وأحدثت اللقاءات الأخيرة زوبعة إعلامية من دون أن تحمل مؤشرات قوية على إحداث تغيير جوهري في المعادلة السياسية لحل الأزمة الراهنة، خاصة أن السيولة التي تتسم بها الساحة السياسية قابلة لتدشين تحالفات موازية.
ومن المتوقع رؤية أطراف كانت متناقضة في الأهداف والتوجهات الفترة الماضية تقف على أرضية معارضة السلطة، غير أن الفيصل في مدى القدرة على الإنجاز السياسي على الأرض وتقديم رؤية متماسكة تفك شيفرة الانسداد الراهنة.