السينما الهندية في زمن كورونا بلا عناق ولا عراك

أثرت جائحة كورونا على القطاع الفني وتوقف إنتاج الأعمال الفنية كالسينما والتلفزيون، وما ظل منها كالرسم والموسيقى يعاني من أزمة التوزيع إلا أن السينما في بوليوود وجدت حلولا تساهم في التباعد الاجتماعي والحفاظ على العاملين في القطاع من كورونا أثناء العمل.
نيودلهي – يحاول مخرجو ومنتجو أفلام السينما في جميع أنحاء العالم، استكشاف طرق جديدة للاستمرار في صناعة الأفلام في ظل جائحة كورونا، حيث تواجههم مشكلة تجميع الشخصيات الكثيرة العاملة في الفيلم، بمواقع التصوير، مع ضمان منع انتشار الفايروس بينهم.
ووسط هذه المحاولات، ابتكر المنتج السينمائي الهندي جامنداس ماجثيا وسيلة فريدة لحماية طاقم العمل في الفيلم من فايروس كورونا.
وكانت الوسيلة مجموعة من المظلات، حيث قام المنتج بتوزيع مظلة على كل ممثل وعامل بالطاقم الفني في موقع تصوير الفيلم، في إطار ماكينة السينما الهندية الهائلة المعروفة باسم “بوليوود”، وطلب منهم حمل المظلة طوال الوقت مع عدم السماح لهم بوضعها جانبا إلا وقت تصوير مشهد.
ويوضح المنتج ماجثيا، “أثناء تحدث العاملين بالفيلم أو عملهم في إعداد المشاهد، يجب عليهم الإمساك بالمظلة، ذلك لأننا ننسى الحفاظ على مسافة آمنة بين بعضنا البعض كإجراء احترازي، فنحن كائنات اجتماعية”، مؤكدا أن المظلة تحميهم من العدوى بفايروس كورونا.
وخطرت هذه الفكرة على ذهن المنتج ماجثيا، في الوقت الذي تزايدت فيه أعداد المصابين بكورونا في الهند بسرعة خطيرة، ووصلت معدلات العدوى إلى حد إصابة 80 ألف شخص يوميا في هذه البلاد التي يبلغ تعداد سكانها 1.38 مليار نسمة.
وغيّرت الجائحة الكثير من معالم الأنشطة في صناعة الأفلام الهندية، والتي في الأوقات العادية تنتج أفلاما تفيض بخليط فني من الألوان المبهجة والأحداث المأساوية وقصص الحب والرقص ومناظر تحتوي على حشود من الجموع.
وأغلقت استديوهات إنتاج الأفلام أبوابها لعدة أشهر، قبل أن يسمح لها بتصوير الأفلام مرة أخرى، رغم أن هذه العملية تغيّرت بسبب إصدار السلطات مجموعة من القواعد المنظمة المطولة.
وهذه اللوائح التي تستهدف منع انتشار الفايروس، تحظر تصوير مناظر الزواج والعراك، وهي مناظر يعشقها المشاهدون، كما تم منع أي شخص يزيد عمره عن 65 عاما من التواجد بموقع التصوير، رغم أن المتفرجين الهنود يحبون مشاهدة قصة سينمائية تجمع بين أجيال مختلفة.
وصارت القاعدة الآن أنه إذا تطلبت قصة الفيلم ظهور أفراد عائلة ما، يكون من الأفضل أن يمثل هذه الأدوار أفراد من عائلة حقيقية، كلما كان ذلك ممكنا.
وتقضي اللوائح الجديدة أيضا بأن يوفر المنتجون أماكن لإقامة العاملين في تصوير الأفلام، وذلك داخل مواقع التصوير، أو بالقرب منها، حيث إن أبطال وبطلات السينما الهندية عادة ما يدخلون مواقع تصوير في الأحياء العشوائية والفقيرة ويختلطون بسكانها، وهي أماكن من المستحيل تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي بها.
