الشدائد تخلق الفرص للنساء في صعيد مصر

المشروعات الصغيرة تمكّن النساء من التمرد على فقرهن المتوارث.
الأحد 2022/04/10
مسار للخروج من شراك الفقر

شواهد عديدة تشير إلى تدني المستوى المعيشي بمحافظات صعيد مصر أين ترتفع بها معدلات الفقر، خاصة في المناطق الريفية، كما ترتفع بها نسب البطالة لقلة المشروعات المحلية هناك، لكن سيدات قررن تغيير حياتهن بمشاريع صغيرة سريعة الأثر.

القاهرة - عندما كسرت رجلا زوج سهير عابد بسبب سقوطه من علوّ طابقين أثناء عمله في البناء، احتاجت الأم البالغة من العمر 32 عاما إلى إعالة أسرتها وانضمت إلى برنامج باب أمل لتعويض الـ100 دولار التي كان يجنيها زوجها في الشهر. وقالت عابد لإنتر بريس “بدأت مشروعي مع خروفين على أمل تحسين حالتي المعيشية، لاسيما في ظل الظروف الطبية التي يعاني منها زوجي، ثم نجحت في تطوير المشروع، وارتفع عدد الأغنام إلى خمسة في غضون سنة”.

وتتشارك عابد وإخوتها في منزل واحد بثلاث غرف. وتعيش كل أسرة في غرفة بها سريران في قرية الشامية التابعة لمركز ساحل سليم في محافظة أسيوط على بعد 440 كم من القاهرة. وتعدّ القرية الواقعة بين الضفة الشرقية للنيل والصحراء مثالا على مشاكل صعيد مصر، مع معدلات الانقطاع عن المدارس الثانوية والبطالة ومستويات الفقر المرتفعة.

بناء الموارد عبر المجتمعات

ساقية من العمل
ساقية من العمل

تعمل مبادرة التخرج المصممة للفقراء التابعة لمنظمة بناء الموارد عبر المجتمعات على مساعدة السكان على انتشال أنفسهم من الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم من خلال نهج التخرج، مع مجموعة شاملة ومتسلسلة من التدخلات التي تطوّرت منذ 20 عاما والمصممة للوصول إلى الأشخاص الأكثر ضعفا.

ويشمل المشروع مصر، حيث تقدم المساعدة الفنية عبر برنامج التخرج الذي يركز على تمكين الأسر الريفية التي تعيش في فقر مدقع.

ويواجه الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع في مصر تحديات كبيرة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة العملة ونقص فرص العمل المستدامة في بلد يعيش فيه 32.5 في المئة من السكان تحت خط الفقر الوطني.

وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري إلى أن نسبة الفقر في مصر 27.7 في المئة، تحظى منها محافظات الصعيد وحدها بنسبة تفوق 50 في المئة، وأسيوط هي الأفقر، وتصل نسبة الفقر فيها لـ66 في المئة، تليها سوهاج وقنا والمنيا وأسوان.

وفي صعيد مصر دخل المشروع في شراكة مع مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، ومعمل عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر، والجمعية المصرية للتنمية البشرية، وجمعية عطاء بلا حدود لإطلاق برنامج أمل للتخرج، والذي يعمل على تطوير سبل العيش المستدامة والقدرة على الصمود الاجتماعي والاقتصادي لـ2400 أسرة مشاركة.

ووفقا لنتائج مسح أجراه البنك الدولي في الفترة من أكتوبر 2019 إلى مارس 2020، كان حوالي 30 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر الوطني قبل تفشي جائحة فايروس كورونا. ومن المحتمل أن يكون كورونا قد ساهم في زيادة معدل الفقر.

وقال بوبي إيرفن مدير الاتصالات في مبادرة التخرج المصممة للفقراء “خلال كوفيد، كان على المبادرة وشركائها تكييف نهجهم بسرعة لتلبية احتياجات المشاركين المتطورة، مثل ربطهم بالخدمات العامة المتاحة”.

وانطلق برنامج باب أمل في أواخر عام 2018 في أفقر محافظتين في مصر: أسيوط وسوهاج.

وقال إيرفن “كما هو الحال مع أي من برامج التخرج، فإن المدربين والموظفين الميدانيين مكلفون بتوفير التدريب على المهارات في مجال التمويل والادخار وتنمية سبل العيش والتدريب المستمر على الصحة والتغذية والتعليم وغير ذلك، لمساعدة المشاركين على شق طريق للخروج من الفقر المدقع وتلبية احتياجاتهم الأساسية وما بعدها. ولضمان أن يتمكن المشاركون وأسرهم وحتى مجتمعات بأكملها من الصمود في وجه العاصفة والمضي قدما وصعودا من هذه الأزمة العالمية، ركز موظفو البرنامج والمدربون مجددا على ضمان ربط المشاركين المؤهلين في البرنامج بالخدمات الأساسية مثل العيادات الصحية والمدارس ومرافق الصرف الصحي وبرامج الحماية الاجتماعية الحكومية وما إلى ذلك”.

