الشرع يخفي سلفيته العميقة بالاحتماء بواجهة بيروقراطية الدولة السورية

الشرع قد ينجح في تحقيق الاستقرار لكن من المرجح أن ينطوي هذا على قدر من الأسلمة الدستورية والقمع السياسي.
الأربعاء 2025/04/09
تطمينات لا تحجب المخاوف

دمشق - بعد الانهيار غير المتوقع لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا أمام تحالف من الجماعات المسلحة، يُتابع المراقبون التطورات في سوريا عن كثب، غير متأكدين من كيفية حكم القيادة الجديدة بعد الأسد. ويأمل الكثيرون في الغرب أن يقود الرئيس الجديد، أحمد الشرع (غالبا ما يُشار إليه باسمه الحركي، أبومحمد الجولاني)، البلاد التي مزقتها الحرب نحو مسار معتدل ليبرالي مؤيد للغرب.

وبينما لا يزال اتجاه البلاد المستقبلي غامضا، يمكن استخلاص أفضل مؤشر على مسار سوريا من تحليل الحكومة الحالية، وهي الخليفة المباشر لمنظمتين مرتبطتين ارتباطا وثيقا: هيئة تحرير الشام، الجماعة الجهادية السلفية بقيادة الشرع، وحكومة الإنقاذ السورية، الإدارة المدنية التي أنشأتها هيئة تحرير الشام لحكم الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

ويقول إيثان كوفمان، مساعد في برنامج مكافحة الإرهاب في مؤسسة جايمس تاون، إن قليلين هم من يعرفون حكومة الإنقاذ السورية التي تجنّبت الأضواء الدولية التي اجتذبتها نظيرتها العسكرية. لكن هذه المجموعة تطورت من إدارة حياة السوريين تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الفعلية في محافظة إدلب إلى أن أصبحت حكومة البلاد المعترف بها دوليا.

ويُظهر النظام السوري الجديد، للأسف، بعد بضعة أشهر فقط من حكمه، علامات تطرف. ويشمل ذلك المذبحة الأخيرة التي سقط فيها 1500 علوي مرتبطين بنظام الأسد الوحشي، بالإضافة إلى العودة إلى بعض السياسات الإسلامية المتشددة كتدريب الشرطة المدنية على تطبيق الشريعة الإسلامية. كما يُقيد الدستور المؤقت المُوقّع مؤخرا سلطة الشرع رسميا، بينما يمنحه فعليا سيطرة غير محدودة تقريبا على المؤسسات الناشئة في سوريا.

وتتوافق هذه التطورات مع ما يمكن ملاحظته عند دراسة تطور علاقة حكومة الإنقاذ السورية بهيئة تحرير الشام منذ سنة 2018، حيث يبدو أن التوجهات المعتدلة ذات الميول الغربية كانت مدفوعة بمصالح الشرع أكثر من أي تحول أيديولوجي حقيقي.

نجاح الهيئة وفشل الآخرين

لم يكن إنشاء هيئة تحرير الشام حكومة الإنقاذ السورية كهيئة حاكمة شبه مستقلة في ظل نظام جهادي، أمرا عاديا، حيث تُفضل الجماعات الجهادية الأخرى عادة الحكم المباشر. ويمكن تعديد أوجه تشابه رئيسية بين هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، حيث برز كلاهما كتنظيمين تابعين للقاعدة، يستغلان فراغ السلطة الناجم عن الحروب الأهلية المستمرة لترسيخ قواعد نفوذهما وتعزيز أجنداتهما الأوسع.

وحاولا تقديم الخدمات للمدنيين لتعزيز شرعيتهما وكسب الدعم المحلي والدولي. لكن تقديم هذه الخدمات اعتُبر وسيلة لتحقيق غاية، فهي تُساعد في التجنيد، وحشد الموارد، وتأمين دعم دولي إضافي.

والأهم من ذلك أن هيئة تحرير الشام نجحت حيث فشل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ومن أسباب فشله أنه أعطى الأولوية للتنفيذ المباشر لرؤيته الصارمة للحكم الإسلامي من خلال الرقابة الدينية الصارمة. وأدّى هذا إلى نتائج عكسية، حيث استنزف موارده المحدودة، وأضعف قوته العسكرية، ونفّر السكان المحليين الذين اعتبروا سلفيته تسلطا أجنبيا غير مرغوب فيه.

