السودانيات يرفضن "رشوة" البشير بتعديل قانون النظام العام

الخرطوم - من جديد تسيّد قانون النظام العام المشهد في السودان. وحضر هذا القانون بكل أثقاله القديمة والجديدة، من اعتقالات وجلد وحبس وغرامة، قد مورست لما يزيد عن ربع قرن، ضد الآلاف من السودانيات.
عرّى عن هذا الجرح، الذي تحولت معه حياة المرأة في الخرطوم إلى جحيم، الرئيس السوداني عمر حسن البشير حين كان يبحث عن أيّ قشة يتمسك بها، لتقيه من موجة التظاهرات العاتية التي تأبى أن تهدأ مستهدفة إسقاط نظامه.
ووجه الرئيس السوداني لأول مرة انتقادات لاذعة إلى قانون النظام العام، وهو الذي كان متشددا حياله لسنوات مضت، وأكد أنه أحد أهم الأسباب وراء الاحتجاجات التي شهدتها مدن سودانية خلال الفترة الأخيرة، لما تركه من غبن وسط الفتيات عند تطبيقه.
والمحرك الأساسي لموقف البشير هو الحضور اللافت للمرأة السودانية خلال التظاهرات، لاسيما تلك التي اندلعت في العاصمة الخرطوم. خلال هذه الأحداث التي يعيش على وقعها السودان، كسرت النساء كافة القيود المجتمعية المحافظة التي تقيّد حركة وحرية المرأة.
واستطاعت السودانيات بفئاتهن العمرية المختلفة، التقدم في جميع مواكب التظاهرات التي ظلّ تجمع المهنيين السودانيين (تجمع نقابي غير رسمي) يدعو إليها لما يزيد عن الشهر ونصف الشهر، احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية، وللمطالبة بإسقاط نظام الحكم في البلاد.
رماز محمد، ناشطة سودانية: الشارع لم يخرج بسبب القانون وإنما بسبب فشل النظام… وإذا اعتقد الرئيس أنه بخطواته تلك يقدم رشوة للشارع الثائر فهو واهم
في اعتراف خلال لقاء محدود مع قادة العمل الإعلامي في السودان مؤخرا، قال البشير، إن حضور المرأة في التظاهر كان لافتا بسبب الغبن الذي صاحب تطبيق قانون النظام العام. وأكد الرئيس السوداني أن القانون المثير للجدل يخالف الشريعة الإسلامية بنسبة 180 درجة. ولمّح إلى اتجاهه نحو تغيير القانون واستدعاء السلطات القضائية والشرطية حوله.
لكن، رماز محمد (25 عاما)، وهي موظفة شاركت في جميع المواكب التي دعا إليها تجمع المهنيين السودانيين، تحدوها الرغبة القوية في إسقاط النظام، باعتبار أنه
أعاق أحلامها في حياة تتوفر فيها أدنى المقومات.
وتسخر رماز من انتقاد الرئيس السوداني لقانون النظام العام. وتؤكد أن المطالبة بإلغاء ذلك القانون مرحلة تجاوزها المحتجون، وهي منهم، مشيرة إلى أن الهدف الآن هو الخلاص من النظام نفسه. وتقول لوكالة الأنباء الألمانية (دي.بي.أي) “أنا محجبة ولا يضرُ بي بقاء قانون النظام أو إلغاؤه، ولا يحقق لي أي هدف، كما لا أتعاطى الكحول بأنواعها، وليست لدي أي علاقات جنسية شكّل القانون عائقا أمامها، ولكني خرجت للتظاهر وسأظل أخرج إلى حين تغيير النظام”.
وتضيف “كما أجزم أن الشارع لم يخرج بسبب القانون وإنما بسبب الفشل الكلي للنظام الحالي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا… وإذا اعتقد الرئيس أنه بخطواته تلك يقدم رشوة للشارع الثائر فهو واهم”.
أما تهاني عباس، وهي ناشطة فإنها تقول إنها خرجت للتظاهر ضد القوانين التي عملت على تدمير النساء، وتقييد حريتهن ومشاركتهن السياسية والاجتماعية ومطاردتهن في الفضاء العام وداخل المنازل، وعلى رأس هذه القوانين قانون النظام العام.

وشددت عباس قائلة “لكن ما يهمني بالدرجة الأولى أن يزاح النظام الحالي عن الحكم من أجل حياة كريمة، وتوفير أساسيات الحياة، وانتهاء الفقر والفساد وتحسين علاقات البلاد الدولية والإقليمية، وإيجاد فرص التوظيف للخريجين دون محاباة ومحسوبية، كما هو الوضع الآن”.
ترجع قمر هباني، أمين المرأة بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، الحضور اللافت للنساء في التظاهرات، إلى تأثرهن المباشر بالضائقة الاقتصادية وبمشكلات التوظيف مثل باقي الشباب. وتؤكد على الحاجة إلى حوار مع الشرائح التي خرجت للتظاهر، مشيرة إلى أن الفرصة مواتية لإدارة ذلك الحوار عبر كافة الواجهات.
أقر قانون النظام العام بدءا في ولاية الخرطوم “العاصمة” في العام 1992. وتم تعديله في سنة 1996، حيث جاء في 26 مادة. وحمل عقوبات تصل إلى حد الحبس لخمسة أعوام، وعقوبة الجلد 40 جلدة في حال الزي الفاضح، فضلا عن الغرامة المالية.
وحمل القانون موادّ تطالب بالفصل بين النساء والرجال في المناسبات العامة والخاصة، فضلا عن وسائل المواصلات العامة.
وعمدت الحكومة إلى تخصيص شرطيات عند بوابة الجامعات المختلفة يقمن بمراقبة زي الفتيات، إلى جانب أخريات عند مدخل بعض المؤسسات الحكومية، وأولئك الشرطيات يضعن عادة مواصفات للزي الفاضح حيث يمنع ارتداء البنطال والملابس الضيقة التي تظهر مفاتن المرأة وفقا لرؤيتهن.
وفي واحدة من إفادات مدير شرطة أمن المجتمع بالخرطوم أكد أن إدارته ألقت القبض على ما يزيد عن 34 ألف شخص خلال حملات النظام العام في عام واحد فقط .