السمنة تنتشر بنسق متسارع في البلدان منخفضة الدخل

التحول السريع في النظم الغذائية أدى إلى الزيادة في أوزان الناس.
السبت 2024/03/02
السمنة مشكلة عالمية

لم تعد السمنة مشكلة صحية تخص الدول الغنية، بل أصبحت مشكلة عالمية. ويرى الخبراء أن السبب يكمن خصوصاً في التحول السريع، وليس نحو الأفضل، في النظم الغذائية في البلدان المنخفضة أو متوسطة الدخل. وترتبط السمنة التي تُعدّ مرضاً مزمناً بزيادة في معدل الوفيات بسبب أمراض أخرى، كأمراض القلب والشرايين والسكّري وبعض أنواع السرطان.

باريس - باتت السمنة تطال أكثر من مليار شخص في كل أنحاء العالم، من بينهم أطفال ومراهقون، وفقا لتقديرات نُشِرت قبل أيام قليلة من اليوم العالمي للسمنة في الرابع من مارس تُظهر تسارع هذه الآفة في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل.

وأظهرت دراسة جديدة نشرتها مجلة “لانسيت” العلمية البريطانية وساهمت فيها منظمة الصحة العالمية أن معدلات السمنة بين البالغين زادت في كل أنحاء العالم أكثر من الضعف ما بين عامي 1990 و2022، وأربع مرات لدى الأطفال والمراهقين بين 5 و19 سنة.

ولاحظ مدير إدارة التغذية وسلامة الأغذية بمنظمة الصحة العالمية البروفيسور فرانشيسكو برانكا خلال مؤتمر صحفي أن هذا “الوباء” ينتشر “بسرعة أكبر مما كان متوقعا”. وكانت التوقعات تشير إلى أن تجاوز عتبة مليار شخص يعانون من السمنة سيحصل بحلول سنة 2030 تقريباً، بحسب البروفيسور ماجد عزتي من “إمبريال كوليدج” في لندن، أحد المعدّين الرئيسيين للدراسة.

وبيّنت الدراسة التي استندت إلى بيانات نحو 220 مليون شخص في أكثر من 190 دولة، أن عدد الأشخاص الذين يعانون السمنة ارتفع من 195 مليون بالغ عام 1990 إلى نحو 880 مليوناً، من بينهم 504 ملايين امرأة و374 مليون رجل.

عدد الأشخاص الذين يعانون السمنة ارتفع من 195 مليون بالغ عام 1990 إلى نحو 880 مليوناً، من بينهم 504 ملايين امرأة و374 مليون رجل

وزاد معدل السمنة بين الرجال ثلاث مرات تقريباً، إذ ارتفع من 4.8 في المئة عام 1990 إلى 14 في المئة في 2022، وأكثر من الضعف لدى النساء، إذ كان 8.8 في المئة وأصبح 18.5 في المئة، مع فوارق بين البلدان.

والمقلق أكثر أن عدد الأطفال والمراهقين المصابين بهذا المرض ارتفع في 30 عاماً من 31 مليوناً عام 1990 إلى نحو 160 مليوناً في 2022، من بينهم 94 مليون فتى و65 مليون فتاة.

وترتبط السمنة التي تُعدّ مرضاً مزمناً متشابكاً ومتعدد العوامل، بزيادة في معدل الوفيات بسبب أمراض أخرى، كأمراض القلب والشرايين والسكّري وبعض أنواع السرطان. وكانت جائحة كوفيد – 19 مثالاً على ذلك، إذ شكّل الوزن الزائد خلالها أحد عوامل الخطر.

ولاحظت الدراسة أن معدلات السمنة في بعض البلدان المنخفضة أو متوسطة الدخل، ولاسيما في بولينيزيا وميكرونيزيا ومنطقة البحر الكاريبي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أعلى من تلك المسجّلة في الكثير من البلدان الصناعية، وخصوصاً في أوروبا.

وعلّق برانكا على ذلك بالقول “في الماضي، كنا نميل إلى اعتبار السمنة مشكلة للدول الغنية، أما الآن فقد أصبحت مشكلة عالمية”. ورأى أن السبب يكمن خصوصاً في “التحول السريع، وليس نحو الأفضل، في النظم الغذائية في البلدان المنخفضة أو متوسطة الدخل”.

في المقابل، دلّت مجموعة مؤشرات في الدراسة إلى “تراجع السمنة وخصوصاً لدى النساء، في بعض دول جنوب أوروبا، وأبرزها إسبانيا وفرنسا”، بحسب ماجد عزتي.

وأشارت الدراسة إلى أن “عدد مَن يعانون السمنة أكبر في معظم البلدان من عدد مَن يعانون نقص الوزن” والذي انخفض منذ عام 1990.

ومع ذلك، لا يزال نقص الوزن يمثل مشكلة كبيرة في عدد من مناطق العالم، كجنوب آسيا أو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويرتبط بزيادة معدل الوفيات بين النساء والأطفال الصغار قبل الولادة وبعدها، أو ارتفاع خطر الوفاة بسبب الأمراض المعدية.

