الشرق الأوسط يفقد عامليه الصحيين لفائدة الدول المتقدمة

تكافح منطقة الشرق الأوسط للتمسّك بالجسم التمريضي وسواه من العاملين الصحيين، الذي يعاني نقصا يُعزَى في الوقت الحالي إلى الهجرة خارج البلدان منخفضة الدخل في المنطقة بسبب الرواتب المنخفضة، وظروف العمل السيئة، والافتقار إلى فرص التنمية المهنية، وعدم الاستقرار، والمخاوف الأمنية.
القاهرة – لطالما شكَّل نقص العاملين الصحيين في منطقة الشرق الأوسط، الذي أسفر عن عوز كبير في القوى العاملة الصحية المدربة والخبيرة، شاغلًا إنمائيًّا رئيسيًّا، وقد زادت هجرة العاملين في مجال الرعاية الصحية وزاد تنقُّلهم بسبب الأزمات الممتدة في الإقليم، وجائحة كوفيد-19، والطلب المتزايد على المهنيين الصحيين في البلدان المتقدمة. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، إذ تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2030 سيبلغ النقص العالمي في العاملين الصحيين ما يقارب 18 مليون عامل صحي. والهجرة الجماعية للعاملين الصحيين في إقليم شرق المتوسط تعني أن الإقليم في مقدوره أن يكون مصدرًا مهمًّا للبيانات والبحوث من أجل فهم العواقب الناجمة عن هجرة العاملين الصحيين، ووضع حلول ترمي إلى التصدي لتحديات القوى العاملة الصحية.
وقالت كارميلا غوديو، المديرة الإقليمية للمنظمة الدولية للهجرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “اليوم، نحيِّي ونكرِّم جميع أبطال العمل الصحي المهاجرين، الذين عملوا على مدار الساعة لمواجهة الأثر القاتل لجائحة كوفيد-19 وإنقاذ الأرواح. وبينما نحتفل بالجهود البطولية والنجاحات التي حققتها القوى العاملة الصحية المهاجرة، فإننا نشعر بالقلق إزاء تأثير الهجرة الجماعية للعاملين في مجال الرعاية الصحية إلى خارج البلدان المنخفضة الدخل في الإقليم، التي أدت إلى نقص كبير في القوى العاملة الصحية”.
وأضافت أن هذه القضية يمكن معالجتها من خلال شراكات تنقل الكفاءات، وهي مبادرة للنهوض بنهج مستدام بشأن هجرة الكفاءات وتنقُّلها، مبنيةٌ على فكرة بناء المهارات لفائدة بلدان المنشأ والمقصد على حد سواء.
جائحة كورونا تسببت في خسائر فادحة بالنسبة إلى العاملين الصحيين وكشفت الإهمال الخطير الذي تتعرض له صحتهم
وقال أحمد المنظري، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط “إن المهنيين الصحيين المغتربين يستطيعون أن يجلبوا ثروة من المهارات والخبرات من الخارج، ومن ثَم، ينبغي وضع آليات لضمان إسهامهم بفعالية. ولا بد من التنسيق الجيد لإسهام العاملين في الرعاية الصحية وهم في الغربة، ودعمهم من جانب الحكومات من أجل تحقيق أثر مستدام. ويجب أن تكون هناك خُطط واضحة وقوية وقادرة على الصمود أمام أي تغييرات غير متوقعة. وقد يمتد نطاق هذه الخطط ليشمل مراحل التأهب والاستجابة والتعافي في البلدان التي تواجه حالات طوارئ، ومنها جائحة كوفيد-19. وعلى الرغم من حرص المهنيين الصحيين، الذين يختارون البقاء في بلدانهم الأصلية، على دعم تنمية القطاع الصحي والإسهام فيه، فإنهم بحاجة إلى تزويدهم بالهياكل المناسبة وفرص التطوير المهني المستمرة. فمن واجبنا أن نحمي القوى العاملة الصحية ونستثمر فيها، حتى نضمن تحقيق الصحة للجميع وبالجميع”.
وقد استضاف المكتب الإقليمي لشرق المتوسط فعالية “الحوار الإقليمي بشأن إسهام العاملين الصحيين المهاجرين”، وحضرها ممثلون عن الوزارات والمؤسسات المعنية، وراسمي السياسات، والأوساط الأكاديمية، والمنظمات الشريكة. وكان هذا الحوارُ هو الأولَ ضمن سلسلة من الحوارات الإقليمية المخطط لها بشأن التنقل الدولي للمهنيين الصحيين، التي تشترك في تنظيمها المنظمتان. وستركز الجلسات المقبلة على الاستثمار في تعزيز القوى العاملة الصحية بشكل مشترك، وإدارة الهجرة لمواجهة الآثار المترتبة على تنقُّل المهنيين الصحيين.
