الشباب السعوديون يفضّلون الوظائف "النظيفة" على مهنة صيد السمك

تواجه مهنة صيد السمك في السعودية كثيرا من التحديات بعد عزوف الشباب عن مزاولة هذه الحرفة، على الرغم من أنها مهنة قديمة ومتوارثة عبر الأجيال وذلك لعدة أسباب يعزوها البعض إلى خطورتها وما تتطلبه من جهد كبير، إلى جانب أن البحر نفسه لم يعد يجود بالخيرات كما كان سابقا، ومع قرارات الحكومة للنهوض بمهنة الصيد البحري كي لا تندثر تم بعث مشروع الصياد الذي يعمل على مساعدة الصيادين. هؤلاء الصيادون يؤرقهم قرار سعودة القطاع في ظل عزوف الشباب عن المهنة الشاقة.
المدينة المنورة (السعودية)- يقول الصياد الشاب محمد الفايدي، الذي يقرّ بأن أغلب الشباب يعزفون عن مهنة الصيد لأنها صعبة، “لا يمكن أن أعمل في أي مهنة أخرى مهما كانت المغريات، ومهما تواصلت نظرة الاحتقار من قاصري النظر” في ردّ له على من يعتبر هذه المهنة، التي ورثها عن عائلته، وأغرم بها منذ الصغر، أنها مهنة غير لائقة بشباب اليوم الذين أصبحوا يميلون إلى العمل في المكاتب وراء شاشات الكمبيوترات في ملابس نظيفة وأنيقة.
وتعدّ مهنة صيد السمك، إحدى أهم المهن التي زاولها السعوديون منذ أمد بعيد ويتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد في رحلة كفاح طويلة تتجدّد معالمها كل يوم، ويتسابق فيها جميع الصياديين على شواطئ البحر الأحمر للسير بقواربهم المتنوعة في أحجامها تصارع أمواج البحر، حيث تشكل لهم موردا غذائيا واقتصاديا هاما، رغم صعوبتها.
مهنة الصياد، شاقة تحتاج إلى صبر وجلد وروح المغامرة في عباب البحر، لذلك اختار الكثير من الشباب السعوديين من عائلات البحارة البحث عن مهن أخرى بعيدا عن الأمواج المتلاطمة وخطر هبوب الرياح المفاجئ، يقول محمد شوعي، بائع السمك في سوق جازان، إن دخول الشباب السعودي للصيد في البحر بات لا يذكر؛ وسيطر الأجانب على المهنة.
ولخّص أسباب عزوف السعوديين عن مهنة صيد السمك في صعوبة مهنة الصياد، ومخاطرها، وطول مدة البقاء بالبحر، وقلة راتبها قياسا بحجم الجهد، فهي مهنة لا ينطبق عليها نظام ساعات العمل والإجازات وهو ما لا يحبذه شباب اليوم.
وبيّن مجموعة من الصيادين، أنّ ترك الشباب السعودي العمل في مجال صيد السمك، فتح المجال بشكل كبير للأجانب من بعض الجنسيات للسيطرة على هذه المهنة، حتى أصبحوا يتحكمون في أسعار السمك في السوق، كما أنهم يجرفون ثروات البحر دون احترام قواعد الصيد.
محمد الفايدي يقول إنّ مهنة الصيد أصبحت غير مرغوبة عند الشباب، بعد أن أصبحوا يرفضون الغياب أياما وأسابيع في البحر بعيدا عن عائلاتهم وأجوائهم الشبابية في أوقات الفراغ، مقابل راتب لا يوفر احتياجاتهم، خصوصا مع ما تشهده الأسعار من تضخم وارتفاع جعل مهنة الصيد غير مجدية في نظر الكثير منهم.
ويضيف، أن “صبر الشاب السعودي لم يعد كالسابق، عندما كان يتحمل البقاء داخل البحر تحت مختلف الظروف والأحوال الجوية المتقلبة لفترات تتجاوز أحيانا الأسابيع، وقد قابل ذلك العزوف إغراء الوظائف المريحة المتوفرة في الشركات التي سحبت البساط من صيد السمك ومشقاتها، وهو ما جعل العديد من أصحاب القوارب يبحثون عن العمالة أجنبية لتشغيل مراكب صيدهم وتوفير احتياجات الأسواق”.
وبلغ عدد العاملين في قطاع صيد السمك في السعودية بنهاية سنة 2017 نحو 28 ألف شخص، موزعين بين عامل وصياد، ووفقا لإحصائية صادرة عن وزارة الزراعة، فإن العمالة الأجنبية استحوذت على نحو 90 في المئة من عدد العاملين في القطاع، فيما انخفض عدد مراكب صيد الأسماك في الخليج العربي والبحر الأحمر بنحو 8.3 في المئة خلال 2017.
