السوريون يواجهون محنة تضخم أسعار الوقود

الحكومة تضطر إلى زيادة سعر البنزين المدعوم بنحو 130 في المئة لمواكبة الزيادات العالمية.
الاثنين 2022/08/08
لا خيار أمامكم إلا التقشف في الاستهلاك!

وصل قطار الحكومة السورية إلى محطة فاصلة في مواجهة الزيادات المتواترة في فاتورة الطاقة بإقرار زيادة جديدة في أسعار البنزين، والتي من المرجح أن تراكم أعباء المواطنين المختنقين بسبب الظروف الراهنة نتيجة تداخل عوامل داخلية وخارجية زادت من أوجاع الاقتصاد المنهار أصلا.

دمشق - اضطرت السلطات السورية مرة أخرى إلى رفع أسعار البنزين بالتزامن مع التدحرج المتواصل لسعر صرف العملة المحلية والوضع العالمي المعقد الذي زاد من منسوب الضغوط المالية على دمشق.

ورفعت وزارة التجارة الداخلية سعر البنزين المدعوم بنحو 130 في المئة في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمات معيشية متتالية تتمثل في ارتفاع الأسعار ونقص المحروقات وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة.

وتهدف السلطات من هذا الإجراء إلى تقليص الفجوة في عجز الموازنة المخصصة لبند المحروقات، والذي زاد من حدته ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية بسبب الحرب في شرق أوروبا.

وتأتي الخطوة بعدما قامت الحكومة مؤخرا بزيادة ساعات التقنين بسبب النقص الحاصل في توريدات الغاز الذي يغذي محطات توليد الكهرباء.

91.5

مليار دولار خسائر قطاع النفط والغاز بالبلاد منذ بدء الأزمة بسبب المعارك وتراجع الإنتاج

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية بيانا للوزارة في وقت متأخر من مساء السبت الماضي، ينص على رفع سعر البنزين أوكتان 90 المدعوم عبر البطاقة الإلكترونية من 1100 ليرة (0.44 دولار) مقابل اللتر الواحد إلى 2500 ليرة (دولار واحد وفق سعر الصرف الرسمي).

وهذه هي المرة الثالثة التي ترفع فيها دمشق أسعار المحروقات خلال هذه السنة، وآخر زيادة حصلت في سعر لتر البنزين المدعوم في شهر مايو الماضي من 750 ليرة (0.3 دولار) إلى 1100 ليرة.

ولامس سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء خلال الفترة الأخيرة عتبة 4250 ليرة، بينما سعر الصرف الرسمي المعتمد من البنك المركزي يعادل 2814 ليرة.

وأوضحت وزارة التجارة في بيانها أن هذا القرار يأتي “بهدف التقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط وضمانا لعدم انقطاع المادة أو قلة توافرها”.

ورفعت الوزارة سعر البنزين غير المدعوم من 3500 ليرة (1.4 دولار) إلى أربعة آلاف ليرة (1.6 دولار) مقابل اللتر الواحد، وسعر البنزين عالي الأوكتان من أربعة آلاف ليرة إلى 4500 ليرة (1.8 دولار).

ولم تعلن دمشق منذ فترة عن نسبة التضخم الذي تتوقع أوساط اقتصادية تراقب عن كثب الوضع في سوريا أنه تجاوز حاجز 900 في المئة بعدما كان مع بداية تفشي وباء كورونا في حدود 163 في المئة تقريبا.

ويقول خبراء إن إثقال الحكومة كاهل المواطنين بأعباء إضافية يدل على مدى فشلها في معالجة هذه المشكلة، على الرغم من استنجاد النظام السوري بحلفائه وخاصة إيران من أجل توريد كميات من الوقود لتغطية النقص الحاصل في السوق المحلية.

Thumbnail

وتشهد سوريا، التي تعيش نزاعا منذ 11 عاما، أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وندرة في الوقود وانقطاعا طويلا في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا دون وجود بدائل حقيقية.

