الشاي الصحراوي ينقذ نازحي الجنوب من البطالة في الجزائر العاصمة

خيمات بديكور تقليدي تتوزع في الأحياء لبيع المشروب الصحراوي، ومختصون في إعداد الشاي للحفلات والأعراس.
الثلاثاء 2019/03/05
فن في صبه وفن في شربه

يعاني سكان صحراء الجزائر من التهميش، ما دفع شبابها إلى الهجرة إلى المدن، وخاصة العاصمة بحثا عن مورد رزق لم يجدوه إلا في إعداد الشاي الصحراوي وبيعه في الشوارع، وأمام ازدياد المقبلين على الشاي المنعنع اختار هؤلاء التخصّص في شايهم من الذين يعرفون أسرار إعداده، حتى بات لا يغيب عن المقاهي والفضاءات الشعبية والراقية، وحتى في المناسبات والاحتفالات.

الجزائر - ينتشر باعة الشاي في كل أحياء العاصمة الشعبية منها والراقية وفضاءات التسلية والترفيه، بعد أن قدموا من مدن الجنوب هربا من البطالة، فلم يجدوا إلا بيع الشاي الصحراوي موردا لرزقهم.

وأمام عدم توفر مواطن شغل في العاصمة، اختار الشباب القادمون من المدن الجنوبية في الصحراء أن يشتغلوا باعة متجولّين عبر الطرقات والأسواق، وهم يحملون أباريق الشاي على موقد من الجمر، تجد في كل حي من العاصمة فضاءات مخصصة لبيعه، بل حتى في المقاهي صار هناك زوايا مخصصة لبيع هذا المشروب مع المكسّرات والحلويات الشرقية.

يجوبون الأزقة والشوارع الشهيرة في النهار يحملون في أيديهم إبريقا أصفر ملتصقا بطنجرة تحوي فحما مشتعلا، حتى يبقى الشاي ساخنا ويحملون معه قفة لتخزين أكواب الشاي البلاستيكية، والكثير من النعناع الذي يتميّز به شاي سكان الصحراء.

طريقة تحضير الشاي الصحراوي تعتمد على تسخين الماء وغسل وريقات الشاي بالماء الساخن، ثم توضع الوريقات في الماء الساخن من جديد ويغلّي على نار هادئة.

ويحبذ أن يغلّى الشاي بالفحم وليس بالغاز حيث يطهى لأكثر من ثلاثين دقيقة، وبعدها يتم سكب الشاي المحضر في إبريق آخر ليتم إعادة طهيه على نار هادئة مع وضع وريقات من النعناع وحبات من القرنفل مدة لا تتعدى 15 دقيقة، ثم يعاد سكبه في الابريق ثلاث مرات مما يجعله ذا رائحة طيبة ورغوة تفتح الشهية.

يغلى الشاي على الفحم ثم يتم سكبه في إبريق آخر لإعادة طهيه على نار هادئة مع وضع ورقات من النعناع وحبات من القرنفل

من أشهر وأقدم باعة الشاي المتجولّين في قلب العاصمة عبدالرحمن بكلاني صاحب الـ48 سنة احترف هذا النشاط منذ سنة 2005، وحسب حديثه فإن زبائنه خلال أيام السنة من فئة التجار وعمال الإدارات العمومية ووسائل النقل، والذين يمر عليهم يوميا من حي باب الوادي إلى غاية شارع حسيبة بن بوعلي بالجزائر الوسطى، حيث يشرع عادة في تحضير الشاي على الساعة الرابعة صباحا أين يقيم بوادي قريش ويعده على الجمر

مع مزيج من النعناع الأخضر واليابس. وبعد الانتهاء من تحضيره وملء إبريقين من سعة 10 لترات للواحد يشرع في عمله سيرا على الأقدام، وتكون الانطلاقة مع تجار سوق الساعات الثلاثة بباب الوادي مرورا بحي العقيد لطفي ثم ساحة الشهداء، على أن يعود لملء الإبريقين ليواصل رحلته مع تجار سوق بوزرينة وساحة الأمير عبدالقادر، وفي كل نقطة يقف عندها يجد زبائنه بانتظاره، ويقول المتحدث، إنه ساهم في تغيير عادات المئات من العاصميين بتناولهم الشاي بدل القهوة صباحا.

ولا يقتصر بيع الشاي على الشباب العاطلين عن العمل فعبدالجبار طالب يستغل العطلات لبيع مشروب بلده الذي يتقن إعداده ليعين نفسه على إتمام دراسته الجامعية، فهو يطمح أن يصبح أستاذا جامعيا في المستقبل، ولكن هذا الطموح المشروع يحتاج منه إلى العمل ليلا نهارا من أجل تحقيقه.

عبدالجبار يقول، إن بيع الشاي مهنة شريفة جعلته يحصل على مدخول يعين به أهله البعيدين عنه، مشيرا إلى أن مهنته تحتاج منه إلى الصبر للتعامل مع الزبائن.

ويتجلى ارتفاع الطلب على الشاي الصحراوي بالعاصمة في الانتشار الكبير للخيم الصحراوية في معظم الأحياء، والتي تم نصبها في فضاءات عمومية على غرار بهو قصر المعارض ومنتزه الصابلات وحتى داخل بعض المراكز التجارية.

وتوفر هذه الخيمات لمرتاديها أنواعا عدة من الشاي، حيث كشف عبدالسلام وهو صاحب خيمة بالبريد المركزي، أنه يسوق أكثر من 10 أنواع من الشاي، بما في ذلك بعض أنواع الشاي الطبي، كذلك المخصص للقولون

العصبي، وآخر لالتهابات المعدة، أو الشاي الذي يتنــاول قبل الأكل، وآخر بعده والشاي الصباحي والشـاي المسائي… وهي كلها حيل لزيادة المبيعات.

