الشائعات الافتراضية تتحوّل إلى مقصلة لشنق النجوم

"كدبة كبيرة".. دراما مصرية تتطرّق لأضرار مواقع التواصل الاجتماعي.
الجمعة 2021/09/10
الحب والرومانسية يجتمعان في أبهى صورهما

راجت الأعمال الدرامية القصيرة وتكاد تتحوّل إلى موضة جديدة، وجد فيها الكثير من الفنانين وسيلة للتواجد الخفيف على الجمهور، فخمس أو عشر حلقات محملة بوجبة فنية تكفي لتوصيل الرسالة المطلوبة، وهو ما شجّع المؤلفين الذين تخصّصوا في هذه النوعية من الأعمال والمخرجين المتيمين بها على تقديم المزيد منها.

القاهرة - شرعت قناة الحياة المصرية أخيرا في عرض الجزء الثاني من المسلسل الاجتماعي “ورا (وراء) كل باب”، وهو العمل الذي عرض الجزء الأول منه منذ عام ولقي نجاحا لما يحويه من قصص إنسانية واقعية مؤثرة وتضمن خمس حكايات متصلة منفصلة، هي: “مالناش إلاّ بعض”، و”يوم من الأيام”، و”طبق الأصل”، و”شنطة سفر” و”أيامنا الحلوة”.

وضع فكرة العمل الكاتب يسري الفخراني من واقع الحياة، ويعتمد في مجمل الأفكار التي جرى التطرّق لها على حكايات منفصلة متصلة كل منها لا يزيد عن خمس حلقات وله أبطال ومؤلف ومخرج في إطار اجتماعي يتضمّن العديد من القضايا التي تهمّ عددا كبيرا من المواطنين، وتتطرّق لنماذج من همومهم التي يعايشونها.

في الحكاية الأولى الجديدة “كدبة (كذبة) كبيرة” بطولة أحمد زاهر وهنادي مهنا تم التعرّض لواحدة من المشكلات الخطيرة التي تتعلق بالنخبة، وناجمة عن الإسراف في التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي ومحاولات البعض تسخيرها لتحقيق الشهرة عن طريق نشر الشائعات والترويج لها في المجتمع، دون اهتمام بما تخلفه من أضرار.

واقعية متوازنة

تهمة التحرش تلاحق ممثلا مشهورا
تهمة التحرش تلاحق ممثلا مشهورا

قد يكون موضوع السوشيال ميديا مستهلكا وجرت الإشارة إليه من قبل في أعمال فنية، لكن التكثيف الذي حظي به في هذه الحكاية كشف عن تفاصيل مهمة ربما تخفى على البعض في التأثيرات والنتائج، وتدفع للتفكير فيها، خاصة عندما يتم تقديم العمل في قالب فني بسيط ومباشر وينصرف بعيدا عن الإيحاءات والشفرات، فجمهور الدراما لا يستطيع تحمل مشاهدة عمل يتّخذ من الرموز أداة لتوصيل رسالته.

لامست هذه القضية الدور الذي تلعبه منصات التواصل عصبا حساسا في المجتمع المصري، حيث تحوّلت إلى مقاصل سهلة لشنق بعض النجوم والمشاهير، ومن خلال قصة “يحيى” الذي يقوم به الفنان أحمد زاهر، وهو يؤدّي دور ممثل مشهور، حيث تدفّقت في هذه الحكاية الكثير من المياه المعبّرة عن الحقد الفني والغيرة والانتقام وتصفية الحسابات عبر تدميره بنشر الشائعات التي تنتشر كالنار في الهشيم.

أمراض المنصات لن تنتهي وتتفرّع لتغوص في قضايا شائكة، ومن واجب الدراما أن تخوض فيها قبل أن تتفاقم مخاطرها

أوجدت الحكاية التي ألفها إسلام حافظ خيطا رومانسيا رفيعا يربط بين البطل يحيى والبطلة “فاطمة” التي تقوم بدورها هنادي مهنا، ولم تكن هذه الرومانسية الطاغية منطقية في حالة يحيى الذي استهواه حُب فاطمة له وسط الأزمة التي عصفت به من وراء تعمّد ممثلة مغمورة التشهير به واختلاق مواقف لم تحدث، مضمونها يدور حول تحرشه بها أثناء التجهيز لعمل مشترك.

وادعت أن يحيى يخدع الجمهور بصورته الإيجابية البرّاقة، والتي تكاتفت ممثلة ومخرج وناشط على السوشيال ميديا جمعتهم مصلحة واحدة لتحطيمها، والعجيب أنه بدا راضخا لهذا النوع من التشهير ولم يحرّك ساكنا، وهي مفارقة فنية ربما يكون طاقم العمل قبلَ تمريرها كدليل على رفض هذا الأسلوب، لأن يحيى كان بإمكانه ردّ الصاع صاعين وأكثر بعد أن تصاعدت الحملة ضدّه ودخل عليها مستفيدون من “التريند” الذي بات يدغدغ مشاعر الكثيرين.

اعتاد المؤلف إسلام حافظ الاهتمام بالنواحي النفسية في الشخصيات التي يرسمها، فبعد تخرجه في كلية الإعلام حصل على “كورسات” في علم النفس والسيكودراما وعلوم الطاقة وقام بتمثيل وكتابة وإخراج العديد من الأعمال الفنية في السينما والمسرح والتلفزيون.