إيثان كوفمان: قليلون من يعرفون حكومة الإنقاذ السورية التي تجنّبت الأضواء الدولية التي اجتذبتها نظيرتها العسكرية
إيثان كوفمان: قليلون من يعرفون حكومة الإنقاذ السورية التي تجنّبت الأضواء الدولية التي اجتذبتها نظيرتها العسكرية

وأنشأت هيئة تحرير الشام حكومة الإنقاذ السورية للحكم دون تدخلات، وتعويض المجالس المحلية القائمة التي نشطت تحت رقابة الجيش الوطني السوري الذي تدعمه تركيا، وهذا ما مكّن هيئة تحرير الشام من تفويض “القضايا غير السياسية”، كإصلاح البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، إلى قادة المجتمع المدني المحليين، بينما ركزت هي على الشؤون العسكرية.

وعملت حكومة الإنقاذ السورية، رغم تبعيتها لهيئة تحرير الشام، باستقلالية كبيرة في مسائل لا تتعلق بها أو بقادتها مباشرة. وبذلت الهيئة جهودا للظهور بمظهر أكثر اعتدالا، خاصة عبر النأي بنفسها عن تنظيم القاعدة، لكنها لم تتخلَّ رسميا عن تفسيرها السلفي للإسلام.

وفي المقابل، تخلت حكومة الإنقاذ السورية عن المذاهب السلفية في الحكم الإسلامي، مطبقة الشريعة الإسلامية وفقا للمذهب الشافعي المحلي الأكثر تسامحا. وقد مثّل هذا تناقضا صارخا مع تنظيم داعش المعروف بإجراءاته الصارمة والمتشددة.

ويُذكر هنا أن حكومة الإنقاذ السورية حاولت فرض “شرطة أخلاقية” دينية صارمة على السكان أكثر من مرة. ثم اضطرت إلى تخفيف هذه الجهود بسبب الضغط العام والرغبة في ضمان القبول الدولي.

وربما أدركت حكومة الإنقاذ السورية، باعتبارها الذراع المدنية لهيئة تحرير الشام، ضرورة الحفاظ على المساءلة أمام من تحكمهم للحفاظ على شرعيتها. ورأت في ذلك أمرا بالغ الأهمية لجذب اهتمام دولي إيجابي وترسيخ مكانتها كحاكم شرعي لسوريا بعد الأسد.

وبالتالي، لا ينبغي اعتبار الاعتدال النسبي لحكومة الإنقاذ السورية أساسا لنظام ليبرالي وليد، فهو إستراتيجية سياسية مدروسة لضمان شعبية محلية ورضا المراقبين الدوليين. وليس من السليم افتراض أن إستراتيجية هيئة تحرير الشام في الحكم ديمقراطية، حيث عمدت إلى قمع المعارضة بشدّة، وواجهت الاحتجاجات السلمية بالقوة.

ونفذت أجهزة المخابرات التابعة لحكومة الإنقاذ السورية اعتقالات جماعية. وأثار استيلاء هيئة تحرير الشام على مراكز الاحتجاز التي تعود إلى عهد الأسد ومعاملتها القاسية للمعتقلين انتقادات كبيرة.

حكومة الإنقاذ

◙ حكومة الإنقاذ السورية برزت لأن سياساتها وبنيتها كانت أكثر توافقا مع التكنوقراطية
◙ حكومة الإنقاذ السورية برزت لأن سياساتها وبنيتها كانت أكثر توافقا مع التكنوقراطية

نُسبت هذه الإجراءات إلى هيئة تحرير الشام، إلا أن حكومة الإنقاذ السورية هي التي نفذتها مباشرة بقيادة رئيس المخابرات العامة أنس خطاب. وتؤكّد سياسة السجون خضوع حكومة الإنقاذ السورية لأهداف هيئة تحرير الشام. كما استغلت الهيئة الأجهزة الحكومية لبسط سيطرتها مدنيا وأمنيا، واعتمدت القوة لدعمها.

