الشطرنج رقعة التعايش السلمي في جنوب السودان

نادي مونوكي للشطرنج يعتبر ملاذا للتعايش السلمي بعد مرور أكثر من خمس سنوات على اندلاع الحرب التي تتواجه فيها مجموعات عرقية مختلفة في جنوب السودان.
الأربعاء 2019/03/27
حرب تنتهي بالضحك

جوبا- تعلو هتافات حماسية في قاعة ناد للشطرنج قرب جوبا عاصمة جنوب السودان في عصر كل أحد مشمس… ففي هذه الدولة الغارقة في الحرب، يقبل السكان بدرجة متزايدة على ممارسة هواية لعبة الملوك في محاولة لتناسي مشقات الحياة اليومية.

يتواجه دنغ كوستا (28 عاما) في مباراة شطرنج مع أنجيلو ليجيه (36 عاما)، فيما يحيط بهما عدد من المتفرجين قرب ساحة صغيرة يعلو فيها صراخ شباب يتابعون مباراة من الدوري الإنكليزي لكرة القدم، ويشتتون تركيز اللاعبين لفترة وجيزة.

لكن ذلك ليس كافيا لمساعدة كوستا، فليجيه الذي يقول إن البعض يطلق عليه “أنجيلو العظيم”، هزم خصمه الذي ترك مكانه غاضبا. ورغم مرور أكثر من خمس سنوات على اندلاع الحرب التي تتواجه فيها مجموعات عرقية مختلفة في هذه الدولة الناشئة، فإن نادي مونوكي للشطرنج يعتبر ملاذا للتعايش السلمي.

إنها عطلة نهاية أسبوع عادية في نادي الشطرنج، وهو واحد من عدة أندية موجودة في جنوب السودان الذي تمزقه الحرب، وحيث سمح الإقبال المتزايد على اللعبة بحصول هذا البلد العام الماضي على أول ميدالية ذهبية في مسابقة دولية منذ استقلاله في العام 2011.

وتعرف ليجيه إلى الشطرنج خلال دراسته الهندسة المدنية في الخرطوم خلال حرب الجنوب من أجل الاستقلال عن السودان. وعندما نظمت أول مسابقة للشطرنج في جنوب السودان في العام 2014، حل في المركز الثالث. وبالنسبة إلى هذا الشاب الذي يكافح من أجل رسم مستقبله في بلد تركت فيه الحرب الملايين من الشباب في وضع مماثل لوضعه، تشكل لعبة الشطرنج الدواء الشافي.

فسحة خاصة
فسحة خاصة

يقول “عندما أشعر بالإحباط حيال مستقبلي كمهندس أذهب لأمارس لعبة الشطرنج وأجد حلولا”، مضيفا “هي مسألة تمضية وقت لكن أيضا لإنعاش ذهني وإعطائي رؤية عن خطواتي المستقبلية”.

ويوضح ليجيه “كما ترون، فإن أشخاصا من أعراق وقبائل مختلفة يأتون إلى هنا ليلعبوا الشطرنج، وبذلك نصبح أخوة ونوطد الاحترام بيننا”. ومنافسه كوستا الذي تعلّم الشطرنج عندما كان مراهقا، طالب في العلوم التطبيقية في جامعة جوبا وهو يحلم بالوصول إلى أولمبياد الشطرنج ذات يوم. ويقول “لعبة الشطرنج تجمع الأشخاص ولذلك أحبها، إذا سارت الأمور على ما يرام، فستكون الشطرنج ثاني أكثر الألعاب شعبية في جنوب السودان بعد كرة القدم”.

وأسس جمعية الشطرنج لجنوب السودان جادا ألبرت مودي في العام 2009، قبل سنتين من الاستقلال. وأصبحت عضوا كاملا في الاتحاد الدولي للشطرنج في العام 2016 في باكو في أذربيجان التي استضافت أول أولمبياد شارك فيه لاعبون من جنوب السودان.

ويقول مودي “كانت صدمة كبيرة لبعض لاعبينا، وكانت المرة الأولى التي يسافر فيها البعض خارج البلاد”. وقد حل هؤلاء في المركز الثاني في مجموعتهم، لكن بعد سنتين حلوا في المركز الأول ملحقين الهزيمة بـ45 دولة. ويوضح مودي “كانت تلك الميدالية الذهبية الأولى لجنوب السودان في أي رياضة”.

وصنف الاتحاد الدولي للشطرنج جنوب السودان في المرتبة الـ126 من بين 185 دولة. ويقول مودي إنه من الصعب تحديد متى بدأت شعبية الشطرنج تنمو، “فخلال الكفاح من أجل الاستقلال عندما لم يكن الضباط والجنود يقاتلون، كانوا يلعبون لعبة الشطرنج، وهناك الكثير من كبار المسؤولين الحكوميين لدينا يلعبون لعبة الشطرنج”.

الشطرنج ستكون ثاني أكثر الألعاب شعبية في جنوب السودان بعد كرة القدم
الشطرنج ستكون ثاني أكثر الألعاب شعبية في جنوب السودان بعد كرة القدم

ويشعر مودي بالفخر بالتماسك الموجود بين لاعبي الشطرنج في نادي مونوكي الذي سمي تيمنا باسم حي في جوبا، والذي يلعب فيه أيضا أطباء وسفراء أيضا. ويضيف “هناك تنوع كبير حقا… وقد ظهرت هذه الوحدة في العام 2013 عندما كان الصراع قائما فاعتنينا ببعضنا البعض هنا، وفي العام 2016 حصل الأمر نفسه”.

ويوضح “أعتقد أن الرياضة تجمع الأشخاص فعلا… وجنوب السودان يحتاج إلى أن يتعرف الناس إلى بعضهم؛ ليس من خلال العلاقات القبلية أو العرقية، لكن من خلال الطاقات والقدرات والهوايات والمصالح المتبادلة”.

ويحلم رئيس الجمعية بحلول يوم تكون فيه لجنوب السودان فسحة خاصة خالية من مشجعي كرة القدم المشاكسين، للعب الشطرنج بهدوء وسلام، وأن تكون هناك برامج تقدم اللعبة في المدارس خصوصا للفتيات. ويلفت إلى أن “التحدي الذي نواجهه هو أن نرتقي… يجب أن يلعب المشاركون بشكل تنافسي… وماديا لا يستطيع معظم لاعبينا تحمل النفقات”.

وسجلت في جوبا مواجهات عنيفة عندما اندلعت الحرب بين مؤيدي الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار في ديسمبر 2013، ومرة أخرى في يوليو 2016 عندما انهار اتفاق سلام.

ووقّع آخر اتفاق لإنهاء الحرب في سبتمبر 2018 وقد توقفت المعارك في معظم أنحاء البلاد. وبالنسبة إلى الشباب مثل ليجيه، يوفر السلام فرصة حقيقية لمستقبل مستقر. وهو يقول “نريد أن يلتزم حكامنا بالاتفاق لإحلال السلام لأننا نحن كجيل كامل وأنا كمهندس، نريد المشاركة”.

20