الشتاء يقض مضاجع النازحين في المناطق الجبلية اللبنانية

أعداد النازحين في تصاعد شبه يومي، ليتجاوز العدد في آخر إحصاء حدود المليون و300 ألف نازح.
السبت 2024/11/16
البرد قارس والحرب قاتلة

مرجعيون (لبنان) ـ تحتضن سائدة العبدالله وفي مشهد مؤثر طفلها الرضيع بقوة وحنان تضمه إلى صدرها بعدما لفت جسده النحيل بحرام قديم محاولة بكل جهد حمايته من صقيع نوفمبر الذي بدأ يقض مضاجع إيواء النازحين في المناطق الجبلية المشرعة أبوابها لبرد الشتاء وعواصفه.

في غرفة جانبية وسط الطابق الأول من مدرسة جب جنين الرسمية شرق لبنان والتي حولت إلى مركز إيواء، تبدو الأم الثلاثينية سائدة، والتي بدت حزينة شاحبة الوجه، حائرة في كيفية حماية رضيعها من البرد وعوارضه الخطرة طيلة فصل الشتاء والذي يمتد في لبنان لحوالي خمسة أشهر.

بصوت خافت وبنبرة هادئة رصينة قالت سائدة لوكالة أنباء (شينخوا) “لقد دخلنا فصل الشتاء عراة من كل حاجيات الوقاية من برده وعواصفه، وها هي الشتوية الأولى التي ضربت لبنان مؤخرا نموذج حي لما ينتظرنا من ويلات مع اشتداد العواصف وتراكم الثلوج.”

وتابعت “مع حلول فصل الأمطار المتزامن مع الأعمال العسكرية بتنا نتقاسم البرد والخوف غير قادرين في الكثير من الحالات التمييز بين وميض البرق ورعده وانفجار القذائف ودويها.”

وقالت “الخوف ينتابنا من تجاهل الجهات المعنية لأوضاعنا المزرية وتركنا وحيدين نقارع الصقيع الذي يهدد حياتنا وحياة أطفالنا.”

من جهتها، ربة العائلة سليمة عواد النازحة من بلدة كفركلا الحدودية وخلال انكبابها على غسل ملابس أطفالها بمياه باردة وسط قدر متوسط الحجم من البلاستيك قال، “قاعات المدرسة حيث ننزح فسيحة والنوافذ بدون ستائر ومع حلول الليل نشعر وكأننا ننام في العراء من شدة البرد.”

وأضافت “فرش الإسفنج المتواضعة التي وزعت علينا نفرشها فوق البلاط والأغطية الموزعة صيفية ورقيقة لا تحمينا من زمهرير الشتاء حيث تتدنى درجات الحرارة في هذه المناطق الجبيلة إلى ما دون الصفر.”

مع حلول فصل الأمطار يتقاسم النازحون البرد والخوف غير قادرين على التمييز بين الرعد وانفجار القذائف

وتابعت “مع هروبنا السريع من منازلنا لم نتمكن من نقل الملابس الشتوية بحيث باتت حاجتنا ملحة لمثل هذه الثياب مع حلول فصل البرد.”

وأضافت “حتى الآن بدت الجهات الرسمية والمانحة عاجزة عن تأمين حاجيات النازحين كاملة وخاصة معدات التدفئة لمراكز الإيواء من مدافئ ومازوت ومياه ساخنة وكهرباء وأدوات مطبخية ومواد تنظيف مما يهدد مجتمع النازحين بالأمراض.”

وفي السياق ذاته، أوضح المكتب الإعلامي لوزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ورئيس اللجنة الوطنية للطوارئ، ناصر ياسين، أن “أعداد النازحين في تصاعد شبه يومي، ليتجاوز العدد في آخر إحصاء حدود المليون و300 ألف نازح.”

وقال ياسين “لقد تم حتى الآن افتتاح 1151 مركز إيواء للنازحين في العاصمة بيروت وفي العديد من المناطق اللبنانية وهناك 984 مركزا وصلت إلى قدرتها الإستيعابية ونعمل على تحضير مراكز إيواء جديدة حتى لا يبقى أي نازح في العراء.”

وأضاف “نجري اتصالات مكثفة مع جهات دولية وجمعيات إنسانية مانحة بهدف تأمين لزوم التدفئة والمياه الساخنة والتي تتجاوز كلفتها الشهرية حدود 250 مليون دولار.”

وكانت وزارة الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية قد وجّهت إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي طلبا بصفة عاجل، بتخصيص اعتمادات مالية لشراء المحروقات التي ستستخدم للتدفئة وتوليد الكهرباء وضخّ المياه في مراكز إيواء النازحين.

تم حتى الآن افتتاح 1151 مركز إيواء للنازحين في العاصمة بيروت وفي العديد من المناطق اللبنانية

وأضافت “قدّرت الوزارة حاجاتها في هذا الإطار بنحو 19.5 مليون دولار، إلا أن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة منتصف الأسبوع الماضي وافق على تخصيص مبلغ 1000 مليار ليرة فقط (الدولار الأمريكي يساوي نحو 89.5 ألف ليرة لبنانية)، أي ما يوازي 57 في المئة من الحاجات المطلوبة لمدّة أربعة أشهر.”

وخلال تنافس مجموعة من الأطفال في لعبة كرة السلة وسط باحة مركز الإيواء في جب جنين شرق لبنان، قال الطفل جمال يحيى (10 سنوات)، “نمضي عدة ساعات في اللهو لمقاومة الطقس البارد.”

وأضاف “كنا قد خرجنا من منازلنا على عجل بملابس صيفية وتركنا الكسوات الشتوية في الخزائن والتي أعتقد أنها احترقت بفعل الغارات الإسرائيلية المدمرة التي استهدفت منازلنا.”

وتابع “نحتاج نحن الصغار كما الكبار في هذا الطقس البارد لوسائل تدفئة، وثياب شتوية وأغطية صوفية، تقينا من البرد القارس الذي ينخر أجسادنا.”

أما الفتاة العشرينية نجلا أبوحويلي من بلدة حلتا شرق لبنان قالت، ندعو أن ينجح لبنان بمساعيه مع الدول الفاعلة في الوصول إلى وقف لإطلاق النار بأسرع وقت علنا نتمكن من العودة إلى منازلنا اتقاء لفصل الشتاء وبرده.”

من جهتها، ناشدت هويدا الترك محافظ النبطية، كافة النازحين بضرورة تسجيل أسمائهم والتصريح إلى أية منطقة لجأوا، وذلك عبر رابط إلكتروني خاص معتمد من قبل وزارة الداخلية اللبنانية.

وأضافت “كان هذا الرابط الخاص بالنزوح قد وزع على البلديات والجمعيات الإغاثية، مما يسهل مساعدة النازحين بالشكل المطلوب.”

وأوضحت إلين حمود المشرفة من قبل إحدى الجمعيات المانحة على عدد من مراكز إيواء النازحين في بلدات شرق لبنان أن “هناك نقصا حادا في الكثير من الحاجيات الملحة للنازحين وفي مقدمتها مستلزمات التدفئة والملابس الشتوية والأحذية والفرش والأغطية السميكة والأدوية.”

وقالت “هناك ضرورة ملحة أيضا لتأمين معالجين نفسيين يترددون بشكل دوري على مراكز الإيواء، لمعالجة الكثير من الحالات خاصة تلك التي تعرضت لصدمات نفسية جراء الحرب، مثل فقدان أهل وأعزاء وتدمير ممتلكات ومنازل وما شبه وهذه الفئة بحاجة لدعم معنوي ونفسي.”

16