السينما ليست فن التقاط الصور وتركيبها

دمشق – الفن السينمائي هو فن صناعة الصورة، والصورة السينمائية هي تلك التي تجسد حدثاً وتعبر عن فكر أو رأي أو مقولة اجتماعية لنرى من خلالها الحياة ونتعرف على جوانبها المجهولة بالنسبة إلينا وأسرار الذوات الإنسانية.
ويأتي كتاب “الفيلم السينمائي من الفكرة إلى الشاشة” تأليف فتيح عقلة عرسان (1946 – 1983)، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب والذي أعادت طباعته بعد 40 عاما من صدوره كوسيلة وأداة معرفية وموضوعية وعلمية تقف على فن صناعة هذه الصورة.
ويتكون الكتاب من ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول خصائص الإنتاج السينمائي وتطرق الثاني إلى المراحل التحضيرية لإنتاج الأفلام فيما تحدث الثالث عن تصوير الفيلم السينمائي.
وجاء في الكتاب أن السينما ليست فن التقاط الصورة وتركيبها ومزجها فحسب بل هي فن حركة وتحريك الممثل، وهي ليست فنَّ وإبداعَ الرجل الواحد الوحيد أيا كانت إمكاناته ومواهبه الفنية والإبداعية والتقنية وقدرته على إعداد وخلق كل مستلزمات الصورة السينمائية والفيلم السينمائي.
ويؤكد الكتاب الذي جاء في 200 صفحة أن الفن السينمائي فن تركيبي يعتمد على كل مكونات الإبداع في الفنون الأخرى (موسيقى وغناء وفن تشكيلي وتمثيل ورقص شعبي وتراث…). وهو إنتاج يعتمد أرقى وأدق المكتشفات العلمية في مجال البصريات والصناعات التقنية السينماتوغرافية الحديثة، كما أنه اقتصاد تطبيقي يعتمد على جميع الأسس والمعايير الاقتصادية في عملية التصنيع والإنتاج لتكون حصيلته النهائية شريطا سينمائيا مصورا مضمونه فكري تربوي أو كوميدي ترفيهي.
ويتصف الفن السينمائي -وفقا للكتاب- بكل مواصفات السلعة التجارية ويتم تداوله والتعامل به ومعه على أساس كونه سلعة سينمائية يطلق عليها اسم “الفيلم السينمائي”. واعتبر المؤلف أن السينما فن وصناعة واقتصاد مخطط ومبرمج، وهي ثقافة وفكر وتربية و”أيديولوجيا” علينا أن نهتم بها ونوليها كل عناية ورعاية على كل الأصعدة والمستويات.
ويجسد الكتاب أبرز وأهم أسس تحقيق الفيلم السينمائي المتمثلة في مبادئ ومراحل إنتاج الفيلم بدءا من الفكرة حتى نسخة العرض والوصول بها إلى الجمهور. كما أن أهمية وضع الكتاب وتقديمه للمتخصصين والمهتمين والقارئ العادي تأتي من افتقار المكتبة السينمائية العربية إلى إصدارات تعالج الجوانب السينمائية، ولاسيما أن ما ينشر ضمن هذا التخصص في الوطن العربي يقتصر على الجوانب الفنية والدراسات النظرية في تاريخ السينما.
ويبين الكتاب أساسيات الإخراج السينمائي، متطرقا إلى حرفيات الإخراج والتنفيذ الإخراجي للفيلم، ويحلل ويشرح كافة الأساسيات والحرفيات وعناصر التنفيذ الإخراجية من خلال بعض الأمثلة، مؤكدا أن العرض السينمائي هو الاتحاد الإبداعي للكثير من العاملين، ففي رأيه الجماعة هي المبدع الحقيقي للفيلم السينمائي، وهذا أول ما يجب فهمه جيدا.
ووفق الكتاب فإن الفيلم السينمائي المقنع هو الذي يتعامل معه الجمهور على أنه حقيقة كما في الحياة، على الرغم من معرفته أن كل ما يجري أمامه هو لعبة فنية سينمائية، أي يجب أن يتلقى الجمهور الحياة على الشاشة (غير الحقيقة في الواقع) وكأنها حياة حقيقية.
ومن المهم بالنسبة إلى المشاهد أن يرى الفيلم باعتباره تجربة واحدة، بما يعني أن كل العناصر تعمل معا لكي تصنع تجربة موحدة للمشاهد، والمخرج يحتاج إلى فريق إبداعي من مصورين ومصممي ديكور وملابس وإكسسوارات وممثلين ومهندسي صوت ومنتيرين ومؤلفي موسيقى، فالوحدة والاتساق يعنيان أن أدوات الإخراج تعمل معا وهذا هو هدف الفكرة الإخراجية الواضحة القوية التي تعزز وحدة تجربة المشاهد للفيلم.
الإنتاج السينمائي حرفة قابلة للتغيير والتطور دائما رغم أن قواعدها المستقاة من أعمال السينمائيين الأوائل وخبرات من تلوهم برهنت على ثباتها لمدة طويلة، فالعديد من منتجي الأفلام تعلموا حرفتهم من فحص الأفلام القديمة ودراستها، ومن ثم فإن كل أشكال اللغة السينمائية مباحة وجائزة فنيا، فيما عدا استخدام هذه الوسيلة لمجرد التلاعب الأجوف بالأشكال.
وكما نقرأ في الكتاب فإن الحركة عنصر من أهم عناصر الفيلم، فهي صورة السينما في حالة الفعل، وهي تشمل لحظات التصوير في مظاهرها الدائمة التغيير والحركة؛ “حركة الموضوع أو الشخصية، حركة الكاميرا، حركة الطبيعة والخلفية، حركة الإضاءة، حركة المونتاج” وغيرها، وهو ما يركز على تبيانه الكتاب.
يذكر أن فتيح عقلة عرسان من مواليد درعا عام 1946 وحاصل على إجازة في إدارة الإنتاج السينمائي من المعهد العالي للسينما في موسكو عام 1972، ومدير إنتاج عدد من الأفلام السينمائية القصيرة والطويلة من إنتاج مؤسسة السينما، ومدير شؤون الإنتاج السينمائي في المؤسسة من عام 1978 إلى 1981، ومدير عام المؤسسة عام 1983 سنة وفاته.
وكان المؤلف من مؤسسي مهرجان دمشق السينمائي ومجلة “الحياة السينمائية”، وأشرف على إعادة اكتشاف وترميم الأفلام السورية الأولى وتكريم روادها الأحياء والراحلين، وعمل على تأليف مجموعة من الكتب ومسرحية، وكان عضوا في اتحاد الكتاب العرب ونقابة الفنانين.