السنة الثانية من حرب أوكرانيا تبدد أحلام الغرب بانتصار سريع على روسيا

كييف لا تمتلك سوى تبني إستراتيجية الدفاع النشط على المدى الطويل.
الخميس 2024/02/15
لا مؤشرات مشجعة

يبدو الوضع معقدا للغاية في ساحة المعركة بعد عامين من الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ تحتاج كييف إلى المزيد من المقاتلين والأسلحة لمواجهة الغزو الروسي. وقد تزداد صعوبات أوكرانيا في الحرب لعدم تلقيها مساعدات عسكرية أميركية إضافية تشكل أهمية بالغة لتجديد ترسانتها.

كييف - مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لبدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، بات على الأخيرة ومؤيديها الاستعداد لاتخاذ قرارات سياسية حرجة خلال العام الثالث للحرب بالاستفادة من دروس أول عامين منها. ومنذ عام وبعد التنبؤات الرهيبة بالهجوم الروسي، ثم التفاؤل بالانتصارات الأوكرانية غير المتوقعة في خاركيف وخيرسون، أصبحت كلمة “الجمود” هي الأكثر شيوعا في وصف حالة الحرب على الأرض الأوكرانية.

وقد فشلت عمليات إعادة التسليح والتدريب الكثيفة من جانب الدول الغربية للقوات الأوكرانية بهدف تجهيزها للقيام بهجوم مضاد واسع خلال الصيف يحقق اختراقا إستراتيجيا في جنوب أوكرانيا ويهدد السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم ويجبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التفاوض وفقا لشروط في صالح أوكرانيا.

وفي تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قال المتخصص في الملف الروسي يوجين رومير إن نظرية تحقيق النصر السريع في أرض المعركة وعلى مائدة المفاوضات لم تتحقق في الحرب الروسية – الأوكرانية حتى الآن. ولم تختلف حالة الحرب طوال عامها الثاني عن حالتها في العام الأول. فكلا الجانبين عانى من خسائر جسيمة خلال 2023.

ويرى الخبراء العسكريون أن أيا من الجانبين لا يملك ما يلزم لتحقيق تغيير جذري لصالحه على أرض المعركة. ومع إصرار كل جانب منهما على تحقيق رؤيته للنصر، كما كان الحال قبل عام، فإنه لا يوجد ما يشير إلى نهاية قريبة لهذه الحرب التي اشتعلت في الرابع والعشرين من فبراير 2022.

◙ تحرير الأراضي الأوكرانية المحتلة في المستقبل المنظور يظل استحالة في ضوء التفوق العسكري الكاسح لروسيا

ولا شك أن القوات الأوكرانية تحتاج إلى فترة راحة بعد موسم قتال عنيف في الصيف الماضي. والسؤال الحقيقي في هذه المرحلة هو: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ وبعد عام من الدفاع النشط، إلى أي مدى يمكن لأوكرانيا استئناف العمليات الهجومية واسعة النطاق في 2025 بهدف تحرير الأراضي التي احتلتها روسيا وإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التفاوض الجاد من أجل إنهاء الحرب؟

وفي المقابل، تستعد روسيا للمرحلة الجديدة من الحرب. وتزيد المصانع الحربية الروسية من إنتاجها رغم الانتقادات الموجهة لها بأنها لا تنتج المعدات الحربية للجيش بالسرعة اللازمة. ويعاني الجيش الأوكراني من نقص مزمن في الذخائر. وبعد أدائه الكارثي في المرحلة الأولى للحرب، تكيف الجيش الروسي واستخدم التكنولوجيات الجديدة والإجراءات المضادة لحرمان أوكرانيا من نقاط تفوقها الرئيسية والتي حققت من خلالها مكاسب في أرض المعركة قبل ذلك.