شغف متوارث
يعشق الشباب السعودي منذ الطفولة صيد السمك بالصنارة، لكن هذا العشق يتركه البعض أو يتوقف عند الهواية، ويصيب البعض الآخر، فينتقلون من الصنارة التي تنعم عليه بالقليل من السمك ليعتبروه انتصارا ومفخرة، ليتجهوا للعمل على القوارب الصغيرة والمراكب الكبيرة، والدخول في مغامرة الصراع مع البحر وأمواجه وأنوائه بكل شجاعة ومفخرة، مفندين اعتقاد البعض بأنها مهنة دونية وضيعة لا تليق بعصر التكنولوجيا والأناقة.
يقول الصياد عبدالرحمن أحمد، “مهنة الصياد ليست مهنة دونية كما ينظر إليها الشباب، ولا يجب أن ننظر إلى من يمتهنها بنظرة احتقار في هذا العصر المتطور، وأنا أمتهنها بشرف وهمّة دون خجل”.
ويدعمه الصياد حمد محمود الجهني، الذي يقول “إن مهنة صيد الأسماك تحتاج إلى صبر طويل وكفاح مرير مع تحديات البحر، وتعدّ مصدرا مهمّا للرزق بالنسبة إلى الصيادين”، مشيرا، إلى أن هذه المهنة لا زالت تلقى إقبالا كبيرا بين فئتي الشباب والصغار”.
ويقول الصياد الشاب محمد الفايدي، “أجوب عرض البحر بداية من فجر كل يوم جديد لتأمين قوت يومي، فالصيد بالنسبة إليّ حرفة تعلّمتها من والدي، رغم أن أقراني يبحثون عن مهن أخرى خوفا من احتقار مهنة الصياد”.
ويصف محمد سليم، أحد أقدم صيادي الأسماك في ينبع، هذه المهنة بأنها مهنة المتاعب، مع أن البحر فيه الخير الكثير، لكنه في نفس الوقت يشير إلى المخاطر والصعوبات التي عاشها على مدى 30 عاما من حياته في مهنة الصيد.
ويذكر الصياد عواد سالم الرفاعي أنه في السابق كان يبحر بالقوارب الشراعية، وكان يخرج للبحر لطلب الرزق برفقة والده الذي تعلم منه الكثير. ويبيّن أن هذه المهنة شهدت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة تمثل في طرق الصيد التقنية وأجهزة الرادار التي تبيّن خط الرحلة في البحر والعودة.
ويذكر الصياد حسين مزين، أنه من عائلة متمرسة في مهنة الصيد، موضحا أن جميع الصيادين يجوبون البحر بقواربهم بشكل يومي للبحث عن أرزاقهم في صيد السمك، حيث يتمتع البحر الأحمر بوفرة كبيرة من الثروة السمكية، وتتميز ينبع لوحدها بأنواع كثيرة من بينها الناجل، الشعور، الفارس، والحريد.
تشجيعات وعراقيل
تحظى مهنة صيد السمك في المملكة السعودية بدعم كبير من الدولة، إذ تُقدّم للصيادين مختلف التسهيلات لتمكينهم من مزاولة مهنتهم بكل يسر. وفي أكتوبر الماضي، كشفت وزارة الزراعة عن إطلاق مشروع “الصياد” لبحث مشاكل الصيادين، ووضع حلول سريعة للحيلولة دون اندثار هذه المهنة.
ووضع القائمون على المشروع خطة تنقسم إلى مراحل، يتم بموجبها وضع آلية لطرح وظائف جديدة في هذه المهنة، كما يدعم “صياد” مبادرة لتطوير المرافئ والسفن وتوفير كافة المستلزمات الحديثة لتطوير أنظمة الصيد والارتقاء بهذه المهنة وإعادة الألق لها، من خلال استثمار المسطحات المائية الممتدة التي تطل عليها المملكة.
ويركز المشروع على تشجيع الشباب السعودي ويحفزهم على مزاولة المهنة للحد من سيطرة العمالة الأجنبية على المهنة، بالإضافة إلى إيجاد فرص عمل نسائية للعمل في وظائف مخبرية وتسويقية إلكترونية.
وكشفت الوزارة عن منع أي قارب صيد من العمل إذا لم يتوفر فيه شروط السعودة، وذلك تماشيا مع مشروع توليد الوظائف وتمكين الشباب من فرص العمل في مجال الصيد البحري.