بعيدا عن السريالية

علاقة الحب الصادقة كفيلة بجبر الأضرار
علاقة الحب الصادقة كفيلة بجبر الأضرار

حاولت هنادي مهنا الاستفادة من هذه الفرصة التي قدّمتها في أول بطولة لها، فغالبية الأدوار التي شخصتها من قبل لم تتح لها هذه المساحة في الدور، ومع أنها استخدمت تعبيرات وجهها بدقة لكشف البعد الرومانسي في علاقتها مع يحيى، لكن الأداء الفني العام لا يزال بحاجة لرفع مستوى الإتقان كي تقدّم الدور بسلاسة أكبر ولن تجد صعوبة في ذلك بحكم موهبتها، فقط تترك نفسها على طبيعتها وتتجاهل أنها تؤدّي دورا تمثيليا.

وخرجت هنادي مهنا من عباءة والدها الموسيقار الشهير هاني مهنا في حرصها على التجويد في الأدوار التي تسند إليها وتصرّ على أن تترك بصمة في كل دور تظهر فيه، خاصة أن دور فاطمة جاء بعد شائعات حقيقية طاردتها عقب اقترانها بالفنان أحمد خالد صالح بشأن إجراء عمليات تخسيس خارج مصر، وهو ما تم نفيه وتبرير التخسيس بأنه ضمن ريجيم قاس اتبعته جعلها أكثر نحافة، ممّا أهلها، ربما، لتقمّص دور فاطمة في خماسية “كدبة كبيرة”.

"كدبة كبيرة" نجحت في رمي حجر في المياه الراكدة تطرقها لمشكلة نشر الشائعات عبر منصات التواصل

وخفّف أحمد زاهر من عصبيته التي لازمته منذ مشاركته في مسلسل “البرنس” مع النجم محمد رمضان، والتي لم يتخل عنها تماما، حيث ظهرت في نبرات صوته، قد تكون الأزمة التي مرّ بها تحتاج قدرا من الانفعال، لكن إذا لم يضبط نفسه سوف تصبح العصبية من سماته الشخصية وتحصره لاحقا في أدوار محدودة، على الرغم من أن قدراته الفنية عالية وتمكنّه من دخول المنطقة الفنية الدافئة ونجوم الصف الأول.

كان من الممكن أن تصبح قضية الفوضى العارمة على مواقع التواصل والتي يعاني منها النجوم والمشاهير مدخلا جيدا للتطرّق بعمق للكثير من الأمراض التي يعاني منها المجتمع المصري، من زاوية تحليل الشخصيات التي توظف هذه الأدوات لتحقيق شهرة ومكاسب مادية أو للانتقام من آخرين وإيجاد حلول لها، إلاّ أن التوصيف الذي انتهجه العمل أتى غير كاف ولم يقدّم حلولا لهذه المعضلة.

في كل الحالات، يحتمل الموضوع معالجات متنوعة لأن أمراض المنصات لن تنتهي وتتفرّع لتغوص في قضايا شائكة، ونجحت حكاية “كدبة كبيرة” في رمي حجر في هذه المياه الراكدة، فما يراه المصريون حاليا بسببها لم يعد طارئا، ومن واجب الفن أن يسهم في تنوير الناس ودق جرس الإنذار قبل أن تتفاقم المخاطر.

تعمّد مخرج العمل سميح النقاش الربط بين حياة المدينة المرفهة والصاخبة والريف البسيط الذي ينعم بالهدوء من خلال شخصية يحيى وعودته بشكل تلقائي إلى جذوره والحنين إليها والاحتماء بعائلته التي صدق البعض ما تردّد حوله من شائعات بينما رفض آخرون مجاراتها، وجاء توظيف ثنائيات الخير والشر، والقوة والضعف، والحق والظلم، من الناحية الفنية في صالح الفكرة الرئيسية.

وبدأ النقاش مسيرته بالعمل كمساعد مخرج في أفلام “عريس من جهة أمنية”، و”أريد خلعا”، و”التوربيني”، و”مسجون ترانزيت”، وكانت باكورة أفلامه الإخراجية “مقلب حرامية”، ومسلسل “كابتن عفت” من السلسلة المعنونة بـ”حكايات بنعيشها”.

أسهمت هذه الخبرات في تقديم الحلقات الخمس بصورة جيدة، فكانت الكادرات موفقة في عمليتي “الزوم إن” و”الزوم آوت”، وفي التصوير بالأماكن التي تمكن المخرج من توظيف المساحة الشاسعة من الفراغات في مناطقها الصحيحة، وتجاهل التركيز على خيالات تجذب بعض المخرجين باعتبارها من دواعي السريالية الجديدة.

وعبر صوت المطرب الشعبي أحمد عدوية عن الشجن والوجع والألم الذي شعر به يحيى بسبب الظلم الذي وقع عليه، وبدا أولا كأنه رضخ للهزيمة التي لم تنفك عقدها إلاّ بعد الخروج من حالة الإنزواء التي ارتضاها لنفسه، في إشارة مفادها بأن “دولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى قيام الساعة”، وكشفت المؤامرة وأهدافها عن جوانب إيجابية تتضمنها المحن التي يمرّ بها الإنسان، لأن يحيى لم يعرف نفسه سوى عقب مروره بهذه المحنة، التي شكّلت بدايته الحقيقية.

16