الشراكة الأمنية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة والمغرب مع صعود ترامب إلى الرئاسة

الرباط - عرفت العلاقات الأميركية – المغربية تحولًا كبيرًا منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة (2017 – 2021)، حيث أصبح المغرب شريكًا أمنيًا وإستراتيجيًا رئيسيًا للولايات المتحدة في منطقة أفريقيا وعلى امتداد الساحل الأفريقي.
ويرجع هذا التقارب إلى التحولات الجيوسياسية الكبيرة التي تعرفها المنطقة ومن أبرزها خسارة الولايات المتحدة لقاعدتها العسكرية في النيجر، والتكهنات بنقل أكبر قاعدة أميركية في إسبانيا إلى المغرب.
هذه التطورات على المستوى الدولي تعكس محاولة الولايات المتحدة تعزيز تواجدها الأمني في أفريقيا واستعادة السيطرة والنفوذ على منطقة الساحل الأفريقي التي أضحت تعرف سيطرة روسية – صينية واضحة وتحركا كبيرا للجماعات المسلحة التي تمثل تهديدا للغرب وتعرف تخبطا سياسيا أبرز بوضوح هشاشة الحكومات العسكرية الحالية.
وإذا تطرقنا إلى المسار التاريخي للعلاقات بين المغرب والولايات المتحدة نجد أن المسار حافل بالتواجد المغربي في الإستراتيجية الأميركية، فهو أول دولة تعترف بالولايات المتحدة وكذلك ساعد في إنهاء الحرب الأهلية الأميركية وإبان الحرب العالمية ساعد الحلفاء في تحرير أوروبا من النازية، وخلال الحرب الباردة كان المغرب حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في المنطقة حيث قدم إليها دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا واستمرت هذه العلاقات في التطور إلى أن شهدت قفزة نوعية خلال فترة رئاسة ترامب.
◙ المغرب أصبح شريكًا أمنيًا رئيسيًا للولايات المتحدة في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي وذلك بالدور المهم الذي يلعبه في مكافحة الإرهاب
شكل صعود ترامب إلى السلطة تحولا إستراتيجيا شهدته السياسة الخارجية الأميركية وذلك بتبني نهج أكثر واقعية وعملية إضافة إلى التركيز على المصالح الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة حيث أصبح المغرب شريكًا إستراتيجيًا رئيسيًا للولايات المتحدة في المنطقة.
أحد أهم المنجزات في العلاقات الدبلوماسية المغربية خلال فترة رئاسة ترامب الأولى كان الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020، كجزء من اتفاقية تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. هذا الاعتراف كان له تأثير كبير على تعزيز العلاقات الثنائية حيث أعطى المملكة المغربية دفعة دبلوماسية وسياسية كبيرة.
في السنوات الأخيرة أصبح المغرب شريكًا أمنيًا رئيسيًا للولايات المتحدة في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي وذلك بالدور المهم الذي يلعبه في مكافحة الإرهاب، حيث يعتبر مركزًا للتدريب والاستخبارات في المنطقة.
وتعتبر خسارة الولايات المتحدة لقاعدتها العسكرية في النيجر في أعقاب الانقلاب العسكري عام 2023 من بين أهم البوادر التي أبرزت أهمية المغرب كبديل إستراتيجي؛ حيث كانت القاعدة العسكرية في النيجر تمثل دورًا رئيسيًا في عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل ومركز انطلاق العمليات الجوية للجيش الأميركي وخسارتها تركت فراغًا أمنيًا كبيرًا.
في هذا المنوال زادت التكهنات برغبة الولايات المتحدة في نقل أكبر قاعدة عسكرية لها في إسبانيا، وهي قاعدة “روتا”، إلى المغرب. قاعدة روتا، التي تضم الآلاف من الجنود الأميركيين، تعتبر واحدة من أهم القواعد العسكرية الأميركية في أوروبا والأقرب حاليا إلى أفريقيا حيث نقل هذه القاعدة إلى المغرب سيعزز بشكل كبير التواجد العسكري للولايات المتحدة في المنطقة وسيمكنها من استعادة السيطرة الأمنية ولو جزئيا على منطقة الساحل الأفريقي.
وتمثل الشراكة الأميركية – المغربية فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات عديدة بما فيها التجارة والطاقة والاستثمار؛ حيث سيشكل المغرب بوابة للولايات المتحدة إلى أفريقيا، وزيادة الاستثمارات الأميركية في المغرب نحو أفريقيا كذلك ستشكل بيئة آمنة للتعاون ويمكن لهذه الشراكة أن تعزز النمو الاقتصادي في المنطقة.
وبالرغم من الفرص الكبيرة التي يوفرها التقارب الأميركي – المغربي إلا أن هناك أيضًا تحديات كبيرة لا بد من الإشارة إليها صراحة، من ضمنها التوترات الإقليمية بما في ذلك النزاع حول الصحراء التي سبق لإدارة ترامب الاعتراف بسيادة المغرب عليها والذي يمكن أن يؤثر على التواجد الأميركي في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك هناك مخاوف من أن زيادة الوجود العسكري الأميركي في المغرب يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات مع الدول المجاورة، بما في ذلك الجزائر، التي لديها علاقات متوترة مع المغرب و المعروفة بولائها لروسيا.
وفي النهاية يعد التقارب بين الولايات المتحدة والمغرب خلال فترة رئاسة ترامب تحولًا إستراتيجيًا في السياسة الخارجية الأميركية نحو تعزيز التواجد الأمني والاقتصادي في أفريقيا من خلال المغرب وذلك باستغلال موقعه الإستراتيجي ودوره الأمني المحوري في القارة الأفريقية، ليصبح شريكًا لا غنى عنه للولايات المتحدة في المنطقة.
وما تجدر الإشارة إليه أن خسارة القاعدة العسكرية في النيجر والتكهنات بنقل قاعدة روتا إلى المغرب تعكسان محاولة أميركية لاستعادة السيطرة الأمنية على منطقة الساحل الأفريقي، وبالتالي فإن نجاح هذه الإستراتيجية سيعتمد على قدرة الولايات المتحدة والمغرب على مواجهة التحديات الإقليمية وتعزيز التعاون في مجالات متعددة، وأهمها المجالات الأمنية والعسكرية.