السوريات يصنعن حلويات عيد الأضحى في البيت في طقوس احتفالية

تكتسب حلويات العيد المنزلية في سوريا نكهة خاصة، إذ تحمل معها عراقة الماضي وتقاليد الجدات وذكريات تجمع بين البساطة والبهجة، ولاسيما أنها اليوم تأتي وسط زيادة في أسعار الحلويات الجاهزة بالأسواق ما دعا العديد من الأسر إلى ادخار المال لتحضيرها قبل العيد بأيام وسط طقوس احتفالية تكاد تندثر.
دمشق - وسط طقس احتفالي جميل، اجتمعت عدةّ سيدات في منزل أم عدي (44 عاما) لمساعدتها على صنع حلويات عيد الأضحى، وهن ينشدن ويردّدن الأغاني التراثية والأهازيج الشعبية.
وأشارت أم عدي التي تسكن في مدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي، إلى أن غلاء أسعار الحلويات بالمتاجر دفع غالبية السوريين إلى صنع تلك الحلويات في المنزل، بغية إحياء طقوس العيد التي بدأت تغيب رويدا رويدا عن البيوت بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون حاليا جراء العقوبات الأميركية الجائرة، وتوفير النقود.
وقالت أم عدي، وهي تجلس أمام الفرن وتقوم بطهي أقراص المعمول المحشوة بالتمر والجوز والمعجونة بالسمن والمصفوفة بشكل أنيق، لوكالة أنباء “شينخوا”، “قبل اندلاع الحرب في سوريا كنا نشتري حلويات العيد من سوق الميدان الشهير بدمشق بأشكال وأصناف مختلفة، وبعد الحرب بسنوات أيضا كنا قادرين على شراء الحلويات الجاهزة”، مضيفة “لكن اليوم من الصعب جدا علينا كأسر محدودة الدخل أن نشتريها”.
ووصل سعر كيلو البقلاوة في دمشق إلى 280 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 34 دولارا أميركيا حسب السعر الرسمي، فيما ينخفض في سوق الميدان الشهير شرق دمشق إلى 200 ألف ليرة، ويتراوح بين 170 و180 ألف ليرة في أسواق ريف دمشق، حسب وسائل الإعلام المحلية.
كما وصل سعر كيلو المعمول المحشي بالجوز إلى 140 ألف ليرة، أما الهريسة فيتراوح سعرها بين 75 و80 ألف ليرة، أما البرازق والغريبة، وهي حلوى شعبية معروفة لدى السوريين، فسجلت أسعارها 65 ألف ليرة للكيلو الواحد.
وتشهد أسعار الحلويات في الأسواق السورية زيادة كبيرة في ظل انخفاض القدرة الشرائية، خاصة لدى أصحاب الدخل المحدود، بالإضافة إلى تراجع نسبة الشراء للعائلات المقتدرة التي باتت تتجه من الشراء بالكيلو إلى الغرام. ومنذ سنوات يشتكي أصحاب محال الحلويات من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وخاصة زيت القلي والسمن الحيواني، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج وباتت الأسعار تفوق القدرة الشرائية للمواطنين، لذلك استغنت نسبة كبيرة منهم عن شراء الحلويات لصالح المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية.
وبدورها عبرت سناء الحيدر (49 عاما)عن دهشتها إزاء الأسعار التي شاهدتها أثناء تجوالها في السوق قبل يومين.
وقالت الحيدر وهي تمسك بقالب صغير مصنوع من الخشب، وتضع بداخله كرة صغيرة من العجين المحشوة بالتمر “قررنا نحن النسوة الموجودات هنا أن نساعد بعضنا البعض في صنع حلوى العيد كوننا لم نقم بذلك منذ سنوات، في ظل طقس احتفالي جميل”، مؤكدة أن طعم المعمول المصنوع في المنزل له نكهة خاصة.