ويرافق ارتفاع أسعار المحروقات ارتفاع في أسعار المنتجات الغذائية والمواد الأولية التي تعتمد على المشتقات النفطية لتشغيل المولدات ونقل البضائع.

ويقول رائد السعدي (48 عاما)، أمين مستودع في شركة خاصة، لوكالة الصحافة الفرنسية إن “هذا القرار سيؤثر على الجميع”.

وأضاف أن “الراتب يكفينا لكي نذهب إلى العمل، لكن دون الرجوع منه.. الحياة باتت صعبة للغاية ولا أعلم إلى أين سيصل بنا الحال”.

ويعيش أغلب السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما تضاعفت أسعار السلع في مختلف أنحاء البلاد خلال الأشهر الأخيرة بعد تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وزارة التجارة الداخلية: القرار سيقلل خسائر موازنة النفط ويضمن توفر الوقود

ومن المتوقع أن تتجه الحكومة إلى زيادة رواتب الموظفين لمواجهة تبعات هذه الزيادة لكنها من المؤكد أنها ستؤثر على شريحة واسعة من الناس وأيضا معظم القطاعات التي تجد نفسها في ورطة بسبب المأزق المالي للدولة المنهارة اقتصاديا.

وكانت آخر زيادة للرواتب قد صدرت في سبتمبر 2021، وشملت تعويضات الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بنسب بلغت نحو 30 في المئة.

وفي أغسطس 2021 زادت الحكومة الرواتب بنسبة 50 في المئة، إذ تم رفع الحد الأدنى العام والحد الأدنى لرواتب المهن لعمال القطاع الخاص ليصبح 71.5 ألف ليرة (28.4 دولارا وفق سعر الصرف الرسمي) مقارنة مع 18.7 دولارا في السابق.

ومنذ بدء النزاع في عام 2011 مُني قطاع النفط والغاز في سوريا بخسائر كبرى تقدّر بنحو 91.5 مليار دولار جراء المعارك وتراجع الإنتاج، مع فقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى فضلا عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية.

وفقد نظام الرئيس بشار الأسد معظم حقوله شرقي نهر الفرات في دير الزور، حيث باتت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وتلقى دعما مباشرا من الولايات المتحدة.

ورغم تراجع وتيرة المعارك في البلاد، حيث أودى النزاع بحياة نحو نصف مليون شخص وهجّر الملايين ودمّر البنى التحتية، إلا أنها لا تزال تعاني من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة وعزلة من معظم الدول العربية والغربية، مع استمرار الاستعصاء السياسي دون وجود أفق لحل يؤدّي إلى انفراج اقتصادي.

وتعاني مناطق سيطرة الحكومة في دمشق منذ أشهر طويلة نقصا حادا في مختلف أنواع المحروقات نتيجة عقوبات “قيصر” الأميركية المشددة التي تعطل الواردات، وتحتدّ المشكلة في فصل الشتاء حيث يزيد الطلب من أجل التدفئة.

ورغم إرسال حليفته إيران العديد من الشحنات لم تفِ بالغرض ولم تُمكن السلطات السورية من تخفيف الضغط على الأسعار.

وخلال الصراع اعتمدت سوريا على إيران للحصول على نحو 70 ألف برميل يوميا في المتوسط، أي نحو نصف احتياجاتها، غير أن الإمدادات انخفضت في العامين الماضيين مع تشديد العقوبات وسعي طهران إلى الصادرات النقدية بحسب خبراء في القطاع.

وتشتري دمشق عبر وسطاء مادة النفط من الأكراد لسد العجز الحاصل لديها، بيد أن الولايات المتحدة وجهت تحذيرات للأكراد بوقف تزويد النظام وإلا فإنهم سيجدون أنفسهم معرضين لسيف عقوبات “قيصر”.

وأنتجت سوريا في المتوسط خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة قرابة 80 ألف برميل نفط يوميا من إجمالي 89 ألف برميل استخرجت من مناطق خارجة عن سيطرة دمشق، مقابل إنتاج يومي بلغ 400 ألف برميل قبل نشوب النزاع.

11