أكثر ما يمنح المرأة التمكين وإحساسها بذاتها هو استقلالها المادي، وهو ما يؤدي إلى تغيير علاقتها بالمجتمع ويسهم في تغيير العادات السيئة

ويلتزم المشروع بمكافحة الفقر المدقع العالمي، الذي ازداد بسبب الجائحة في العامين الماضيين. وتابع إيرفن “نعتقد أنه من أجل القضاء على الفقر المدقع الذي يتجاوز مجرد نقص الدخل، يجب أن نستثمر بشكل أكبر في الأساليب متعددة الأوجه التي تعالج التحديات المختلفة التي يواجهها الأشخاص الذين يعانون من هذه الآفة، بما في ذلك نقص الغذاء ومياه الشرب النظيفة والدخل المنتظم والمدخرات والمزيد.

وتشير الدلائل إلى أن نهج التخرج الشامل الذي تتبعه منظمة بناء الموارد عبر المجتمعات قد يمكّن أولئك الأبعد عن الركب من خلق مسار للخروج من شراك الفقر”.

وتشرح عابد كيف نمت استثماراتها الصغيرة بمساعدة هذا المشروع. وصرّحت “بعد نجاحي في مشروع الأغنام، أطلقت مشروعي الشخصي الثاني، وهو صناعة المنظفات المنزلية المصنوعة يدويا وبيعها لنساء قريتي”.

وبدأ زوجها في التعافي ونال قرضا لشراء دراجة نارية للمساعدة في نفقات المنزل. وساعدته أرباحها على سداد جزء من القرض. وتطمح سهير إلى شراء آلة تنتج المنظفات المنزلية لتقليل العمالة اليدوية وزيادة الإنتاج. كما تريد أن يتمتع أطفالها الخمسة بالتعليم الذي لم تتلقاه.

ولم يكن وضع ابتسام أفضل بكثير. وبدأت مشروعها بثلاث أغنام حوامل بالإضافة إلى العلف. وأنجبت شاة واحدة فقط، وانتهى الأمر بموت الحملان في غضون أسابيع قليلة، وبدا أن المشروع سينهار.

وقالت ابتسام “انخفض رأسمالي من 700 دولار إلى 500 دولار في غضون عام. وبنصيحة من مدربي، قررت بيع الأغنام وشراء بقرة صغيرة”.

ولم تكن تمتلك المهارات أو المعرفة للادخار قبل البرنامج، خاصة وأن زوجها لم يكن يحقق دخلا ثابتا. وقالت ابتسام “يعلمنا المدربون كيفية الادخار، وهي ثقافة لم نكن ندركها تماما في ذلك الوقت، لكنها أصبحت مهمة في حياتنا وتساعدنا في إدارة نفقاتنا وتوفير مدخرات مستقبلية لأطفالنا”.

سريعة الأثر

المرأة في صعيد مصر تعاني من التهميش وتقع على عاتقها كل الآثار السلبية للعادات والمعتقدات الصعبة
المرأة في صعيد مصر تعاني من التهميش وتقع على عاتقها كل الآثار السلبية للعادات والمعتقدات الصعبة

قالت صفاء خلف وهي إحدى مسيرات البرنامج الذي يخدم 64 عائلة في قرية الشامية حيث تعيش ابتسام وعائلتها “أزور كل أسرة مرة في الشهر، وأشرف على جلسة ادخار، بالإضافة إلى متابعة مدخرات ونفقات كل امرأة وتسجيلها. تركز الجلسة الثانية على واحدة من المهارات الحياتية أو الموضوعات التي تهمهن، مثل ختان الإناث والزواج المبكر وتنظيم الأسرة”.

يذكر أن المشاريع سريعة الأثر هي مشاريع صغيرة الحجم ومنخفضة التكلفة يتم التخطيط لها وتنفيذها في إطار زمني قصير. وتستجيب المشاريع سريعة الأثر للاحتياجات التي تعبر عنها المجتمعات المحلية.

وتعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الركائز الأساسية للاقتصاد في معظم دول العالم. ومنذ القدم فإن الحرف والأعمال اليدوية والخدمية والتجارية مهما كان حجمها من نشاط حرفي أو إنتاجي أو خدمي تشكل مجالا خصبا لقيام ونمو الحرف والأعمال الصغيرة على مستوى المدينة والقرية.

ومازالت كثير من هذه الأنشطة الصغيرة توفر كثيرا من السلع والخدمات التي يحتاجها المواطن والتي تشكل قاعدة تدعيم مشروعات صغيرة، علما بأن قطاع المشروعات الصغيرة يمثل أهمية بحكم المزايا المتعددة التي يتفرد بها العمل والتي تؤهله للقيام بدور محوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد ينظر إليه كصمام أمان لاحتواء العمالة الفائضة في القطاع العام والداخلة لسوق العمل حديثا، وأنها قادرة على تقليل التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع.

