الشباب في غزة يهربون من الفقر إلى الموت في البحر

غزة (فلسطين) - في حي السلام بمدينة رفح، أقصى جنوب غزة، يتوافد مواطنون إلى بيت عزاء يونس حيدر الشاعر (21 عاما) الذي توفي غرقا مع آخرين قبالة السواحل التونسية، خلال محاولته الهجرة إلى أوروبا، وفقا لذويه ولما أعلنته وزارة الخارجية والمغتربين.
وفي بيتها الممتلئ بنسوة من الحي اتشحن بالسواد وجئن يواسينها جلست سميرة الشاعر، والدة يونس، تحمل هاتفا نقالا وتتفحص صورة فلذة كبدها وتبكي ألما لفراقه.
لم يكن يونس يتجاوز أحد عشر عاما عندما توفي والده قبل عشر سنوات. أكمل حياته يتيما في كنف أمه، وأنهى دراسته الثانوية والتحق بالجامعة للتخصّص في المحاسبة.
“كان يدرس في الجامعة ثم تركها لعدم توفر المال، وأيضا لم يجد عملا يؤمّن به مستقبله، فقرر الهجرة”، كما قالت الوالدة المكلومة.
وكشفت أم الفقيد من خلال اتصال هاتفي أن يونس وصل إلى الأراضي الليبية ثم حاول من هناك الإبحار وفشل أكثر من مرة.
وقالت “عندما توسلت إليه ليعود أكد لي أنه سيعود بعد ضمان سداد الديون وتحصيل رأس مال لمشروع ينطلق به في غزة له ولإخوته الثمانية”.
ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب الحريات بين الشباب يدفعانهم إلى مغامرة هجرة القطاع بحثا عن فرص أفضل
وقال أحمد، شقيق يونس، إن القارب الذي حمل شقيقه ومن معه غرق دون أن يعلم بهم أحد، لولا أن قاربا آخر يحمل تونسيين غرق واستنجد الركاب بفرق النجدة التونسية التي قدمت لإنقاذهم فوجدت بمحض الصدفة القارب الآخر.
ويتعرض الشبان لعدة مخاطر مثل الموت غرقا أو السطو المسلح والسرقة والتهديد، كما قالت منيرة الشاعر التي نجا ابنها سمير من غرق إحدى السفن في العام الماضي.
وحينها سطا المهربون في تركيا على أموال سمير ومن معه وأجبروهم تحت تهديد السلاح على ركوب قارب مهترئ متوجه إلى اليونان، وهو ما أدى إلى غرقهم، وتم إنقاذ سمير ورفاق له لكن توفي صديقان آخران.
وقد قال المهرّب للشباب، وفقا لمنيرة ونقلا عن سمير، “اركبوا القارب وإلا سأطلق عليكم النار”.
ولا يزال ثلاثة من أبناء عمومة يونس مفقودي الأثر وهم الإخوة ماهر ومحمد طلال وسامي الشاعر، إضافة إلى آخرين.
وقد وصلت سيارة تقل الرجل الستيني عامر أبوزريق وعددا من الشبان، قدموا واجب العزاء لآل الشاعر ثم سألوا إخوة الفقيد يونس عن الابن عاهد ابن السادسة والعشرين عاما الذي اختفت آثاره أيضا.
جلس عامر ومن معه يستمعون بقلق لشقيق يونس وهو يروي التفاصيل والمعلومات التي وردت بخصوص يونس، ويطرح أسئلة تفصيلية حول أسماء من كانوا على متن القارب وكيف عُثر عليهم والمستشفيات والأطباء والسفارة الفلسطينية وكل شيء.
الشباب في غزة يهجرونها لأنها باتت بيئة طاردة للشباب، نتيجة ما يواجهونه من شح في فرص العمل والحياة الكريمة
لم يستطع والد عاهد الاسترسال في حديثه مع مراسل “وفا” فقد بدا عليه القلق والتوتر، لكنه أشار على وجه السرعة إلى أن ابنه ركب البحر من أحد الشواطئ الليبية برفقة يونس الشاعر وآخرين واختفت آثاره حتى اللحظة، وركب سيارته وانطلق برفقة الشبان.
وتدعو أم يونس الشباب إلى عدم التهور والسفر بطرق غير آمنة، لكنها في الوقت ذاته تعتقد أن هروبهم من غزة بهذه الطريقة لن يتوقف إلا بتوفر حياة “عادية مثل باقي الناس” تصلح للتجارة والعمل دون جمارك وضرائب باهظة.
وكانت وزارة الخارجية والمغتربين قد أعلنت يوم الأحد الماضي متابعتها لحادثة غرق مركب قبالة السواحل التونسية يقل مواطنين فلسطينيين، حيث تم التعرف على أربعة فلسطينيين من الضحايا.
وفي 17 أكتوبر الجاري لقي خالد حافظ شراب ومصطفى خالد السماري مصرعهما غرقا قرب جزيرة كوس في اليونان، وفي مايو الماضي فُقد خمسة فلسطينيين في حادث غرق مركب قبالة السواحل التونسية.
ولم تتوفر إحصائية بعدد من غادروا غزة في السنوات الأخيرة بهدف الهجرة.
وقال الباحث في علم الاجتماع السياسي طلال أبوركبة إن “الشباب في غزة يهجرونها لأنها باتت بيئة طاردة للشباب، نتيجة ما يواجهونه من شح في فرص العمل والحياة الكريمة”.
وأضاف أن “ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب الحريات خصوصا بين الشباب باتا بيئة منفّرة لهم، والوضع الطبيعي أن يهجروا غزة بحثا عن فرص أفضل”.
وكشف تقرير أعده مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) أن 1.3 مليون من أصل 2.1 مليون فلسطيني في غزة يحتاجون إلى المساعدات الغذائية.
الشبان يتعرضون لعدة مخاطر مثل الموت غرقا أو السطو المسلح والسرقة والتهديد
وفي مخيم جباليا شمال غزة جلس خمسة شبان على كراس مهترئة وأحجار خرسانية وهم يتحدثون عن كل شيء، وكان حديثهم الرئيسي يدور حول الهجرة من غزة ومخاطرها.
وقال محمد حلاوة (26 عاما)، الذي درس الهندسة الكهربائية ويعمل بنظام المياومة في مصنع خياطة، “أعمل بنظام الساعة وأحصل كل يوم أعمل فيه على زهاء 25 شيقلا (7.15 دولار) ولا أعمل كل يوم”.
وأشار إلى أنه يتفهم حاجة الشباب الذين يلجأون إلى الهجرة غير الشرعية من غزة، وإذا سنحت له الفرصة فلن يتردد.
وأضاف “ليس لدي مال كي أسافر، أرغب في الهجرة بحثا عن فرصة عمل لأنه لا أمل ولا أفق ولا فرص عمل في غزة”.
وأشار إلى أن أصدقاء له وصلوا إلى تركيا واليونان، ويؤكدون أنه إذا توفرت لهم فرصة عمل دائمة بـ40 شيقلا في غزة فسيعودون فورا.
وأشار الباحث أبوركبة إلى أن “الانقسام كرس سياسة قاسية للغاية بحق الشباب إلى درجة باتت معها محاولة أي شاب أو مجموعة شبابية للمطالبة بحياة كريمة بمثابة تهديد للأمن القومي، الأمر الذي دفع الشباب إلى النفور والهجرة”.