الشراكة المتجددة مع الجزائر تمهد لاستعادة فرنسا نفوذها في المنطقة

الاتفاق يشكل خروجا من الخلاف الدبلوماسي وتعبيرا عن رغبة معلنة في تعزيز التعاون في جميع المجالات.
الاثنين 2022/08/29
تقارب يخدم مصالح الطرفين

الجزائر - تعول فرنسا على إصلاح العلاقات بينها وبين الجزائر حيث تدرك أن مصالحها الاقتصادية في هذا البلد تراجعت بشكل ملحوظ وتدرك كذلك نفوذ الجزائر في القضايا الإقليمية وفي أفريقيا أين تخسر فرنسا تدريجيا نفوذها لصالح روسيا والصين.

وبعد أزمة استمرت أشهرا أبرم الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبدالمجيد تبون السبت “شراكة متجددة وملموسة وطموحة” لإحياء العلاقات الثنائية على أن يرافَق ذلك الآن بإجراءات ملموسة.

ووقّع رئيسا الدولتين إعلانا مشتركا وسط ضجة إعلامية كبيرة قبل أن يغادر ماكرون الجزائر عائدا إلى باريس. فما الذي سيتحقق في الواقع بعد “الشراكة المتجددة” بين باريس والجزائر؟

جون بورتر: فرنسا تحتاج كثيرا إلى الجزائر وليس لديها الكثير لتقدمه

ويشكل الاتفاق خروجا من الخلاف الدبلوماسي الذي امتد لأشهر طويلة حول الذاكرة المشتركة وحرب الجزائر، وتعبيرا عن رغبة معلنة في تعزيز التعاون في جميع المجالات.

مع ذلك، تبقى الرهانات هائلة على خلفية إرث استعماري ثقيل لم تتم تسويته بعد وغياب متزايد للأمن في المنطقة، وظل الحليفة المقربة للجزائر روسيا ونفوذها المتزايد في أفريقيا.

وقال كريم أملال المندوب الوزاري المكلف بحوض البحر المتوسط إن “الزيارة سمحت بحلحلة الأمور. هذا سمح بتوطيد، إن لم يكن إعادة ابتكار، روابط بيننا”.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي محللا الوضع “نعتبرها خطوة أولى. سنرى في اليوم التالي ماذا سيحدث وكيف ستبدأ الأمور”.

من جهته، يرى بيار فارمران أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة السوربون أن “التقدم الحقيقي” متوقع قبل كل شيء في “المسائل الإستراتيجية”.

وقال فارمران إن “منطقة المغرب العربي بأسرها على وشك الانهيار بسبب أزمة الطاقة والغذاء”، وانعدام الأمن في منطقة الساحل والخلافات بين سلطات الجزائر والمغرب.

وفي هذه الأجواء تبقى “المسائل الفرنسية – الجزائرية الصغيرة التي تعود إلى فترة الاستعمار مهمة جدا للناس لكن الدول طوت أصلا هذه الصفحة”.

من جهة أخرى، تريد الجزائر إعلان عودتها إلى الساحة الدولية بعد حكم طويل لرئيس مريض وغائب، عبدالعزيز بوتفليقة (1999 – 2019) الذي توفي في خريف 2021، وانشغالها بمواجهة الحراك الشعبي، حركة الاحتجاج الشعبية التي ساهمت في تغيير النظام الجزائري السابق.

من جانبها، تعول فرنسا التي انسحبت مؤخرا من مالي على الجزائر للمساعدة في إحلال الاستقرار في المنطقة.

وجلس الرئيسان تبون وماكرون الجمعة حول طاولة واحدة مع رئيسي أركان جيشي البلدين والاستخبارات في سابقة منذ استقلال الجزائر عن فرنسا في 1962. وأكدا في البيان المشترك أنهما سيكرران الأمر كلما كان ذلك “ضروريًا”.