وعندما فرضت حكومة الإنقاذ السورية ضريبة على زيت الزيتون مما أدى إلى اشتعال الاحتجاجات، عمدت قوات الهيئة إلى قمع المتظاهرين بعنف واعتقالهم. وشهدت مدينة إدلب، الخاضعة لسيطرة الهيئة، احتجاجات متكررة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وسوء الإدارة، وقوبلت جميعها بالقمع.

وعلى الرغم من إمكانية تصنيف حكومة الإنقاذ السورية على أنها نظام إسلامي، إلا أنها برزت لأن سياساتها وبنيتها كانت أكثر توافقا مع التكنوقراطية. وأُسندت مسؤوليات الحكم إلى النخبة المحلية المتعلمة، إما بصفة مباشرة عبر وزاراتها أو من خلال التعاون مع منظمات المجتمع المدني.

وحسّن هذا من جودة الإدارة المحلية، واستقطب في نفس الوقت الطبقة المتعلمة، المشاركة في المجتمع المدني، التي كان من الممكن أن تُشكل قاعدة معارضة لهيئة تحرير الشام. ومن المرجح أن تواصل حكومة الإنقاذ السورية مع النخب المحلية هذه السياسة التي ساهمت في استقرار حكم هيئة تحرير الشام في إدلب.

وصُمم الهيكل الداخلي لحكومة الإنقاذ السورية عمدا على غرار النظام الإداري لنظام الأسد السابق، مع اعتماد نفس عدد الوزارات ووظائفها وأنواعها، إلى جانب العديد من اللجان التي تعالج جل القضايا. وشكلت هذه العناصر معا بيروقراطية توسعية بشكل غير عادي لسلطة غير معترف بها تدير أقل من عشر مساحة البلاد.

◙ حكومة الإنقاذ السورية باعتبارها الذراع المدنية لهيئة تحرير الشام، ربما أدركت ضرورة الحفاظ على المساءلة أمام من تحكمهم للحفاظ على شرعيتها

وفي حكومتي الأسد والشرع، تميزت الحكومة ببيروقراطية لامركزية، حيث تقرر تفويض كل قضية إلى لجنة مستقلة داخل الوزارات المتنافسة وليس إلى جهاز مركزي واحد يشرف عليه وزير معيّن. فالتعليم والتعليم العالي، على سبيل المثال، تُشرف عليه وزارتان منفصلتان وأفردت كلّ من الزراعة والتنمية والاقتصاد والموارد بوزارة مستقلة.

ولئن لم يكن هذا النموذج حصريا لدى هيئة تحرير الشام بل يمكن ملاحظته أيضا في دول عربية أخرى مثل العراق ومصر، فإن اعتماد حكومة الإنقاذ السورية له بينما لا تزال بعيدة عن السلطة لم يكن مألوفا.

وقد يوفّر الهيكل الإداري المعقد مزايا خفية لحكومة الإنقاذ السورية التي عملت على دمج الأكاديميين والمهنيين والنخب السورية في أجهزة السلطة لربط هذه المجموعات بهيئة تحرير الشام. وأتاح هذا النظام اللامركزي للنخب السورية فرصا للتقدم الاجتماعي والسياسي، مما منح الشرعية لهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ السورية، مع السعي في الوقت نفسه إلى تعزيز الحوكمة نظريا.

ويمكن أن نتخيل تلقي النخب المستاءة من تردي الخدمات الاستشفائية عرضا بتحمل المسؤولية في إدارة الصحة المحلية مثلا، وهو ما يتيح للهيئة فرصة معالجة المشكلة ودفع المستائين المفترضين إلى التعاون مع النظام الجديد.

وحتى لو افتقرت اللجان إلى الفعالية أو تداخلت وظائفها أو فشلت في مهامها الإدارية، فقد يكون دور في تبديد معارضة النخبة المحتملة. وسيكون استخدام هيئة تحرير الشام لحكومة الإنقاذ السورية كأداة حكم تكنوقراطية مفيدا في الإمساك بمقاليد السلطة في المرحلة انتقالية.