وسبق لماريا نيرا، مديرة إدارة البيئة وتغير المناخ والصحة بمنظمة الصحة العالمية، أن قالت إن العمل في قطاع الصحة كان من بين الأكثر خطورة حتى قبل جائحة كوفيد-19. وأضافت “لم يكن هناك سوى عدد قليل من مرافق الرعاية الصحية التي تملك برامج لإدارة الصحة والسلامة في العمل. عانى العاملون الصحيون من الإصابة بالأمراض واضطرابات وإصابات العضلات والعظام والعنف في مكان العمل والمضايقة والإرهاق والحساسية، من جراء سوء بيئة العمل”.

وتسببت جائحة كورونا في خسائر فادحة إضافية بالنسبة إلى العاملين الصحيين وقد كشفت الإهمال الخطير الذي تتعرض له صحتهم وسلامتهم ورفاههم.
ويفتقر أكثر من مرفق من بين كل ثلاثة مرافق صحية إلى مراكز النظافة في نقطة الرعاية. ويملك أقل من بلد واحد من كل ستة بلدان سياسة وطنية بشأن بيئة عمل صحية وآمنة في قطاع الصحة، وفقا للوكالتين الأمميتين. وقد كشفت جائحة كوفيد -19 عن التكلفة الناجمة عن هذا النقص المنهجي في ضمانات صحة وسلامة ورفاهية العاملين الصحيين.
وقال جيمس كامبل، مدير إدارة القوى العاملة الصحية بمنظمة الصحة العالمية: “إن الأشهر الثمانية عشر الأولى من انتشار الجائحة، شهدت وفاة حوالي 115.500 عامل صحي بسبب الإصابة بالفايروس”. وأضاف “أدى الغياب بسبب المرض والإرهاق إلى تفاقم النقص الموجود مسبقا بين العاملين الصحيين وتقويض قدرات النظم الصحية على الاستجابة للطلب المتزايد على الرعاية والوقاية خلال الأزمة”. وأشار إلى أن هذا التوجيه الجديد يقدم “توصيات حول كيفية التعلم من هذه التجربة وحماية العاملين الصحيين لدينا بشكل أفضل”.
وتوصي المنظمتان بوضع وتنفيذ برامج مستدامة لإدارة الصحة والسلامة المهنية للعاملين الصحيين على المستوى الوطني ودون الوطني ومستوى المرافق الصحية. وتشددان على ضرورة أن تغطي هذه البرامج جميع المخاطر المهنية التي تواجه هؤلاء العاملين.
115
ألف عامل صحي توفي بسبب الإصابة بفايروس كورونا
ويحدد الدليل أيضا الأدوار التي يجب أن تلعبها الحكومات وأصحاب العمل والعمال وخدمات الصحة المهنية في تعزيز وحماية صحة وسلامة ورفاهية العاملين الصحيين. ويؤكد أن الاستثمار المستمر والتدريب والمراقبة والتعاون كلها تعد أمورا ضرورية لاستمرار التقدم في تنفيذ البرامج.
ودعت أليت فان لوير، مديرة قسم السياسات القطاعية بمنظمة العمل الدولية، إلى ضرورة “وضع آليات فعالة لضمان التعاون المستمر بين أصحاب العمل والمديرين والعاملين الصحيين، بهدف حماية الصحة والسلامة في العمل”.
وشددت على أهمية “أن يتمتع العاملون الصحيون، مثلهم مثل جميع الموظفين الآخرين، بحقهم في العمل اللائق، وتوفير بيئات العمل الآمنة والصحية، والحماية الاجتماعية، والحق في الإجازات المرضية”.
ووفقا للمنظمتين، شهدت البلدان التي طورت ونفذت برامج الصحة والسلامة بالنسبة إلى العاملين الصحيين انخفاضا في الإصابات والأمراض المرتبطة بالعمل والإجازات المرضية، فضلا عن تحسينات في بيئة وإنتاجية العمل والاحتفاظ بالعاملين الصحيين.
وقد وصفت فيرا باكيت-بيرديغاو، مديرة إدارة الحوكمة في منظمة العمل الدولية مثل هذه البرامج بأنها عنصر أساسي بالنسبة إلى الإدارة الفعالة للسلامة والصحة المهنيتين، على النحو المبين في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 187، مشيرة إلى أن هذه البرامج توفر فرصة للعمل المنسق من قبل جميع أصحاب المصلحة من خلال الحوار الاجتماعي نحو أهداف مشتركة لتعزيز العمل اللائق في قطاع الصحة وزيادة قدرة المؤسسات الصحية على الصمود.
وستواصل منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية تقديم التوجيه والمساعدة للبلدان لتطوير وتنفيذ برامج الصحة والسلامة المهنية للعاملين الصحيين.