السود الأميركيون أول ضحايا الأفيون الاصطناعي

مسحوق الفنتانيل غزا الولايات المتحدة لتكلفة تصنيعه المنخفضة التي لا تتطلب زراعة بل مجرد مختبر بسيط.
السبت 2022/06/11
الفنتانيل يقتل الكثير

واشنطن – يرتدي لوراندو دانكان قميصا طويل الأكمام بهدف إخفاء الندوب الموجودة على ذراعيه وهي ناجمة عن المخدرات التي يحقنها في عروقه منذ عقود، على غرار سود أميركيين كثيرين يشكلون الضحية الأولى لتعاطي الفنتانيل في واشنطن.

فقد تناول هذا الأميركي الأسود البالغ 65 عاما المولود في واشنطن الهيرويين في معظم سنوات حياته. لكن وصول الفنتانيل، وهو مادة أفيونية اصطناعية شديدة الفعالية ومسببة للإدمان، غيّر كل شيء.

ويقول تحت صورة لنائبة الرئيس الأميركي السوداء كامالا هاريس علّقها في شقته في أناكوستيا، أحد أفقر أحياء العاصمة الأميركية، إن “الفنتانيل قتل الكثير من أصدقائي”، ففي “كل أسبوعين تقريبا أسمع عن شخص أعرفه تناول جرعة زائدة من الفنتانيل”.

بعض الجمعيات في هذا المجال تحاول بطريقة ما التصدي لتبعات الفنتانيل الفتاكة

واليوم يخشى هذا الرجل النحيف ذو الشعر المبيضّ أن يكون التالي على اللائحة. ويقول “يجب أن أتوقف، لأنني في النهاية سأنتهي بقتل نفسي. وأنا أعلم ذلك”.

ومنذ عام 2014 غزا هذا الدواء المباع في شكل مسحوق السوق تدريجياً، نظراً إلى تكلفة تصنيعه المنخفضة والتي لا تتطلب مواقع للزراعة بل مجرد مختبر بسيط.

وفي عام 2021 شهدت المدينة 426 جرعة زائدة مميتة من الأفيونيات، أي خمسة أضعاف ما كانت عليه في عام 2014، وأكثر بكثير من الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية. في ذلك العام كانت 95 في المئة من تلك الوفيات مرتبطة بالفنتانيل، و85 في المئة سُجلت لدى السود. وعلى غرار لوراندو، كانت أعمار غالبية الضحايا تتراوح بين 50 و69 عاما.

ويقول لوراندو وهو سجين سابق يعيش الآن على إعانات الإعاقة “ذات يوم اشتريت مخدرات من رجل أعرفه، ولم أكن أعلم أنه كان فنتانيل، وفقدت الوعي”. ويضيف “عندما سقطت كان الوقت نهاراً، وعندما استيقظت كان الليل قد حلّ. أيقظني الله في ذلك الوقت”.

وبعد سقوطه على أحد الفخذين، يستعين الرجل حاليا بعصا للمشي.

وليس أمامه خيار سوى تناول الفنتانيل المباع أحيانا حتى ثلاث مرات في اليوم ليشعر بأنه “طبيعي” ويتجنب الإحساس بالضيق الذي يجعله مريضاً حتى التقيؤ.

Thumbnail

ويوضح لوراندو “يستخدم الجميع الفنتانيل لقطع المخدر وجعله فعالاً”، لكن المشكلة تكمن في “أنك لن تعرف أبدا ما الذي ستحصل عليه. الأمر أشبه بلعبة الروليت الروسية”.

وفي واشنطن، الملقبة منذ فترة طويلة بـ”المدينة الشوكولاتة” بسبب كثرة الأميركيين من أصل أفريقي فيها، كان السود يموتون من جرعات زائدة بنسبة توازي ضعف وفيات البيض في عام 2010، بحسب دراسة. وفي عام 2019 كان العدد أكبر بعشر مرات. وفي كلتا الفترتين كان هذا التفاوت أعلى مما هو عليه في جميع ولايات البلاد.

وتحاول بعض الجمعيات في هذا المجال بطريقة ما التصدي لتبعات الفنتانيل الفتاكة. ويعمل تيرون بينكني (33 عامًا) منذ عشر سنوات في إحدى هذه الجمعيات تسمى “خدمة الاستشارات العائلية والطبية”.

وهو يجوب المدينة، خصوصا الأحياء “الساخنة” مستقلاً مركبة تخييم. وعلى الأرض ثمة صندوق يحتوي على محاقن قذرة يتم جمعها من الزوار لتزويدهم بأخرى نظيفة. وعلى المقاعد علب “ناركان”، وهو الاسم التجاري للنالوكسون، الترياق القادر على منع تأثير المواد الأفيونية، وبالتالي الحماية من الجرعات الزائدة.

في عام 2021 شهدت المدينة 426 جرعة زائدة مميتة من الأفيونيات، أي خمسة أضعاف ما كانت عليه في عام 2014

ومع جهاز كمبيوتر لوحي في اليد، يطرح تيرون بينكني أسئلة على بضع عشرات من الأشخاص يأتون إلى المكان كل يوم، على سبيل المثال، للتحقق ما إذا كانوا قد خضعوا لاختبار الإيدز.

ويقول الرجل قوي البنية إن عمليات التوزيع هذه “لا تمنعهم من القيام بما يقومون به، لكنها على الأقل تمكّنهم من القيام بذلك بأمان”.

وساعدت الجمعية أكثر من 2500 شخص في عام 2021 ووزعت أكثر من 200 ألف حقنة، بحسب المنسق الإقليمي مارك روبنسون.

وقال روبنسون لوكالة فرانس برس “هذه حالة طارئة”، وثمة “وباء أفيونيات” يُضاف إلى حالة الطوارئ الطبية التي كانت موجودة أصلا لدى الأشخاص من ذوي البشرة الملونة وإلى جائحة كوفيد -19، ما أدى إلى مزيد من العزلة للفئات السكانية الأكثر ضعفا.

Thumbnail

ويرى كثيرون أن الخطوات اللازمة للوصول إلى العلاج (مثل الميثادون أو البوبرينورفين، وهي مواد أفيونية تعمل كبدائل) عملية معقدة للغاية. وغالبا ما يكون الحصول على المخدرات أسهل من نيل المساعدة.

وقالت باربرا بازرون المسؤولة عن هذه الأزمة في مقر بلدية واشنطن لوكالة فرانس برس “لقد عملنا بالفعل على مسائل الوصول”، لافتة إلى أنه لم تعد هناك حاجة للذهاب إلى مركز توزيع هذه الوصفات.

ويمكن للكيانات السبعين المعتمدة قبول المرضى الجدد مباشرة. وثمة أكثر من 5000 شخص مسجلين حاليا في برامج الرعاية هذه.

وركز المجلس البلدي أيضا على التوزيع المجاني للنالوكسون (56 ألف عدّة عام 2021) والاختبارات لاكتشاف ما إذا كان العقار الذي تم شراؤه يحتوي على الفنتانيل.

لكن ماذا عن غرف الحقن، كتلك التي تم إنشاؤها أخيراً في نيويورك، لاستهلاك المخدرات في مكان آمن؟ بحسب باربرا بازرون هذا الموضوع قيد المتابعة و”لا شيء مستبعد”.

18