السيسي يعيد رسم علاقته بالشارع بعيدا عن الحكومة

الرئيس المصري يسترضي الناس بقرارات لاستعادة الأمل.
الأحد 2024/01/14
الحكومة في مرمى انتقادات السيسي

القاهرة - عكست تحركات من جانب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لامتصاص غضب الشارع أنه قرر منفردا إعادة رسم علاقته بالمواطنين بعيدا عن حكومة بدت منتهية الصلاحية جراء إخفاقها في بعض الملفات الحيوية، وما ترتب عليها من غلاء في أسعار الكثير من السلع وتأزم الوضع الاقتصادي.

وأعلن محمد معيط وزير المالية عن توجيهات رئاسية لتحسين أجور الموظفين والمعاشات ورفع الحد الأدنى للرواتب وزيادة مخصصات الحماية الاجتماعية الموجهة للبسطاء على وجه السرعة، مع تعظيم الإنفاق على الصحة والتعليم، ما يعني أن التنفيذ سيكون قبل بدء الولاية الرئاسية الثالثة للسيسي.

وكشفت معلومات روّج لها مقربون من السلطة، منهم البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، عن توجيه الرئيس السيسي بإطلاق يد الأجهزة الرقابية والأمنية لمحاربة الفساد والاحتكار والسيطرة على الأسعار وإعادة ضبط الإيقاع في الجهاز الإداري للدولة، والتدخل الفوري لمحاسبة المقصرين لاستعادة التوازن بين النظام والشارع.

ويبدو أن النظام المصري أدرك اتساع دائرة التململ الشعبي، ما دفعه لعدم التعويل على الحكومة الحالية التي يرأسها مصطفى مدبولي لاتخاذ قرارات إيجابية، فمهما أعلنت عن إجراءات تصحيحية فلن يصدقها الناس.

ويعمل السيسي على إعادة صناعة الأمل لدى المواطنين وإقناعهم أن شكواهم محل اهتمام، لكن الأوضاع ليست سيئة والدولة لديها إمكانيات تؤهلها لتحسين مستوى المعيشة، وهو تحرك يسعى من خلاله السيسي لخلق حالة من التفاؤل عند المصريين وغلق الباب أمام دعوات تحريضية تستغل الأزمة الاقتصادية.

سعيد صادق: النظام المصري وجد أن حكومة مدبولي ورّطته بقرارات خاطئة لذلك يسعى لترميم الفجوة الداخلية
سعيد صادق: النظام المصري وجد أن حكومة مدبولي ورّطته بقرارات خاطئة لذلك يسعى لترميم الفجوة الداخلية

وقال مصطفى بكري إن الرئيس السيسي وجّه بعدم الاستجابة لأيّ اشتراطات يضعها صندوق النقد الدولي تزيد الأعباء على المواطنين جراء الحصول على قروض جديدة، في توجه يستهدف تصحيح الخطاب الذي كانت تنتهجه الحكومة عندما تتحدث للشارع عن الاقتراض المفرط، ما تسبب في غضب داخلي واسع.

وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن التكليفات الرئاسية التي صدرت تعني قرب الإطاحة بالحكومة الحالية بعد تحقيق الأغراض الاقتصادية من وجودها، وما يفعله الرئيس هو تمهيد طريق لحكومة جديدة سوف تتخذ سلسلة من القرارات الإيجابية، على مستوى تحسين الأجور وتوسيع دائرة الحماية الاجتماعية والحد من القروض وضبط الأسعار.

ويبرهن التدقيق في هذه التحركات أن قيادة الدولة لم تعد تركز على تدشين مشروعات تنموية ضخمة، بقدر ما أصبح جلّ همّها التخفيف من الظروف المعيشية الضاغطة مع تنامي الشعور داخل بعض دوائر السلطة بأن هناك غضبا مكتوما يصعب تجاهله.

وتدرك دوائر سياسية أن طول صبر المصريين على ظروفهم المعيشية الصعبة يمكن أن ينفلت، ففي كل مرة يستقبلون الصدمات باحتجاج صامت، لكنهم وصلوا إلى مرحلة عدم القدرة على الاستمرار دون تدخل جاد وصارم من رأس الدولة لضبط البوصلة.

