الشباب العرب يبحثون عن اليقين بنظرة أعمق للدين والتقاليد

لندن - تظهر استطلاعات للرأي بوضوح أن الدين مازال مستمرا في لعب دور أساسي في حياة أغلب الناس في المنطقة العربية وخاصة فئة الشباب وأن هذا الأمر يُرجح أن يستمر في المستقبل المنظور.
وكشف آخر استطلاع أجرته مؤسسة "أصداء بي سي دبليو" أن 62 في المئة من الشباب العرب يرون أن القوانين في دولهم يجب أن تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية، ويعتبرون الدين والعائلة أو القبيلة جوهر هويتهم الشخصية.
ووفق الاستطلاع فإن الغالبية العظمى من الشباب العرب قد أبدت قلقها بشأن فقدان القيم التقليدية بالمجتمعات العربية، وترى أن الحفاظ على هويتها الدينية والثقافية أهم بالنسبة إليها من بناء مجتمع أكثر تسامحاً وتحرراً وعولمة.
ويلقي هذا الاتجاه إن كان دقيقا بظلاله على الإصلاحات الاجتماعية التي أقرها قادة مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد.
وعززت تلك القرارات حقوق المرأة والفرص المهنية والترفيهية وبعثت صناعات ترفيهية على النمط الغربي. وفاجأت هيئة السياحة السعودية الكثيرين خلال السنة الحالية بإعلانها أن السياح من مجتمع الميم سيلقون ترحيب المملكة.
كما عرضت السعودية والإمارات والبحرين مؤخرا فيلم "باربي" على عكس الكويت ولبنان، اللذين حظرا الفيلم لأنه "ينتهك الأعراف الدينية والاجتماعية". واختلف الأمر قبل شهرين، حين حجبت المملكة والإمارات فيلم "سبايدرمان: أكروس ذا سبايدر – فيرس" (الرجل العنكبوت) من صالات السينما لأسباب مماثلة.
ولا يمكن تحديد كيفية توافق قرارات عرض فيلم "باربي" والترحيب بالسياح المنتمين إلى مجتمع الميم مع الـ54 في المئة من أولئك الذين استطلعت “أصداء بي سي دبليو” آراءهم، حيث أكدوا على أهمية الدين والتقاليد والأسرة في حياتهم الشخصية والعامة.
وفي سياق مماثل، أعرب 76 في المئة عن قلقهم من فقدان القيم والثقافة التقليدية. ومنح 65 في المئة بشكل عام و72 في المئة من المستجوبين في الخليج الأولوية للحفاظ على الدين والتقاليد على حساب خلق مجتمع متسامح وليبرالي وعولمي.
وعارض 73 في المئة الرأي القائل إن القيم الدينية تعيق العالم العربي. وأراد أكثر من 60 في المئة أن تستند قوانين بلادهم إلى الشريعة الإسلامية. وتماشيا مع هذه النتائج، ذكرت “أصداء بي سي دبليو” تراجع عدد الشباب الذين يعتقدون أن “العالم العربي في حاجة إلى إصلاح مؤسساته الدينية”. ووافق على هذه النقطة 58 في المئة في استطلاع هذا العام مقارنة بـ79 في المئة في 2019.
ويتردد صدى هذه النتائج عبر مناشير الباروميتر العربي، الذي يستطلع بانتظام الرأي العام في الشرق الأوسط. ولاحظ مايكل روبينز، المدير والباحث الرئيسي المشارك في الباروميتر العربي، زيادة كبيرة في الشباب العربي الراغبين في أن يكون لرجال الدين تأثير أكبر على قرارات الحكومة.
وقال "اتفق ما يقرب من نصف أو أكثر في خمسة من عشرة بلدان شملها الاستطلاع في 2021 – 2022 على أن رجال الدين يجب أن يؤثروا على قرارات الحكومة".
وأضاف "في حين قاد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما العودة إلى الدين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن ارتفاع تأييد تدخل الدين في السياسة أصبح أكثر انتشارا في المجتمع. ويغيّر أعضاء المجتمع الأكبر سنا والشباب في معظم البلدان وجهات نظرهم بصورة متضافرة”.
وتابع “تشير نتائج استطلاعات الرأي العام التمثيلية على المستوى الوطني… بقوة إلى عودة الإسلام السياسي. ويُظهر المواطنون الشبان والأكبر سنا في معظم البلدان التي شملها الاستطلاع تفضيلا واضحا لإعطاء الدين دورا أكبر في السياسة. وكانت هذه المرة الأولى التي زاد فيها دعم الإسلام السياسي بشكل ملموس… منذ الانتفاضات العربية في 2011”.
وتتناقض نتائج أصداء الباروميتر العربي بشكل صارخ مع استطلاع حديث صدر جزئيا عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حيث يشير إلى أن السعوديين يفضلون الاعتدال الديني بشكل متزايد وأنهم قد يكونون أكثر انفتاحا على الإصلاح الديني.
ووافق 43 في المئة ممن شملهم استطلاع المعهد على أن السعوديين “يجب أن يستمعوا لمن يحاول بيننا تفسير الإسلام في اتجاه أكثر اعتدالا وتسامحا وحداثة”. ووافق 20 في المئة فقط حين طُرح نفس السؤال قبل أربع سنوات.
كما قال 65 في المئة ممن شملهم استطلاع شركة العلاقات العامة إن الدين لعب دورا كبيرا جدا في الشؤون الإقليمية. لكن هذا الرقم انخفض من 72 في المئة العام الماضي. ولم يحدد الاستطلاع ما تعنيه جوانب الشؤون الإقليمية للشباب.
وكان التناقض المحتمل الآخر أن هذا الاتجاه نحو المحافظة تزامن مع تشديد 80 في المئة ممن شملهم الاستطلاع على الحاجة إلى احترام الحريات والمساواة وحقوق الإنسان.
ويشير القلق بشأن القيم التقليدية والدينية والتناقضات إلى مواقف شبابية معقدة تجاه جوانب الإصلاح. كما يدل تركيز الشباب على التقاليد والدين أيضا على أن تعميق الهويات الوطنية (وليس الدينية والقبلية) لم يكتمل في العالم العربي. وتأكيدا على تعقيد تحول الهوية، أبدى أكثر من نصف الذين شملهم استطلاع أصداء اهتماما أقل باللغة العربية من آبائهم.
ويرى الكاتب جيمس دورسي أن هذا الانخفاض يلمح إلى وجود ميل نحو مجتمع أكثر عولمة، لكن الشباب يقولون إنهم أقل تركيزا على هذا الاتجاه. وبحسب دورسي تبرز هذه التناقضات عدم اليقين الناتج عن التغيير الاجتماعي والاقتصادي السريع. ويبرز الدين والتقاليد كمرساة على ما يبدو مع زيادة التدين بين الشباب.