وأدى أكثر من عقد من الصراع الأهلي إلى هجرة كبيرة للعقول، حيث غادر ما لا يقل عن ثلث الخبراء والأكاديميين السوريين البلاد. ومن المتوقع أن يسعى أسعد الشيباني، وزير الخارجية والمغتربين الجديد، إلى جذب المهنيين المهاجرين إلى بلادهم، وهي خطوة حاسمة لإعادة بناء الاقتصاد الذي دمّرته الحرب.

وتهدف الحكومة الانتقالية، المؤلفة أساسا من أعضاء سابقين في الحكومة المؤقتة، بوضوح إلى إثبات أن الأطباء والمهندسين والمحامين العائدين سيحظون بالأمان والتقدير، بل والارتقاء في ظل القيادة الجديدة.

دور أحمد الشرع

◙ دور أحمد الشرع كقائد أعلى لا يزال بالغ الأهمية
◙ دور أحمد الشرع كقائد أعلى لا يزال بالغ الأهمية

يجب النظر إلى هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ السورية بصفتيهما كيانين منفصلين لهما هياكل سلطة ومصالح مختلفة. لكن دور أحمد الشرع كقائد أعلى لا يزال بالغ الأهمية. فالجماعة التي يقودها الشرع، والتي غالبا ما يشار إليها باسم “تنظيم الجولاني” (وهو وصف للحركة التي أُعيدت تسميتها لتصبح لاحقا هيئة تحرير الشام) هي من صنعه بالكامل.

ويُنظر إلى الشرع على نطاق واسع كقائد إستراتيجي وفطن، وقد جعلته خبرته يدرك تماما تأثير التصورات المحلية والعالمية على نجاح حركته.

ونتج ظهور هيئة تحرير الشام ونسخها السابقة عن عملية تطور شكلتها طموحات الشرع ورؤيته للعالم، ولم يكن تشكيل حكومة الإنقاذ السورية في 2017 استثناءً. وأفضل مثال على ذلك هو التحولات السياسية العديدة التي مرّ بها الشرع.

وتمثل الحكومة الحالية النسخة الرابعة من الجماعة المسلحة التي يقودها من كان يُعرف سابقا باسم الجولاني خلال المراحل الأولى لهيئة تحرير الشام. وكان كل تحول رد فعل مدروسا ومعتمدا على الديناميكيات المتغيرة التي شهدتها الحرب الأهلية السورية.

وفي 2012، كان تنظيم “الجولاني”، المعروف آنذاك بجبهة النصرة، حركة جهادية متطرفة تسعى لاستغلال انهيار حكومة الأسد لإقامة خلافة عالمية.

وحوّل التنظيم تركيزه الجهادي إلى سوريا وحدها بعد انضمامه لفترة وجيزة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ثم انتمائه لفترة أطول إلى تنظيم القاعدة. وكان هذا على الأرجح ردا على التدخل العسكري الغربي ضد داعش.

وفي النهاية، ادعت الجماعة مرارا قطع علاقاتها بتنظيم القاعدة، الذي كان مُصنّفا ضمن المنظمات الإرهابية. وأعاد الشرع تسمية الجماعة بـ”هيئة تحرير الشام” لتصوير قواته على أنها المقاومة المسلحة الشرعية لنظام الأسد.

وسمح هذا التحول، إلى جانب إنشاء حكومة الإنقاذ السورية، وحملات قمع الجهاديين المتشددين في إدلب وداخل هيئة تحرير الشام نفسها، للشرع بإقناع عدد كافٍ من المجتمع الدولي بنواياه للبدء في تلقي الدعم الخارجي. ومن خلال تأسيس حكومة الإنقاذ السورية، سعى الشرع إلى إضفاء الشرعية على سلطته من خلال إبراز قدرته على الحكم.

◙ رغم نجاح الجولاني في الإطاحة بالأسد، فإن السؤال يظل مطروحا حول ما إذا كان الشرع سيرسم في النهاية مسارا مختلفا وأفضل لمستقبل سوريا

ولدعم هذا المسعى، استقدم رياض الأسعد، قائد الجيش السوري الحر العلماني والمدعوم من الولايات المتحدة، للانضمام إلى تشكيل هيئة تحرير الشام في 2017، حيث شغل منصب نائب رئيس حكومة الإنقاذ السورية الأولى للشؤون العسكرية لمدة سنة.