ومن الأنواع الجديدة للشاي الذي عرف رواجا في أوساط المقبلين على الامتحانات -حسب نفس البائع- الشاي المساعد على تنشيط الذاكرة ومصدره كما قال

صيني، لكنه يحضر بنفس الطريقة تحضير الشاي الصحراوي وهي الطريقة التي تبقى، حسب جميع الباعة “سرا من أسرار المهنة”.

ويقدم الشاي في هذه الخيمات مع عدة أنواع من المكسرات والحلويات، وتقصدها العائلات لتناول الشاي وأخذ قسط من الراحة والاستمتاع بالأغاني الصحراوية… وأخذ صور تذكارية في جو صحراوي مكتمل، حيث استقدمت حتى الجمال من طرف أصحاب هذه الخيم.

وحسب ما صرح به عبدالسلام، يرتفع سعر الشاي بالخيمة نوعا ما، مقارنة بسعره عند الباعة المتجولّين حيت يبدأ من 50 دينارا ويصل إلى غاية 150 دينارا حسب نوعه ومكوّناته، كما يرتفع النوع الذي يضاف إليه عسل الملكة إلى 200 دينار للكأس.

ولم تعد بعض الخيم مختصة في الشاي فقط، بل تعدته إلى إعداد وبيع العديد من الأطباق الصحراوية، كالكسكس، ويتراوح سعر هذه الأطباق من 500 إلى 1000 دينار جزائري.

وأصبح المواطنون يميلون إلى الذهاب إلى مثل هذه الخيم التي انتشرت حتى بالأحياء الراقية للعاصمة، على غرار حيدرة وبئر مراد رايس بدل المقاهي للعديد من الأسباب، منها الرغبة في تغيير الجو والغوص في أعماق الصحراء، فيما يفضل آخرون تناول الشاي الصحراوي عند أبناء الجنوب للذته وعجزهم عن إعداده بنفس المذاق في منازلهم، ومنهم من يأخذ كمية منه إلى البيت لباقي أفراد العائلة.

ومع حلول شهر رمضان الكريم يزداد انتشار باعة الشاي سواء المتجولّين أو الذين استأجروا محلات وحوّلوها على شكل خيم تسافر بديكورها إلى عمق الجنوب الأصيل، أو أولئك الذين استأجروا زوايا داخل المقاهي، وهو ما لاحظته وكالة الأنباء الجزائرية (واج) بعديد من بلديات العاصمة وفضاءاتها كبلديات باب الوادي وباب الزوار والقبة والرغاية والمحمدية ومنتزه الصابلات بساحل الجزائر العاصمة وفضاءات قصر المعارض.

أمام انتشار الشاي الصحراوي وتراجع الطلب على القهوة لجأ العديد من أصحاب المقاهي بالعاصمة إلى تخصيص زاوية بالمقهى لبيع هذا المشروب

ومع حلول شهر رمضان الكريم يغيّر عبدالرحمن مواقيت العمل، إإذ يشرع في بيع الشاي دقائق قبل الإفطار نزولا عند رغبة بعض الزبائن، وبعد الإفطار يواصل عمله الذي يدرّ عليه دخلا يوميا محترما، حسب ما يقول وهو يجوب الطرقات ويمرّ على المحلات سيرا على الأقدام.

وأمام انتشار الشاي الصحراوي وتراجع الطلب على القهوة لجأ العديد من أصحاب المقاهي بالعاصمة إلى تخصيص زاوية بالمقهى لبيع هذا المشروب. وعادة ما يتم كراء هذه الزوايا بأسعار باهظة تصل إلى 30 ألف دينار شهريا، حسبما صرح به محمد القادم من ولاية أدرار والذي أستأجر فضاء لا يتجاوز 5 أمتار متر مربع من مقهى شهير بحي باب الوادي.

ومن مظاهر شغف أصحاب المقاهي واهتمامهم بهذا النوع الجديد من النشاط هو وجود عدة إعلانات بالمقاهي يبحث أصحابها عن محترفين في صناعة الشاي من الجنوب تحسبا لمزاولة هذا النشاط، وأصبحت إعلانات البحث عن محترفي إعداد الشاي تغزو هي الأخرى المواقع الإلكترونية المختصة في التوظيف وعلى صفحات الجرائد أيضا.

ولم يعد الشاي الصحراوي أيضا منافسا للقهوة ومقاهي العاصمة، بل أصبح كذلك منافسا للمشروبات التي توزّع في الأعراس، واحترف العديد من شباب الجنوب مهنة صناعة الشاي بالأعراس والمناسبات على غرار بشير (27 سنة)، وهو طالب بجامعة الجزائر من تيممون، تخصص في بيع الشاي لكن في الأعراس والمناسبات فقط، وتختلف طريقة عمل بشير في تحضير الشاي وتوزيعه بالأعراس والأفراح، حسب ما يطلبه صاحب الفرح.

وعن رواج هذه المهنة أبرز بشير أنها تدرّ أمولا معتبرة في فصل الصيف، أين تكثر الأعراس والمناسبات والاصطياف بالشواطئ، ويوجد بالمنطقة الغربية للعاصمة حسب نفس المتحدث أكثر من 30 شابا من منطقة الجنوب يمتهنون هذه الحرفة في الأعراس والمناسبات.

وأكثر ما يعني باعة الشاي المتجولون أنهم استطاعوا أن يكسبوا زبائنهم بفضل معاملتهم الطيبة لينقذوا أنفسهم من البطالة، حتى أصبح بيع الشاي مهنة تقتصر عليهم.

20