الشيخوخة تثير الخوف على مستقبل إيران

طهران – تثير شيخوخة السكان السريعة في إيران الخوف على مستقبل البلاد، ولاسيما في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، وهو ما حدا بالقادة إلى مضاعفة الجهود سعيا لتشجيع الولادات.
وانتقلت التركيبة السكانية في إيران على مر السنوات من غالبية من الشباب إلى سكان متقدمين في السن، على وقع زيادة متوسط العمر المتوقع وتراجع معدل الولادات وانخفاض حاد في الخصوبة.
وباتت وتيرة شيخوخة البلد البالغ عدد سكانه نحو 86 مليونا، تزيد بخمس مرات عن وتيرة نموه السكاني، بحسب ما أوردته وكالة إرنا الرسمية نقلا عن محمد جواد محمودي مدير المعهد الوطني للبحث السكاني.
وقال الباحث في طهران دانيال محمودي إن “شيخوخة السكان تعد أحد أكبر التحديات التي تواجهها البلاد اليوم وتتطلب تفكيرا جديا من جانب السلطات المعنية والشعب.”
وأضاف محمودي “أعتقد أن أكبر عائق هو الوضع الاقتصادي الذي يثبط عزم الناس على تكوين أسر أكبر؛ حيث أصبح كل شيء، بدءا من الوظائف وصولا إلى السكن، محل صراع كبير.”
ووصف سيد محمد سيد ميرزائي، أستاذ الدراسات السكانية في طهران، السكان الشباب بأنهم “القوة الدافعة الرئيسية وراء نمو أي أمة.” وحذر من أنه إذا استمر انخفاض معدلات الخصوبة فإن “نافذة الفرصة الديمغرافية” للبلاد سوف تُغلق في العقود المقبلة، وسوف يفوق عدد كبار السن عدد العمال في سن العمل القادرين على إنتاج الثروة.
وقال “إن الأسر الإيرانية تتقلص باستمرار، وهذا أمر مقلق. في الماضي كان لدى العديد من الأسر خمسة أو ستة أطفال. لكنْ الآن لدى معظم الأسر طفلان أو حتى طفل واحد. والكثير من الناس لا يتزوجون حتى، وحتى إذا تزوجوا فإنهم لا يريدون أي طفل.”
وذكر أنه “إذا أُغلقت نافذة الفرصة الديمغرافية أمام إيران، فسوف تُغلق إلى الأبد. ويتعين علينا أن نفعل شيئاً حيال هذا الأمر.”
ففي 2021 كان السكان البالغة أعمارهم 60 عاما فما فوق يمثلون حوالي 11 في المئة من عدد السكان، لكن من المتوقع أن تزيد هذه النسبة بثلاث مرات بحلول 2050 لتصل إلى ثلث السكان، وفق تقرير أعدته الأمم المتحدة ونشر عام 2023.
وحذر وزير الداخلية إسكندر مؤمني في ديسمبر الماضي من أنه “في ظل هذا التوجه، ستكون البلاد أمام أزمة خطرة في المستقبل،” مشيرا إلى أن عدد السكان قد يتراجع بأكثر من النصف خلال السنوات الـ75 المقبلة.
وسعيا لتحفيز الولادات تقوم الحكومة بحملة تنشر خلالها ملصقات في جميع أنحاء البلد، يصور أحدها والدين يحضنان أولادهما الأربعة تحت سقف منزل وعليها شعار “الأطفال، نبض حياتنا.”
عرفت إيران فورة ولادات خلال الحرب مع العراق (1980 – 1988) عندما شجعت الحكومة الإنجاب، غير أنها عادت وعكست سياستها في الوقت الذي كانت فيه البلاد تكافح لإعادة بناء اقتصادها.
وأوضح محمدي أن معدل الخصوبة تراجع بشكل حاد منذ ذلك الحين من 6.4 أطفال للمرأة إلى 1.6 عام 2023، بموازاة التباطؤ الشديد للنمو الديمغرافي من 1.29 في المئة عام 2011 إلى 0.6 في المئة عام 2023.
وبعدما أيد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي سياسات التخطيط الأسري، وصفها لاحقا بأنها “خطأ”.
وأعلن في أغسطس الماضي أن “البلاد في حاجة إلى سكان شباب،” محذرا من أنه “إذا لحقت بها التبعات المريرة لشيخوخة السكان، فلن يكون هناك علاج.”
غير أن الكثير من الإيرانيين يترددون في تأسيس عائلة في بلد يخضع لعقوبات دولية شديدة ويعاني من البطالة والتضخم، وغالبا ما يختار الشباب إعطاء الأولوية لأهداف شخصية أو مهنية في حياتهم.
وقالت زهرة، خبيرة المكياج البالغة من العمر 39 عاما والمقيمة في طهران، رافضة كشف اسمها الكامل إن “تربية طفل هي التزام هائل.” وأضافت “نشأتي في العاصمة لم تكن تجربة جيدة بسبب النظام التربوي السيء والوضع الاقتصادي الكارثي.”
وأوضح شاهو صبار، أستاذ العلوم العالمية في جامعة طهران، أن الأزمة “لم تبدأ بصورة مفاجئة” لكن “الناس بدأوا يشعرون بوطأتها خلال العقد الماضي.”
ورأى أن العواقب على المدى البعيد قد تكون وخيمة وتتراوح بين تقلص أعداد اليد العاملة وانخفاض النمو الاقتصادي.
وضاعفت السلطات الجهود لتشجيع الزواج والإنجاب، فأقرت تحفيزات مثل القروض العقارية منخفضة الفائدة والمساعدات المالية والرعاية الصحية المجانية للأمهات والأطفال.
وفي عام 2021 أطلقت إيران تطبيقا للتعارف وفق التقاليد الإسلامية هدفه إقامة “زيجات تدوم” للشباب.
وفي السنة ذاتها أصدرت الجمهورية الإسلامية قانونا يجرم استخدام وسائل منع الحمل ويحظر عمليات التعقيم ويفرض قيودا صارمة على فحوص الكشف عن الأمراض الوراثية خلال الحمل.
ورأت زهرة أن هذا الإجراء الأخير له مفعول رادع، قائلة “أشعر حاليا بقلق كبير من أن يولد طفلي مصابا بتشوهات وراثية.”
وقال اعتمادي، الموظف الحكومي البالغ من العمر 38 عاما والأب لثلاثة أطفال، “هذه الحوافز إما يصعب جدا تطبيقها أو هي ضعيفة جدا بالمقارنة مع كلفة تربية طفل.”
وأكد صبار أن مفعول التدابير الحكومة يبقى محدودا، معتبرا أن على الحكومة “إحلال بيئة ملائمة أكثر”، ولاسيما من خلال تشجيع الادخار والاستثمار.