معدلات السمنة بين البالغين زادت في كل أنحاء العالم أكثر من الضعف  ما بين 1990 و2022
معدلات السمنة بين البالغين زادت في كل أنحاء العالم أكثر من الضعف ما بين 1990 و2022

وتعاني بلدانٌ كثيرة منخفضة ومتوسطة الدخل من “العبء المزدوج” المتمثل في نقص التغذية والسمنة، إذ لا يحصل جزء من سكانها إلى اليوم على عدد كاف من السعرات الحرارية، فيما لم يعد قسم آخر يعاني هذه المشكلة لكنّ النظام الغذائي رديء النوعية.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس إن “هذه الدراسة تسلط الضوء على أهمية الوقاية من السمنة وإدارتها منذ سن مبكرة حتى مرحلة البلوغ، من خلال النظام الغذائي والنشاط البدني والرعاية الكافية للاحتياجات”.

واعتبر أن “العودة إلى المسار الصحيح لتحقيق الأهداف العالمية للحد من السمنة ستتطلب عمل الحكومات والمجتمعات، بدعم من السياسات القائمة على الأدلة من منظمة الصحة العالمية ووكالات الصحة العامة الوطنية”، داعياً إلى “تعاون القطاع الخاص، الذي يجب أن يكون مسؤولا عن الآثار الصحية لمنتجاته”.

ولاحظت منظمة الصحة العالمية أن الإجراءات “اللازمة لاحتواء” المشكلة لا تُطبَّق بالقدر الكافي، ومنها فرض الضرائب على المشروبات السكرية، ودعم الأطعمة الصحية، والحد من تسويق الأطعمة غير الصحية للأطفال، وتشجيع النشاط البدني، وما إلى ذلك.

وتشهد علاجات السمنة حقبة جديدة منذ أشهر عدة، إذ أن أدوية مخصصة لداء السكرّي أثبتت فاعليتها في إنقاص الوزن، مما أوجد أملاً لدى الملايين من المرضى، ودفع شركات الأدوية إلى التنافس في هذا المجال.

واعتبر فرانشيسكو برانكا أن “هذه الأدوية أداة مهمة، ولكنها ليست حلاً” للسمنة والوقاية منها. وشدد على ضرورة “أن تؤخذ في الاعتبار الآثار الجانبية أو بعيدة المدى لهذه الأدوية”.

وفي الآونة الأخيرة احتل عقار “أوزمبك” عناوين الأخبار التي تحدثت عن نجاح من يتلقونه في فقدان الوزن وتحسين السيطرة على سكر الدم.

وثبتت فوائد “أوزمبك” الكبيرة في فقدان الوزن من خلال التجارب السريرية حيث لاحظ المرضى الذين استخدموه، إلى جانب اتّباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة، فقدان وزنهم الزائد بشكل ملحوظ. ويمكن أن يكون خيار العلاج هذا مفيدًا بشكل خاص للأفراد الذين يعانون من السمنة المرضية أو أولئك الذين يرغبون في التخلص من الوزن الزائد.

تجاوز عتبة مليار شخص يعانون من السمنة سيحصل بحلول سنة 2030
تجاوز عتبة مليار شخص يعانون من السمنة سيحصل بحلول سنة 2030

والسمنة مرض معقد تزيد فيه كمية دهون الجسم زيادة كبيرة. وهي ليست مجرد مشكلة تتعلق بالمظهر الجمالي. بل إنها مشكلة طبية تزيد من عوامل خطر الإصابة بالكثير من الأمراض والمشكلات الصحية الأخرى. وقد يتضمن هذا مرض القلب وداء السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى الكوليستيرول وأمراض الكبد وانقطاع النفس النومي وبعض أنواع السرطان.

وهناك الكثير من الأسباب التي تجعل البعض يواجهون صعوبة في إنقاص الوزن. وتنتج السمنة عادةً عن عوامل وراثية وفسيولوجية وبيئية، بالإضافة إلى اختيارات النظام الغذائي والنشاط البدني وممارسة الرياضة.

ولكن ما يدعو إلى التفاؤل أن مجرد إنقاص قدر بسيط من الوزن بإمكانه أن يحسن المشكلات الصحية المرتبطة بالسمنة أو يقي منها. ومن العوامل التي يمكن أن تساعد في إنقاص الوزن، اتباع نظام غذائي صحي وزيادة مستوى النشاط البدني وإدخال بعض التغييرات السلوكية. ومن الخيارات الأخرى لعلاج السمنة، الأدوية التي تُصرف بوصفة طبية والإجراءات الجراحية لإنقاص الوزن.

ويُستخدَم مؤشر كتلة الجسم غالبًا لتشخيص السمنة. ولحساب مؤشر كتلة الجسم، يُضرب الوزن بالرطل في 703 ويُقسَم على الطول بالبوصة، ثم يُقسَم الناتج مرة أخرى على الطول بالبوصة. أو يُقسَم الوزن بالكيلوغرام على الطول بالمتر المربع. وتتوفر على الإنترنت العديد من الآلات الحاسبة التي تساعد على حساب مؤشر كتلة الجسم.

ويقيس الكثير من خبراء الرعاية الصحية أيضًا محيط الخصر للمساعدة على توجيه القرارات العلاجية. ويُعرف هذا القياس باسم محيط الخصر. وتشيع المشكلات الصحية المرتبطة بزيادة الوزن بين الرجال الذين يزيد محيط خصرهم على 40 بوصة (102 سنتيمتر). وتشيع أكثر بين النساء ممن يزيد محيط خصرهن عن 35 بوصة (89 سنتيمترًا). ومن طرق القياس الأخرى الممكن استخدامها أثناء برنامج إنقاص الوزن لمتابعة التقدم النسبة المئوية لدهون الجسم.

15