السياحة التونسية أمام رهان تجاوز مخلفات كورونا والحرب الأوكرانية

تعمل الحكومة التونسية على إنعاش القطاع السياحي في مسعى للخروج من الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها البلاد لكن ذلك لا يمر إلا عبر تجاوز مخلفات كوفيد - 19 وتأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية التي تثير مخاوف من أن تصيب شظاياها السياحة التونسية في مقتل خاصة بالنظر إلى النسبة الهامة التي يمثلها السياح الروس لتونس.
تونس - تراهن تونس على انتعاشة قطاعها السياحي للمساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي المأزوم لكن ذلك يبقى رهين تخطي تداعيات وباء كوفيد - 19 والهجوم الروسي على أوكرانيا وأثاره المحتملة.
وقال وزير السياحة التونسي المعز بلحسين السبت إن هناك آمالا ببداية تعافي السياحة مع تسجيل إقبال على الوجهة التونسية من قبل وكالات الأسفار الدولية، لاسيما من قبل اتحادي وكالات الأسفار في ألمانيا وإسبانيا اللذين سيعقدان مؤتمريهما في تونس هذا العام.
وأوضح بلحسين أن “القطاع مرّ بموسمين كارثيين وقد سجلنا أرقاما تاريخية لم تعرفها تونس من قبل، الجائحة أثرت أيضا على سلوك السائح وشبكة المبيعات وحركة النقل الجوي وعدة قطاعات” لافتا إلى أنهم يعملون على “خطة لاستعادة الانتعاش للقطاع والهدف أن نحقق هذا العام ما بين 50 و60 في المئة ما حققناه في عام 2019”.
ويقول مسؤولون تونسيون إن هناك جهودا حثيثة لإنجاح الموسم السياحي خاصة في ظل الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد منذ الخامس والعشرين من يوليو.

خالد الفخفاخ: مخاوف من تأثير الحرب الروسية - الأوكرانية على السياحة التونسية
وقال كريم الجتلاوي مدير العلاقات العامة والاتصال بالديوان الوطني التونسي للسياحة في تصريح خاص بـ”العرب”، “هناك استعدادات حثيثة لإنجاح الموسم السياحي، ونشتغل منذ فترة على تكوين العمّال في المجال، فضلا عن الحملات التوعوية، ولدينا حملة وطنية موجّهة للسياحة الداخلية، وأخرى للبلدان الأوروبية”.
وتوقّع الجتلاوي تسجيل زيادة في عدد السياح بين 10 و15 في المئة مقارنة بالموسم الماضي”، لافتا، “في ظل الحرب الروسية- الأوكرانية، يمكن أن تفتح آفاق جديدة لتوافد الأوروبيين”.
وأشار إلى “وجود تسهيلات للسياح بالتعاون مع وكالات الأسفار والنزل للترويج للمنتوج السياحي التونسي، على غرار تقديم جملة من التحفيزات، فضلا عن توافد الأطفال مجانا على النزل، ونظمنا حملة متوجهة أساسا للمناطق الجبلية والصحراوية أكثر من المدن الساحلية، ما يمثل فرصة لزيارة المناطق الداخلية”، مؤكّدا أن “السائح التونسي أصبح يبحث عن السياحة الاستشفائية والجبلية، وأصبحنا نروّج لمنتوج سياحي ثقافي”.
واستطرد الجتلاوي “مكّنا العاملين في القطاع من تحفيزات مالية لمواصلة التكوين السياحي والمراهنة على عامل الكفاءة في تقديم الخدمات”.
وتمثل السياحة 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام لتونس، وتصطدم مساعي إنعاشها بالحرب التي تدور في أوكرانيا، وسط مخاوف من أن تمتد تداعياتها إلى قطاعات أخرى على غرار الأمن الغذائي للتونسيين.
