"الشبة" إرث تاريخي يجمع الأجيال على القهوة في السعودية

عادة اجتماعية تميز بها المجتمع السعودي تمثل نقطة وصل بين أفراد المجتمع يتبادلون فيها أطراف الحديث والقصص والشعر.
الأربعاء 2023/07/26
كرم طائي

قبل ظهور المقاهي والفضاءات العامة كان السعوديون يجتمعون فيما يشبه النادي حيث يجلسون كل مرة في بيت واحد منهم يشربون القهوة ويناقشون الأوضاع التي تعنيهم من قضايا اجتماعية واقتصادية وغير ذلك، وهم يحافظون على هذه العادات في بعض المناطق حتى اليوم.

سكاكا (السعودية) - تعد "الشبة" وإن اختلف اسمها من منطقة إلى أخرى، إحدى العادات الاجتماعية التي تميز بها المجتمع السعودي، وإرثا تتوارثه الأجيال، خاصة في منطقة الجوف وحائل، حيث تجاوز عمر بعضها أكثر من 80 عاما.

و”الشبة” باللهجة الحائلية أو الطائية تعني قيام أحد الأشخاص بصنع قهوة وشاي ثم يفتح باب منزله ويخبر الجيران بأن لديه شبة، والشبة مأخوذة من شب يشب أي أوقدها.

ويقال إن أول من ابتكرها عدي بن حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل الإسلام وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل حتى يومنا هذا، وفي السابق تقوم الشبة على القهوة العربية والتمر ويعرف الزائر أو الجيران وجود الشبة بمجرد سماع صوت “النجر”، حيث يكون صوته مميزا يسمع من خلال مسافة بعيدة، والنجر هو عبارة عن نحاس لامع تطحن من خلاله القهوة ويسمى في الدول العربية، خاصة في العراق والشام والأردن، بالهاون والمهباش والمدق.

وأصبحت الجلسة التقليدية “الشبة”، نقطة وصل وتواصل بين أفراد المجتمع والجيران يتبادلون فيها أطراف الحديث والقصص والشعر وتتناقل من خلالها أخبار الأجداد إلى الآباء والأبناء. وأضحت الشبة في منطقة الجوف بصمة مميزة ضمن موروث المنطقة وتراثها، وعاداتها وتقاليدها، وجانبا من جوانب الحياة الاجتماعية لا يستغني عنه أبناء المنطقة.

ويؤكد عبدالواحد بن مقيبل الحموان أن  هذه العادة بقيت حية في حواضر المنطقة وباديتها، وترتبط “الشبات” بعائلات أو أفراد تحمل اسمهم. وأضاف أن الشبات تمثل مجلسا اجتماعيا للأنس وتبادل الأحاديث ومناقشة القضايا الاجتماعية وطرح الأفكار والمقترحات وسرد القصص والذكريات، وكانت قديمًا تقام في مجلس مخصص يسمى “القهوة”، بينما أصبحت هذه الأيام تقام في المجالس وأحيانا داخل فناء المنزل في جلسة تتم تهيئتها لذلك.

◙ الشبة بصمة مميزة ضمن موروث المنطقة وتراثها، وعاداتها وتقاليدها
◙ الشبة بصمة مميزة ضمن الموروث السعودي وتراثه وعاداته وتقاليده

وعن أوقات انعقاد الشبة يقول صالح بن عطا الشايع إن هذا الجانب يتميز بمرونة كبيرة وفقا لظروف صاحبها ومرتاديها، فبعضها يستقبل ضيوفه بعد صلاة الفجر مباشرة أو بعد الضحى، وبعد العصر أو المغرب أو العشاء، والبعض الآخر يبقى بابه مفتوحًا للضيوف والزوار على مدار 24 ساعة، مضيفاً أن الضيافة التقليدية في الشبات تعتبر الأساس مثل القهوة والتمر وحليب الإبل ، بالإضافة إلى الوجبات.

وقال محمد بن عفاش الخالدي “أنها تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التواصل الاجتماعي بين العائلات والأفراد في المنطقة، فضلًا عن ربط أجيال الشباب والأشبال بتراث الآباء والأجداد، والعادات والقيم الاجتماعية التي لا تزال حية تنبض في المجالس، ليمتزج عبق الموروث الجوفي العريق برائحة القهوة العربية والتئام شمل الجميع تحت ظلال ‘الشبة'”.

من جانبه أكد محمد بن مناع الزيد أن التراث الشعبي حاضر في شبات ومجالس الجوف، وهو ما ورثته الأجيال السالفة للأجيال الحالية من العادات والتقاليد والآداب والقيم والمعارف الشعبية والثقافية والمادية، حيث يتخللها القصص والأشعار والأمثلة الشعبية.

وعن ذات التقليد يروي التربوي عبدالله بن مصلح المريح أنه وإخوانه ورث هذا التقليد الاجتماعي عن والدهم، حيث كانت ملامح الشبّة آنذاك قبل 70 عاما تتسم باجتماع الأهالي في بيت الشعر وتجمع بين البادية والحاضرة، حيث أسهمت في توطين أبناء البادية، وكانت أشبه بالمدارس لصغار السن، ولم يتوقف هذا التقليد الاجتماعي في الكثير منها لانتقالها من الآباء إلى الأبناء، حيث لها عادة اجتماعية كبيرة في الحفاظ على التواصل بين أبناء المجتمع.

وينتقد البعض الشبات التي سمحت بإدخال الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مما يضعف الحوار والنقاش بل البعض من الشباب أسس مواقع إلكترونية تحمل اسم الشبة، وهذا يقتل الإرث التاريخي الذي يميز المنطقة عن غيرها من الحضارات العربية الأخرى. ولم تقتصر الشبة على الرجال فقط، فالنساء لهن شبة صباحية في الحي،  حيث يجتمعن كل صباح عند واحدة وبشكل يومي بعد أن يذهب الرجال إلى أعمالهم.

18