وأصبحت حكومة الإنقاذ السورية ساحة رئيسية لإدارة المصالح المتضاربة في زمن الحرب والحفاظ على السيطرة على المدنيين، إما من خلال القمع أو من خلال تقديم الخدمات، رغم أن هذا النهج لم ينجح إلا جزئيا في كبح جماح الفصائل المتطرفة في هيئة تحرير الشام.

وواجه الشرع سابقا تحديات في التعامل مع المتطرفين داخل ائتلافه الأوسع. وانفصل بعض هؤلاء المتشددين في النهاية لتشكيل حراس الدين في 2016، وهي جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، بعد أن أنهى الشرع رسميا علاقاته مع القاعدة.

ومع مرور هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ السورية إلى الحكومة الانتقالية، يتوقع المراقبون أن يواصل الشرع وقيادته العمل بأهداف مماثلة مع تركيز قوي على إدارة المظاهر.

ومن المرجح أن تواجه الحكومة ضغوطا من اتجاهات متعددة، سعيا منها لتحقيق التوازن بين مصالحها الخاصة، ومطالب الفصائل الجهادية الأكثر تطرفا داخل هيئة تحرير الشام، والدعوات الدولية إلى إدارة أكثر علمانية وديمقراطية وتسامحا.

تطورات مقلقة

تحوّل التفاؤل الأولي إلى مخاوف متزايدة من أن “الشرع” الذي بدا متسامحا ربما كان في الواقع “الجولاني” الجهادي المتخفي في زيّ الحمل الودود منذ البداية. واندلعت اشتباكات عنيفة في أوائل مارس بين قوات موالية للحكومة ترتدي زيا جهاديا وميليشيات علوية يُقال إن قائدها لواء موالٍ للأسد.

وتصاعدت هذه المواجهات بسرعة، وبلغت ذروتها بمجازر طائفية واسعة النطاق استهدفت في المقام الأول مدنيين علويين، قدّر عددهم بنحو 1500، إلى جانب أعمال عقاب جماعي وحشية أخرى تركزت في المنطقة الساحلية السورية.

وربما توقع مؤيدو الشرع الغربيون أن يُعاقب على الفور الجماعة التابعة للحكومة والمسؤولة عن الفظائع. ومع ذلك، ركز رد فعل الشرع الأولي بشكل كبير على التحذير من المزيد من المقاومة العلوية، مدعيا أن الأعمال الانتقامية السنية حتمية بسبب الاستياء القديم من فترة حكم الأسد التي يهيمن عليها العلويون.

ورغم أنه دعا في النهاية إلى الهدوء وأعلن أن لجنة شُكِّلت حديثا ستحقق مع المسؤولين، إلا أن هذه الحادثة قوَّضت بشكل كبير الآمال في أن تُفضي قيادة الشرع إلى إدارة معتدلة وشاملة، بدلا من حكومة جهادية طائفية. كما كشفت عن محدودية سيطرة دمشق على بعض العناصر من القوات المسلحة الجديدة.

وأشار الآملون في مستقبل ليبرالي في سوريا إلى العملية الدستورية الجارية. فخلال الشهرين الماضيين، أعدت لجنة دستورية مؤلفة من سبعة أعضاء مسودة دستور مؤقت تتضمن إصلاحات رئيسية مثل فصل السلطات، واستقلال القضاء، وحقوق المرأة، وحرية التعبير والصحافة، وجميعها أقرها الشرع.

◙ على الرغم من إمكانية تصنيف حكومة الإنقاذ السورية على أنها نظام إسلامي، إلا أنها برزت لأن سياساتها وبنيتها كانت أكثر توافقا مع التكنوقراطية

وسيشكّل هذا الميثاق المؤقت نظام الدولة لمدة تتراوح بين أربع وخمس سنوات، يعمل خلالها مجلس تشريعي جديد (يُعيّن الشرع ثلث أعضائه مباشرة، بينما تختار لجنة يُعيّنها هو البقية) على صياغة دستور دائم والتصديق عليه. ومن المقرر إجراء انتخابات بعد انتهاء هذه العملية وفقا للدستور الجديد الدائم. كما نال الشرع سلطة تعيين قضاة المحكمة الدستورية. وعلى الرغم من أن الدستور المؤقت يبدو وكأنه يُظهر فصلا للسلطات، فمن المتوقع أن يبقى الهيكل تحت سلطة الشرع غير المباشرة.