وتواجه السياحة التونسية شبح انتكاسة بسبب التداعيات المحتملة للحرب الروسية على أوكرانيا، حيث تصاعدت تحذيرات المتدخلين في هذا القطاع الحيوي في البلاد من خسارة السوق الروسية بسبب الحرب.
ويمثّل الروس جزءا هاما من السوق السياحية التونسية، ويبلغ عددهم أكثر من 600 ألف سائح من مجموع الذين يصلون إلى تونس، وفق أرقام رسمية.
واحتلت السوق السياحية الروسية مكانة هامة في تونس، بعد أن بلغ عدد السياح القادمين من روسيا في 2019 أكثر من 700 ألف سائح، ما جعل هذه السوق تحتل المرتبة الثانية بعد السوق الفرنسية.
وبحسب تقارير محلية، كان من المرتقب أن تستقبل تونس هذا العام حوالي 600 ألف سائح روسي و30 ألف سائح أوكراني، قبل أن تبدأ الحرب في أوكرانيا بعد الهجوم الروسي الذي لم تنجح العقوبات الغربية في وقفه.
وأفاد وسام السويفي مدير عام نزل “لايكو تونس”، أن “القطاع السياحي بدأ يسترجع نشاطه تدريجيا منذ بداية شهر مارس الجاري، وخصوصا بعد تراجع موجات جائحة كورونا ورفع القيود أمام السفر”.
وأضاف لـ”العرب”، “هناك تحسّن كبير خصوصا لسياحة المؤتمرات، أما بالنسبة إلى النزل السياحية لم تعرف أزمتها انفراجة بعد، نظرا إلى وجود قيود تنقل وسفر لبعض البلدان وأزمة الحرب الروسية على أوكرانيا التي سترمي بظلالها على تنقل السياح خوفا من توسّع دائرة الحرب”.
ويبدو أن وزارة السياحة وجدت حلولا وقتية لدفع نسق القطاع بالبلاد، عبر تدعيم وتطوير السياحة الداخلية التي عرفت أرقاما قياسية خلال الموسم الماضي، حيث أصبح سياح الداخل أهم أسس هذا القطاع الحيوي بعد تقلص عدد السياح الأجانب الذين يرتبط قدومهم بالعديد من الظروف الداخلية التي تهم البلاد أو أخرى عالمية على غرار الجائحة الصحية والتوترات السياسية والحروب.
وقال السويفي “وزارة السياحة تحرّكت ونظّمت ندوة حول السياحة الداخلية، في المقابل هناك تحسّن طفيف بخصوص السوق الفرنسية والألمانية وبدرجة أقل الإيطالية”.
وأشار إلى أن “الوضعية المالية لأغلبية النزل متدهورة بسبب تراكم الالتزامات البنكية واقتصار الموسم السياحي على فصل الصيف، ومن الضروري حلّ المشاكل المالية للنزل للاستثمار في اليد العاملة والخدمات، فضلا عن مشاكل التكوين في الخدمات السياحية”.
وتابع “السياحة الصحراوية والجبلية بالأساس تحدثنا عنها منذ سنوات وترتبط بالعديد من المشاكل ومن أبرزها صعوبات تنقل السياح وقلّة عدد المؤسسات الفندقية في تلك المناطق، علاوة على كون السائح يحبّذ زيارة المناطق الساحلية”، لافتا إلى أن “ميزانية الدولة المخصصة للسياحة لا تكفي لتمويل مختلف خدمات القطاع”.
وتأتي هذه التحذيرات في وقت تواجه فيه تونس واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، وسط استعدادات لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض جديد، فيما يستمر المسار السياسي الانتقالي الذي يقوده الرئيس قيس سعيّد.
وأعلن الاتحاد الروسي للسياحة مؤخرا أن السلطات التركية والمصرية والتونسية أكدت أنها في انتظار السياح الروس هذا العام.