رغم أن الدولة المصرية تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في المجالات المختلفة، لكن مشاهد الحياة اليومية تؤكد أن الواقع مختلف

وقد عرفت الدول الحرف والمشروعات الصغيرة عن طريق الأسر المنتجة والتي هي في الغالب أسر فقيرة تدعوها الحاجة إلى مكافحة الفقر عن طريق العمل والتخصص في نشاط معين حسب المنطقة الجغرافية التي تتم فيها كل احتياجات الأفراد في المجتمع الصغير في القرية أو المدينة لتتطور تلك الصناعات بتطور وتزايد حاجات الأفراد.

ويلعب المدربون دورا مهما في بناء العلاقات مع الخدمات المالية والمدخرات للمشاركات. فغالبا ما يفترضن أنهن غير مؤهلات للوصول إلى الخدمات المالية العامة الرسمية مثل الحسابات المصرفية أو القروض، نظرا لوضعهن المالي، لكن الافتقار إلى المعرفة المالية هو العقبة الفعلية.

وقالت صفاء “نحن نساعد هؤلاء النساء في تحديد المشروع المناسب لهن وتوفير المعلومات والتدريب والأدوات اللازمة مثل الخياطة والحرف اليدوية وتسمين الأغنام. كما نساعد أطفالهن الذين انقطعوا عن الدراسة في إعادة التسجيل، ودفع مصاريف التعليم، وفهم الإجراءات الحكومية”.

وفي قرية الشامية تمردت العشرات من النساء الناجحات على فقرهن المتوارث وبدأن في تحويل الظروف الصعبة إلى نجاحات. ويعني الابتكار، مثل تحويل جزء صغير من منازلهن إلى متجر بقالة أو إعادة تخصيص ركن منه للخياطة أو الحرف اليدوية، أنه يمكنهن إعالة أسرهن ومنح أطفالهن التعليم الذي يستحقونه.

ورغم أن الدولة المصرية تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في المجالات المختلفة (المادة 11 من الدستور المصري)، لكن مشاهد الحياة اليومية تؤكد أن الواقع مختلف. وهو ما يتجلى في قرى الصعيد، إهمال ومعاناة من الفقر الشديد وتردي مستوى الخدمات، أول من يدفع ثمنه هي المرأة.

الفقر امرأة

معاناة من الفقر الشديد أول من يدفع ثمنها هي المرأة
معاناة من الفقر الشديد أول من يدفع ثمنها هي المرأة

تعاني المرأة في الصعيد من التهميش وتقع على عاتقها كل الآثار السلبية للعادات والمعتقدات الصعبة فكانت النتيجة زيادة نسبة الأمية والتسرب من التعليم والزواج المبكر وارتفاع نسبة الختان وغيرها من المشكلات.

وتقول هبة حندوسة أستاذة الاقتصاد بالجامعة الأميركية إن أول من يدفع الثمن هو المرأة. وتضيف “مشكلات كثيرة مازالت تواجه المرأة في الصعيد، تعمل برامج المبادرة على المشاركة في حلها مع الجمعيات الأهلية في القرى، التي عادة ما يكون المشرفون عليها من بين أهل القرية ومصدر ثقة لدى عائلاتها. فالمرأة الريفية بالرغم من أنها تدور في ساقية من العمل والعطاء، إلا أنها تعاني من تحكم السلطة الذكورية متمثلة في الأب والأخ ثم الزوج الذين يحرمونها من الكثير من حقوقها مرات تحت شعار الحماية والصيانة ومرات أخرى كثيرة شاهرين في وجهها سلاح العادات والتقاليد التي تتحكم في مصير كثير من سيدات الصعيد”.

نسبة الفقر في مصر 27.7 في المئة، تحظى منها محافظات الصعيد وحدها بنسبة تفوق 50 في المئة

ويقول حلمي ياسين أمين جمعية الكراتية لتنمية المجتمع بمركز بقوص “بدأنا في كسر حاجز العادات والتقاليد بتشغيل أمهات الأيتام في المشروعات الصغيرة”. فعلى الرغم من أن نسبة المرأة المعيلة تصل في مصر إلى 30 في المئة من الأسر إلا أن أكثر من 90 في المئة منهن في قنا لا يعملن في مهن ثابتة بسبب التقاليد.

وتضيف حندوسة “تعديل طباع وثقافات متأصلة منذ سنوات ليس أمرا سهلا، لكن بالتعليم الصحيح وتحقيق الذات يمكن التأثير على ذلك. فأكثر ما يمنح المرأة التمكين وإحساسها بذاتها هو استقلالها المادي، وهو ما يؤدي إلى تغيير علاقتها بزوجها والمجتمع المحيط بها ويسهم في تغيير بعض العادات السيئة”.

17