ومازال من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستحتاج إلى إعلان تعبئة جديدة بعد إعادة انتخاب بوتين لفترة رئاسية جديدة في مارس المقبل. وفي الوقت نفسه يمتلك الجيش الروسي القوة البشرية المناسبة لتنفيذ مهامه رغم نقص الأيدي العاملة في مختلف أنحاء روسيا نتيجة التوسع في التعبئة العسكرية. فعدد سكان روسيا ثلاثة أمثال سكان أوكرانيا وهو ما يعني قدرة الأولى على تجنيد المزيد من الجنود.

ونظرا لاعتماد أوكرانيا المهم للغاية على مساعدات حلفائها وشركائها، وفي ظل الغموض المحيط بالمرحلة القادمة من المساعدات الأميركية لها، تثور شكوك قوية حول طبيعة خططها للقيام بالهجوم المنتظر في 2025. كما واجهت دول الاتحاد الأوروبي صعوبات حتى تصل إلى اتفاق لتقديم حزمة مساعدات طويلة المدى بقيمة 50 مليار يورو، لمساعدة الحكومة الأوكرانية في القيام بمهامها ودعم اقتصادها.

وحتى إذا حصلت أوكرانيا على الدفعة الجديدة من المساعدات الأميركية بقيمة 64 مليار دولار والتي تحيط بها الشكوك حاليا، فإنها لن تغني عن حزمة مساعدات تالية حتى يمكن لكييف شن الهجوم الموعود في 2025، كما أن الدبلوماسيين والمسؤولين الأوروبيين يعترفون بأن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع تمويل الحرب في أوكرانيا بدون المساعدات الأميركية.

وبحسب رومير، مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيغي، لا يمكن تصور نجاح أوكرانيا في شن هجوم مضاد لتحرير الأراضي المحتلة بدون الدعم العسكري الغربي. وهذا يعني ضرورة تبني أوكرانيا وحلفائها وشركائها إستراتيجية جديدة طويلة المدى.

◙ نظرية تحقيق النصر السريع في أرض المعركة وعلى مائدة المفاوضات لم تتحقق في الحرب الروسية - الأوكرانية للآن

وفي ظل استمرار طموحات بوتين المميتة، ومع التفوق العسكري الروسي، لا تمتلك أوكرانيا سوى تبني إستراتيجية "الدفاع النشط" ليس للعام الحالي فقط، لكن على المدى الطويل. ورغم أن تحرير الأراضي المحتلة يظل الهدف الأسمى لأوكرانيا، فإنه يجب الاعتراف باستحالة تحقيق ذلك في المستقبل المنظور في ضوء التفوق العسكري الكاسح لروسيا.

ولذلك يجب التركيز على توفير احتياجات الدفاع النشط مثل تعزيز المواقع الدفاعية على امتداد خطوط المواجهة ودعم قدرات الدفاع الجوي واتخاذ التدابير المضادة لحماية القوات والمدن والبلدات والبنية التحتية الحيوية الأوكرانية من الهجمات الروسية، مع إعادة تشكيل وتدريب وحدات الدفاع النشط والحصول على منظومات صواريخ موجهة بعيدة المدى. لكن أوكرانيا تحتاج إلى حلفائها لتزويدها بالجانب الأكبر من هذه الاحتياجات.

كما يحتاج حلفاء وشركاء أوكرانيا إلى الاستعداد لحرب طويلة، وهو ما يعني الانتقال من المساعدات السنوية إلى التزامات طويلة المدى بأمن أوكرانيا والدفاع عنها، باعتبارها باتت تمثل نقطة الارتكاز في المواجهة المستمرة بين الشرق والغرب.

وأخيرا يمكن القول إن العام الأول من الحرب خلق توقعات غير واقعية، سواء حول قدرة روسيا على حسم الحرب بسرعة في البداية، أو حول قدرة أوكرانيا على قلب المائدة على عدوتها وإجبارها على التراجع. لكن العام الثاني كشف عدم واقعية هذه التوقعات، ليبدأ العام الثالث ويفرض على الجميع استيعاب دروس العامين الأولين للحرب والاقتناع بأن أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) يخوضان مواجهة طويلة المدى مع عدو قوي وخطير وعنيد، فيما يظل هناك تساؤل مهم وهو ما هو البديل؟

7