وتحركت الحكومة لتفادي الانتكاسة المحتملة، حيث تحدث قبل أيام وزير السياحة محمد معز بلحسن مع رئيسة وكالة السياحة الروسية زارينا دوغوزوفا، إذ شدد على أن بلاده لا تخطط لفرض أيّ قيود على روسيا، وأبدى اهتمامها بزيادة التدفق السياحي الروسي، بحسب ما نشرت وكالة سبوتنيك الروسية.
وأكد عضو المكتب التنفيذي بالجامعة التونسية للنزل خالد الفخفاخ، أنه “توجد مخاوف من أن تؤثر الحرب الروسية على أوكرانيا على توافد السياح على تونس، علاوة على إعادة فتح الحدود مع الجزائر ما من شأنه أن ينعش القطاع”.
وقال لـ”العرب”، “هناك سوق داخلية للسياح وأيضا خارجية على غرار السياح الألمان والفرنسيين والبلجيكيين والإيطاليين، وهناك الليبيون والجزائريون الذين يركّزون على السياحة الاستشفائية، وعلينا أن نكثّف مجهوداتنا لاستقطاب سياح أفريقيا جنوب الصحراء”.
وأردف الفخفاخ “لا نسعى لأن نسجّل رقما قياسيا في توافد عدد السياح هذا الموسم، بقدر السعي لأن تكون سنة الانطلاقة الجديدة للسياحة التونسية”، قائلا “المدن السياحية والنزل جاهزة لذلك، ووفرت مختلف الظروف اللوجيستية لاستقبال السياح”.
من جهته، قال مدير الديوان التونسي للسياحة بالجزائر فؤاد الواد إن انحسار وباء كورونا سيسمح باستقبال الجزائريين في تونس في أفضل الظروف، ومن المرتقب أن تتجاوز الأرقام موسم الصيف القادم ما تم تحقيقه خلال 2019.
وأضاف الواد في تصريح لوسائل إعلام محلية، على هامش صالون السياحة المنظم بوهران في الغرب الجزائري، أنه يتوقع أن تتجاوز الأرقام 3 ملايين سائح جزائري خلال الصائفة القادمة، بعدما بلغ 2 مليون و930 ألف جزائري قضوا عطلتهم بتونس في 2019، مقابل 1 مليون و700 ألف تونسي دخلوا الجزائر في نفس الفترة.
وتم إحصاء 400 ألف جزائري من شهر يناير حتى 20 مارس 2020 توجهوا إلى تونس، قبل أن تغلق الحدود وتمنع الحركة، فرضا للإجراءات الصحية التي صاحبت انتشار جائحة كورونا.
وأوضح أن “الحدود البرية لا زالت مغلقة أمام الحركة العامة، وهي مسموحة لتنقل المقيمين بين البلدين فقط، بينما لا زالت التنقلات الجوية بين الجزائر/تونس وقسنطينة/تونس قائمة بـ14 رحلة أسبوعية، منها 7 رحلات تنطلق من الجزائر نحو تونس و5 رحلات في الجهة المعاكسة، ويبقى الأمل في رفع عددها باقتراب موسم الاصطياف، لاسيما وأن السوق السياحية التونسية واعدة، بتعدد خدماتها ومنتوجاتها السياحية التي نوعت لزبائنها ووفرت لهم جل ما يرغبون به”.
وشارك 12 متعاملا سياحيا تونسيا في الصالون الدولي للسياحة والأسفار بوهران، وقد أبدوا ارتياحهم بالتجاوب والتفاعل الذي أبداه المتعاملون الجزائريون، في خطوة ستترجمها الأيام القادمة وتوفر ظروف التنقل بين البلدين.
وشهدت السياحة التونسية بداية تعاف في السنوات الأخيرة، بلغت ذروتها سنة 2019 عندما وصل إلى البلاد تسعة ملايين سائح أوروبي، وتراهن الأطراف المتدخلة في القطاع على المزيد من انتعاشه، خاصة بعد فترة ركود ارتبطت بتفشي وباء كورونا.