"السيك" لعبة نسائية صحراوية صامدة في ذاكرة الموريتانيات

نواكشوط - تعد لعبة السيك أشهر الألعاب الصحراوية التي تختص بها النساء وأحيانا يمارسها الرجال في أوقات الفراغ. وهي لعبة جماعية تكاد تشترك فيها المجتمعات الصحراوية في دول المغرب العربي وشمال أفريقيا مع اختلافات بسيطة في ما بينها من حيث مكوناتها وطريقة اللعب وقواعده.
أصالة لعبة السيك تستمد من الحياة البدوية التي مازالت شائعة في موريتانيا، فالمتأمل لشكل وعناصر اللعبة وأدواتها يلمح بوضوح التلاقي الواضح بين اللعبة والمحيط الجغرافي مما يضفي عليها شعبية وقيمة اجتماعية كبيرتين.
وتتشكل عناصر لعبة السيك من كومة رمال على هيئة ظهر دابة يمتد طولها حوالي 60 سنتمترا تسمى (لبرا) وتتطلب سيكات لممارستها وهي في الغالب ثمانية أعواد يتراوح طولها بين 30 و40 سنتمترا ذات وجه مقوس وملون وظهر أملس بلون واحد، ولعل اسم اللعبة مشتق منها نظرا إلى أهميتها كمكون رئيسي بالإضافة إلى عناصر أخرى تتكون من الحجارة أو العيدان أو قطع من القصب يتحرك بها كل فريق على ظهر (لبرا) في اتجاه الفريق الخصم في محاولة لإخراج عناصره من دائرة التنافس.
وينقسم لبرا إلى قسمين بمركز كل فريق قطعة عليها بشكل متواز مع الفريق الآخر شكلان متوازيان، يتوسطهما خطان من النقاط والحفر كمجال لتحرك قطع السيك… وتعتمد لعبة السيك على قواعد لا تسمح بالتحرك لأي فرد من لاعبي الفريقين على لبرا، إلا إذا تمكن من إنجاز رمية تسقط فيها السيكات على وجه واحد قد يكون الظهر أو الوجه، ليبتدئ التنقل بين الحفر على البرا، في اتجاه الفريق الخصم، وفقا لعدد النقاط التي تسجل تبعا للوضع الذي تتخذه السيكات أثناء اللعب.
شكل اللعبة وأدواتها تكشف التلاقي بين اللعبة والمحيط الجغرافي مما يضفي عليها شعبية وقيمة اجتماعية كبيرتين.
وتقبل الموريتانيات على هذه اللعبة على اختلاف أعمارهن، وتلقن الكبيرات في السن ذوات الخبرة في اللعب الصغيرات قواعد اللعبة، ويعلمنهن طرقا ذكية وحيلا للفوز، وهكذا يمررنها من جيل إلى آخر، لتظل وسيلتهن للتسلية وللتعارف والالتقاء وتجاذب أطراف الحديث، وهو ما يعزز علاقاتهن الإنسانية ويسمح لهن بالتخلص من الملل والضغوط اليومية في بيئة الصحراء، التي لا تتيح لهن ما يتوفر لغيرهن من النساء في المدن وفي المجتمعات المتطورة من وسائل حديثة للترفيه، سواء كانت فضاءات أو نواد خاصة بممارسة الرياضة والألعاب أو مقاه أو وسائل تقنية حديثة لممارسة الألعاب الرقمية المنتشرة في جميع أنحاء العالم في عصرنا الراهن.
ولكن الموريتانيات أثبتن أنهن يرفضن التخلي عن هذه اللعبة ليس فقط لغياب البدائل وقد نشأت أشكال جديدة ومعاصرة لها حيث أدخلت عليها تطورات جديدة تسمح بمواصلة ممارستها حتى خارج الفضاء الصحراوي فاستبدلت كومة الرمل بطاولة خشبية، وهذا عائد لكون العديد من الأسر الصحراوية استقرت في المدن مما دعاها إلى ابتكار طرق للحفاظ على تراثها الثقافي رغم تطور الحياة داخل الحواضر.
والسيك العصري لا يختلف عن نظيره التقليدي في ما يتعلق بقوانين اللعب، حيث ظل كما هو وظلت تلعب بفريقين كل منهما يضم أربع لاعبات فأكثر، لتحافظ اللعبة على أعظم فوائدها كلعبة شعبية وهي المشاركة في اللعب مع الآخر وتنمية مهارات التواصل والمهارات الذهنية، إلى جانب المحافظة على التراث الشعبي الصحراوي لموريتانيا، ولجل مناطق المغرب العربي، وهي من الألعاب التي مازالت تشهد إقبالا كبيرا في المناطق الصحراوية في المملكة المغربية وخاصة في شهر رمضان.