ويقول المنتج ماجثيا، إن هذه القواعد بالإضافة إلى فكرة المظلات التي ابتكرها، تساعد على منع انتشار الفايروس في مواقع التصوير.
ولم تحدث حتى الآن سوى حالة عدوى واحدة، بعد أن زار حائك أسرته في منطقة عشوائية أثناء فترة التصوير، ومن المرجح أنه التقط الفايروس من المنطقة ومرّره إلى زميل له يشاركه غرفة النوم أثناء إنتاج الفيلم.
ولم تحدث أي حالات عدوى أخرى وفقا لما ذكره ماجثيا، والذي أضاف أنه يتم قياس درجة حرارة كل عامل من أسرة الفيلم يوميا.
ويوضح ماجثيا، أنه لم تعد هناك مناظر لتبادل القبلات أو العناق، مما يعني أن الأفلام الهندية التي تصور حاليا أصبحت تشبه أفلام الفترات السابقة التي كان يسود فيها التيار المحافظ، ويحاول ماجثيا في أفلامه أن يخلق حالة من التقارب والحميمية بين الممثلات والممثلين في أدوار الفيلم من خلال زوايا التصوير بالكاميرات، بينما يكونون هم في الواقع بعيدين عن بعضهم بعضا.
وبالنسبة للأزياء، يقول فنان المكياج في بوليوود، كلينت فيرنانديز، إنه يستخدم فرش تستعمل لمرة واحدة، ويطلب من الممثلات أن يضعوا مستحضرات تجميل الأهداب بأنفسهن لتجنب أن يلمس أحد وجوههن، على قدر الإمكان.
ويطبّق منتجو أفلام آخرون إجراءات احترازية إضافية، فالمنتج أتول كاسبكار يدرس إمكانية شراء شهادات تأمين خاصة ضد العدوى بالفايروس أثناء تصوير الأفلام، وذلك لتغطية أي تكاليف إضافية تنتج عن التأخير أثناء عملية الإنتاج في حالة إصابة أي من الممثلين بالعدوى.
ويعتزم كاسبكار إعادة إنتاج فيلم الحركة الألماني “اركضي يا لولا… اركضي” الذي حقق نجاحا في عام 1998، وكان يريد أن يبدأ تصوير الفيلم في الربيع الماضي، ثم جاءت فترة الإغلاق، وهو يحاول الآن أن يقلص من تكلفة الإنتاج على قدر الإمكان، ويقول إنه عثر حاليا على موقع رائع للتصوير يستطيع فيه أن يصور مناظر كثيرة، كما قام بتغيير وظيفة بطل الفيلم.
ورغم هذه الإجراءات الاحترازية، أصيب الكثير من العاملين في صناعة السينما الهندية بالفايروس، مثل الممثلة الشهيرة أشواريا راي، الحائزة على لقب ملكة جمال العالم سابقا، إلى جانب أفراد أسرتها وهم أيضا من نجوم بوليوود. كما أصيب أيضا نجم بوليوود أرجون كابور.
ومع ذلك نجد أن أكثر الناس تأثرا بالجائحة هم العاملون ذوي الأجور المنخفضة، والأفراد الذين يعملون وراء الكواليس أو في مواقع التصوير.
ويعمل المئات من الأشخاص عادة في أفلام بوليوود، ويأمل كثير منهم أن تعود هذه الصناعة إلى أيامها الطبيعية بأسرع ما يمكن، وهو ما يأمله أيضا المنتجان ماجثيا وكاسبكار.
وتأتي الخطوة الأولى في هذا الاتجاه عندما تكون دور العرض السينمائي قادرة على فتح أبوابها مرة أخرى، لتستقبل نصف العدد المعتاد للمشاهدين، وحتى ذلك الحين، يضطر المتفرجون إلى مشاهدة أفلامهم المحببة التي تنتجها بوليوود عبر منصات عرض الأفلام على شبكة الإنترنت.