ولصوت طرق قوالب المعمول المصنوعة من الخشب وقع خاص، ويشكل مع غناء النسوة تناغما كبيرا، وفي بعض الأحيان يعلو صوت القالب الخشبي على صوت الغناء، ويتخلل ذلك صوت ضحكات النسوة وهن يعملن بكل جد ونشاط، ناهيك عن رائحة الحلوى التي تفوح لبضعة أمتار كدلالة على قدوم العيد.
وفي سوق الميدان الشهير بدمشق، يُصفّف التجار الحلوى بأشكال وأحجام مختلفة، لكن حركة الشراء كانت بسيطة وتقتصر على شريحة محددة من السوريين. والسبب في ذلك هو الأرقام الفلكية لأسعار الحلويات التي يعتبرها السوريون غير منطقية بالنسبة إليهم في هذه الأيام الصعبة.
ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مدير جمعية الحلويات بسام قلعجي قوله “لا يوجد إقبال كبير من الأهالي على شراء الحلويات”.
وقال أبوعبدو (55 عاما) صاحب متجر في سوق الميدان “هذا العيد هناك إحجام كبير من قبل الأهالي عن شراء الحلويات الدمشقية المعروفة في عيد الأضحى، والغلاء هو السبب”، وعزا السبب إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وغلاء أسعار المواد الأولية، وخاصة الفستق والجوز.
وعبر عن حزنه لعدم قدرة السوريين على شراء الحلويات هذه الأيام، مؤكدا أن الظروف المعيشية الصعبة دفعت الناس إلى البحث عن بدائل أخرى، وتصنيع الحلويات في المنزل كونها أقل كلفة، إذ تستطيع ربة المنزل أن تصنع كميات كافية لعائلتها بسعر أقل من السوق.
وفي أسواق أخرى وخاصة الشعبية والأقل سعرا كانت الحركة أكثر، والمحلات تعج بالمارة، وغالبية المتسوقين يشترون الطحين والسميد والخميرة وبعض المواد الأولية الداخلة في صنع المعمول وغيرها من الحلويات الخاصة بالعيد، ليتم وضعها في يوم العيد على الطاولة.
وأشادت أم هديل (38 عاما) بالحلويات التي يتم صنعها بالمنزل، وقالت “قبل يومين صنعت كعك العيد، وهو المرشم، الذي يقدم كضيافة في العيد، إضافة إلى صنع البيتيفور والمعمول”، مؤكدة أن هذه الخطوة كانت صحيحة لأنها وفرت كمية كبيرة من النقود بهذا العمل.
وفي هذه الأيام تعمل السيدات على صناعة حلويات العيد كخطوة فرضتها ظروف الحياة عليهن، لتعود الحلوى المنزلية إلى الواجهة من جديد، لكن منهن من اعتادت منذ زمان على إعداد الحلويات في البيت.
واعتادت أم ميلاد هي وابنتاها على صنع بعض أنواع الحلويات في المنزل لكونها تحمل البركة والنكهة الخاصة، حيث تتفنن بعمل مختلف أنواع الحلويات في طقوس ورثتها عن أمها وجدتها وسط أجواء من البهجة والسرور، لافتة إلى أن العديد من الأسر باتت تصنع حلويات العيد في منازلها بسبب عدم قدرتها على شراء الحلويات الجاهزة.
وتؤكد أم ميلاد أنها تقوم بتصنيع أقراص العيد والغريبة والمعمول في المنزل لتقديمها للضيوف في العيد حيث تعتمد في صناعتها على الطحين والسمنة والحليب والسكر.
وتستعيد أم أيمن ذكريات طفولتها مصممة على المحافظة على العادات والتقاليد التي نشأت وترعرعت عليها بما تحمله من أجواء البساطة والفرح وخاصة في هذه الظروف الصعبة، حيث بات شراء الحلويات الجاهزة من الأسواق يتطلب مبالغ كبيرة فحرصت هذا العام على إعداد المعمول بأنواعه بالتمر والفستق والجوز والبيتيفور والأقراص بشكل يوفر لها النظافة في التصنيع وجودة المواد المستخدمة والوفرة في الكميات.