ويصعب فصل التوجهات الرئاسية عن التصعيد اللافت من جانب بعض أعضاء البرلمان ضد سياسات الحكومة، ووصل حد اتهامها بالفشل في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية، ما ظهر في حجم طلبات الإحاطة المقدمة لمحاسبة الوزراء، ووزير التموين وحده تنتظره محاكمة برلمانية الثلاثاء المقبل بعد تقديم 93 طلب إحاطة ضده.

وأصبح نواب البرلمان، وأغلبهم من المنتمين لأحزاب تمثل ظهيرا سياسيا للسلطة، يداومون على اتهام الحكومة بعدم القدرة على ضبط الأسواق والإخفاق في تبني سياسات إصلاحية تحصن السوق المصرية من تقلبات الأزمات الخارجية، وعدم اتخاذ مواقف حاسمة ضد المحتكرين والفاسدين، وهو ما يتسق مع توجهات الرئاسة بتهدئة الشارع.

ويرى مراقبون أن الخطاب السياسي الحاد ضد الحكومة، هو مقدمة لإقالتها وتحميلها وزر جميع الأزمات المتراكمة التي أثارت غضبا في الشارع، مع محاولة احتواء المواطنين عبر ترضيات اقتصادية واجتماعية، مقابل تحسين صورة النظام الذي بات يتم تصويره في شكل من ينقذ الشعب من خطايا الحكومة.

ويقول هؤلاء المراقبون إن نبرة الغضب واضحة في خطاب الرئيس السيسي لأجل اتخاذ خطوات إصلاحية عاجلة، وهي تحمل رسالة إلى الشارع أن النظام الحاكم لا يتستر على مسؤولين يصدرون قرارات خاطئة أو يتخذون إجراءات لا تراعي مصالح البسطاء، ومن الواجب البحث عن بدائل مرضية، والدولة تستطيع ولديها القدرة.

◙ الخطاب الحاد ضد الحكومة مقدمة لإقالتها وتحميلها وزر الأزمات التي أثارت غضبا في الشارع

وأكد سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة أن تدخل السيسي لتصويب مسار علاقة الدولة مع الشارع مرتبط بأن أيّ قرارات يمكن أن تتخذها الحكومة في الوقت الراهن ولو كانت مثالية لن يتقبلها الناس وستفقد قيمتها، لأنها فقدت صلاحيتها ولم يعد أمام النظام سوى التدخل المباشر في حل الأزمات.

وأضاف لـ"العرب" أن النظام المصري وجد أن حكومة مدبولي ورّطته بقرارات خاطئة، لذلك يسعى لترميم الفجوة الداخلية، في ظل تحديات خارجية تستدعي التدخل العاجل لمنع الاستقطاب، لأنه من الصعب الاشتباك في معارك إقليمية والشارع المصري يغلي من الأزمة الاقتصادية، مع استمرار حكومة تمادت في استفزاز الناس.

وأشار صادق إلى أن الشارع وصل إلى حالة متقدمة من الإحباط نتيجة استسهال الحكومة فرض أعباء عليه في توقيتات سياسية خاطئة، في صورة ضرائب ورفع أسعار الخدمات والانسحاب التدريجي من الدعم والاعتماد على ترميم الاقتصاد بقروض خارجية أثقلت الأعباء على الناس، وهنا من الواجب السياسي على النظام أن يتدخل.

وتمهد تدخلات الرئيس السيسي الحاسمة إلى ضبط إيقاع الأمور مرة أخرى لاسيما في مسألة الأسعار ومواجهة الفساد بعد إطلاق يد الأجهزة الرقابية في المحاسبة، وهي تملك أدوات تمكّنها من ردع المخالفين، وتحظى بسمعة طيبة في الشارع ولا تهاب الفاسدين، ونجحت مؤخرا في ضبط شبكات فساد مرتبطة بسلع إستراتيجية.

من المستبعد أن تُقدم الحكومة الحالية على اتخاذ قرارات تزيد الأعباء على الناس بعد التوجيهات الرئاسية الأخيرة، طالما أن دوائر قريبة من النظام أصبحت على قناعة بأن السلطة وحدها سوف ترتد إليها التبعات السياسية، ومهما تحملت موازنة الدولة من ضغوط فإن الاستقرار الأمني أهم من تداعيات إنقاذ الاقتصاد من جيوب الناس.

 

اقرأ أيضا: 

     مخاطر الصبر الإستراتيجي المصري في البحر الأحمر

4