ودعا ماكرون إلى “تعزيز الشراكة مع الجزائر” في محاربة التهديد الإرهابي في منطقة الساحل.

وأوضح أن ذلك يشمل “منع انتشار المرتزقة في المنطقة، لاسيما مرتزقة فاغنر” المجموعة العسكرية الخاصة الروسية الناشطة في مالي بعد انسحاب القوات الفرنسية من هذا البلد.

ويسعى الغربيون لإخراج الجزائر من حضن حليفتها روسيا أول مورد أسلحة لها والتي باتت لاعبا رئيسيا في المنطقة يهدد نفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة.

وقال جون بورتر الخبير في شؤون شمال أفريقيا في مركز “نورث أفريكا ريسك كونسالتينغ” إنه “حاليا، تحتاج فرنسا إلى الجزائر أكثر مما تحتاج الجزائر إلى فرنسا، وليس لديها الكثير لتقدمه”.

وأشار بورتر إلى أن “روسيا في المقابل تعطي الجزائر كل ما تطلبه تقريبا”.

وفي موضوع آخر يسبب الإزعاج وهو ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر، ستقوم لجنة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين بفحص أرشيفي البلدين “من دون أي محظورات”.

ومهّد رئيسا الدولتين الطريق لتخفيف نظام التأشيرات الممنوحة للجزائريين، مقابل تعاون متزايد من الجزائر في مكافحة الهجرة غير النظامية.

كريم أملال: زيارة ماكرون تبتكر روابط مشتركة بين فرنسا والجزائر

وبدا السفير السابق لفرنسا في الجزائر كزافييه دريانكور أكثر حذرا، حيث قال “دعونا ننتظر لنرى ما إذا كان الجزائريون سيستجيبون بجدية للمقترحات الفرنسية وما إذا كانوا سيقدمون الإشارات التي تتوقعها باريس”، مذكرا بأنه لا شيء تحقق من الإعلانات بعد زيارة ماكرون إلى الجزائر في 2017.

وأضاف فارمران أن “القضية الحقيقية هي فتح الأرشيف الجزائري وحرية المؤرخين الجزائريين في العمل”.

وسيتعيّن على لجنة المؤرخين أن تفتح ملف “وحشية” الاستعمار الفرنسي ولكن أيضًا ملفات مسائل حساسة للجزائر مثل قضية الأوروبيين الذين فقدوا في نهاية حرب الاستقلال.

لكن المؤرخ الجزائري محمد أرزقي فرّاد يرى أن “قول إن الجزائريين لا يريدون فتح الأرشيف حتى لا تُكتشف أمور لا تسرّهم لا أساس له من الصحة”.

وقال إنه “من الأخطاء التي ترتكبها فرنسا عند الحديث عن جرائم الاستعمار أنها تساوي بين جيشها وبين جبهة التحرير الوطني التي قادت حرب الاستقلال بين 1954 و1962 وهذا غير معقول”.

ومن بنود الشراكة المتجددة، اتفق الطرفان على التعاون في “الانتقال في مجال الطاقة”، لاسيما في مجالات الغاز والهيدروجين. واتفقا على إطلاق برنامج بحث وابتكار تكنولوجي لاستعادة الغازات المحترقة (غاز الشعلة) ومعالجتها. ومن شأن هذا الاتفاق تعزيز موقع الجزائر في سوق الطاقة في أفريقيا ومع شركائها الأوروبيين، حيث تعد الجزائر أول مصدّر للغاز في أفريقيا وتمد أوروبا بنحو 11 في المئة من احتياجاتها، وقد زادت إمداداتها عبر خط أنابيب الغاز “ترانسميد” الذي يغذي إيطاليا، وفق ما أعلنه ماكرون الذي قال إن هذا يسمح بـ”تحسين تنويع مصادر الطاقة في أوروبا” بعدما كانت تعتمد إلى حد بعيد على الغاز الروسي.

7