هذا القرار لاقى انتقادات واسعة من قبل الصيادين الذين يؤكدون على أن عزوف الشباب السعودي عن مهنة البحر الشاقة سيجعلهم في أزمة إيجاد عمال سعوديين، يقول الصياد خالد المرواني، إن أصحاب القوارب ليس لديهم أي مانع من مرافقة السعودي معهم للعمل، ولكن أين هو الشاب السعودي الذي يريد أن يشق عباب البحر في الليل والنهار وكل الفصول؟ صيد السمك ليست رحلة ترفيهية بل مغامرة وعناء، “نحن لا نستطيع توفير شاب سعودي يرافق القارب أثناء النزول للبحر”.
وعزا الصيادون عدم إقبال الشباب السعودي على هذه المهنة لمردودها المادي غیر المضمون وما یصاحبها من مخاطر ومتاعب، يقول الصياد مبارك الرفاعي وصاحب قارب صيد، إن العمال على القوارب یعملون لدینا بنظام الحصة، ویقتسمون معنا المبلغ الذي لا یتعدى في غالب الأحيان 2500 ريال سعودي، أي ما يعادل حوالي 670 دولارا أميركيا، متسائلا، “من یقبل أن یقتسم معي هذا المبلغ؟ ثم من يقبل بمهنة ليس بها دخل ثابت ولا ضمان ولا تقاعد؟”.
ويقول تجار الأسماك إن دخل الصيد اختلف كثيرا عن الماضي، وتبع هذه المهنة تطوّر أدوات الصيد وارتفاع تكاليفها، فأصبح الصيادون يقطعون مسافات طويلة في البحر للبحث
عن الأسماك لانخفاض كميتها في الأماكن القريبة، كما أن هناك الكثير من الشباب تركوا مهنة صيد السمك لضعف دخلها ولخطورة العمل في هذه المهنة. ويخشى التجار، إن استمرت الأوضاع على ما هي عليه أن يهجر مهنة صيد السمك البقية لعدم مقدرتهم على الوفاء بمستلزمات الحياة.
ويتفق اغلب الصيادين مع التجار على أن العمالة الحالية غير كافية، فوضع القوارب يختلف عن جميع المهن، حيث إن الشاب السعودي لن يقبل بأن يعمل أجيراً في مهنة صيد السمك.
ويرى الصيادون أن الشاب السعودي، وإن قبل بالعمل في البحر فأنه لن يقبل بنظام الحصة، ولكنه سيختار الحصول على قرض بنكي وشراء مركب خاص به، وهو أمر سيزيد مسالة العمالة في الصيد البحري تعقيدا.
ويتخوّف الصيادون من توقف قواربهم لعدم توفر عامل سعودي يبحر معهم لمدة طويلة، فذلك سيجبرهم على ترحيل العمالة الأجنبية، نظرا إلى عدم قدرة الكثير على تجديد الإقامات وتسديد رخصة العمل، متسائلين عن إمكانية استمرار الصياد السعودي في العمل وهل يتحمّل بقاءه فترة تصل إلى 5 أيام في عرض البحر؟
ويقول المختص في الموارد البشرية سهيل القاسم، إن أغلب أصحاب مراكب الصيد لا يستطيعون توفير سعودي يعمل بوظيفة صياد براتب ثابت، لافتا إلى أن البعض من هؤلاء قد يلجأ إلى الحيلة، بتوفير عامل من أقربائه من أجل عدم تعطّل عمله، وهو تصرّف غير مقبول، ولكن يعتبر لدى الصياد آخر الحلول.
وتوقّع عضو جمعية الصيادين بالمنطقة الشرقية رضا آل فردان أن تتوقف الآلاف من المراكب بسبب عدم توفر سعوديين، وسترتفع أسعار الأسماك واللحوم عموما، كما سيسبّب ذلك أضرارا بالغة للأسر التي تعتمد على الصيد أو بيع الأسماك.
ومع مهنة صيد السمك المهددة بالاندثار يتوقع أن تندثر مهنة بيع السمك أيضا في الأسواق، كما اندثرت مهنة صناعة الشباك، يقول صانع شباك الصيد حسين بن مبارك، “مهنة صناعة شباك الصيد أصبحت تراثا ولم يعد يهتم بممارستها إلا القليل وذلك لعدم وجود المردود المادي الكافي، كونها مهنة تحتاج إلى الصبر والدقة والمهارة والوقت الطويل لإنجاز الشباك، إذ أن بعض أصناف الشباك تحتاج إلى نحو شهر لإنجازها، كما أن الطلب عليها أصبح قليلا”.