وقد رفضت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا والتي وافقت مؤخرا على دمج هيئاتها المدنية والعسكرية في الدولة الجديدة الإعلان الدستوري رفضا قاطعا. إن بند الدستور المؤقت الذي يمنح الشرع سيطرة شخصية شاملة على الحكم والعملية الدستورية المستقبلية قد زاد من المخاوف من عودة ظهور الجهاديين، خاصة بعد أن أعلنت اللجنة أن “الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيسي للتشريع.”

ولطالما اعتبرت هيئة تحرير الشام الشريعة الإسلامية جوهر أيديولوجيتها، لكنها عملت على التقليل من أهمية هذا التأكيد في السنوات الأخيرة سعيا منها للظهور بمظهر تقدمي واستقطاب الشرعية الدولية. وما دامت أفعال الشرع لا تُثير تجدد الاضطرابات المدنية، فإن ترسيخه لسلطته قد ضمن فعليا أن يعكس مستقبل سوريا رؤيته الشخصية.

ويكمن الغموض الرئيسي فيما إذا كانت هذه الرؤية تتماشى مع صورة “الشرع” المعتدلة أو هوية”الجولاني” الجهادية. ويعتمد هذا على مدى تطبيقه للشريعة الإسلامية، ومحدودية قدرته على التصرف دون خسارة الدعم الغربي الحاسم. ويشير توجه حكومة الإنقاذ السورية بصفتها ذراعا إداريا لهيئة تحرير الشام إلى أن تحولات الشرع ومنظمته كانت قرارا إستراتيجيا وليست تحولا أيديولوجيا حقيقيا.

وخدمت الحكومة، على الرغم من كونها مؤقتة، باستمرار أهداف الشرع المباشرة وطويلة الأجل. وعلى الرغم من وصفها بالتكنوقراطية والكفاءة، إلا أنها لم تتبنَّ قط القيم الديمقراطية بالمعنى الغربي التشاركي. ويمتلك الشرع السلطة اللازمة لإقامة ديمقراطية معتدلة وليبرالية في سوريا من خلال صلاحياته الواسعة، المباشرة وغير المباشرة، إلا أن مثل هذه الخطوة ستتناقض مع مبادئه المعلنة والممارسات الراسخة التي تُعرف بها جماعته المسلحة والإدارة المدنية الداعمة لها منذ 2017.

وفي نفس الوقت، يجب أن يظل المراقبون على وعي تام بأن الشرع، الحريص على صورته، سيواصل بلا شك تقديم نفسه للجمهور الغربي كمصلح معتدل، بغض النظر عن نواياه الحقيقية في السياسة الداخلية. وبينما قد ينجح الشرع في تحقيق الاستقرار في البلاد، فمن المرجح أن ينطوي هذا على قدر من الأسلمة الدستورية والقمع السياسي، مما قد يمتد إلى المزيد من العنف الطائفي.

وقد أظهر، من خلال حكومة الإنقاذ السورية، استطاعته تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين الخاضعين لسلطته، إلا أن قدرته على الحفاظ على السلطة دون تأسيس حكم متطرف أو استبدادي لا تزال غير مؤكدة.

ويقدم التاريخ مثالا ينساه الكثيرون، حيث تعهد بشار الأسد بإصلاحات حكومية في بداية ولايته قبل قمع ربيع دمشق الناشئ. واقتصر في النهاية على تنفيذ تغييرات اقتصادية حافظت على دعم النخبة بدلا من إحداث تحول سياسي حقيقي. ورغم نجاح الجولاني في الإطاحة بالأسد، فإن السؤال يظل مطروحا حول ما إذا كان الشرع سيرسم في نهاية المطاف مسارا مختلفا وأفضل لمستقبل سوريا.

7