السلطات العراقية تفشل في فرض هيبتها باعتقال الصحافيين

بغداد – أدى اعتقال محلل سياسي مؤخرا إلى إعادة إشعال الجدل بشأن بعض القوانين القديمة التي تجري إعادة استخدامها لإسكات الأصوات المنتقدة.
وأوقفت السلطات مساء الخميس المحلل إبراهيم الصميدعي في منزله بعدما أثار جدلا بتعليقات سجلت ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دون علمه، ينتقد فيها المراجعة الأخيرة لقانون المحكمة العليا، كما صدرت مذكرة اعتقال بحق الأكاديمي يحيى الكبيسي المقيم خارج العراق بتهمة “إهانة” السلطات.
وأفرج مساء الأحد عن الصميدعي بعدما استمعت إليه محكمة في الكرخ في غرب بغداد، لكنه لا يزال ملاحقا بتهم “التشهير” و”إهانة المؤسسات” ونشر “المعلومات الكاذبة”.
وهذه التهم مدرجة في قانون العقوبات العائد لعام 1969، وظل من دون تغيير في العام 2003 بعد إعادة كتابة دستور العراق بإشراف أميركيين بهدف تعزيز الحرية والديمقراطية في البلاد، كما قيل في حينه.
ويؤكد مرصد الحريات الصحافية العراقي أن “مذكرات القبض بحق الصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي في العراق مازالت تصدر مستندة إلى مواد قانونية تعود لأكثر من خمسة عقود، وقد تؤدي الإدانة في بعضها إلى عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام”.
وقال رئيس المرصد زياد عجيلي في بيان صحافي “يجب وضع حد للقوانين الموروثة من الأنظمة الشمولية السابقة والتي تتعارض مع دستور العراق بعد العام 2003”.
ورغم أن الملاحقة القانونية على أساس تلك القوانين تثير قلق النشطاء، إلا أن التهديدات بحقهم لا تعدّ ولا تحصى أيضا. فمنذ بداية ثورة شعبية غير مسبوقة في أكتوبر 2019، قُتل أو خُطف العشرات من النشطاء، بعضهم لأيام قليلة والبعض الآخر مازالوا مفقودين منذ أكثر من عام من دون أن تقوم الحكومة بشيء لردع مرتكبي هذه الأفعال.
وذكرت محكمة الكرخ أن الصميدعي “اعتذر” عن تهمة “إهانة المؤسسات”. ومع ذلك، وبموجب المادة 226 من قانون العقوبات، لا يزال يواجه عقوبة بالسجن تصل إلى سبع سنوات مثل أي شخص “أهان علانية البرلمان أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو أي مؤسسة دستورية”.
وشبّه صحافي عراقي اعتقال الصميدعي بالاستعراض القانوني ناقص الأهلية لسلطة افتراضية موجودة في المنطقة الخضراء.
وقال الصحافي في اتصال هاتفي مع “العرب” من بغداد “لو كان الصميدعي عضوا في ميليشيا متنفذة لما اقتربت منه السلطات العراقية، لكن لأنه مجرد معلق كثير الظهور على الفضائيات، أرادت حكومة مصطفى الكاظمي بث رسالة عبر اعتقاله”.

واعتبر الصحافي الذي فضل عدم ذكر اسمه أن رسالة اعتقال الصميدعي كانت خاطئة في التوقيت وفي الدلالة، ولن تمنح الحكومة “الافتراضية” قوة قانونية لأنها تدرك أن هناك ما هو أقوى من القانون في العراق.
ولام الصحافي الذي عرف نفسه بأنه صديق وزامل الصميدعي في العمل التعويل على الحرية المفترضة من قبل المعلقين العراقيين في وسائل الإعلام.
وقال إن “حرية التعبير” كذبة سمجة في العراق لأن سلطة الاغتيال والاختطاف فوقها.
وكان الصميدعي قد انتقد في سياق محادثة خاصة تصرفات العديد من القادة السياسيين والقضائيين، لاسيما في ما يتعلق بقانون المحكمة العليا، ورفع الشكوى في شأنها مجلس القضاء الأعلى.
أما الشكوى الثانية فرفعتها وزارة الدفاع بموجب المادة 433 المتعلقة بالتشهير والتي تنص على “عقوبة السجن و/أو الغرامة”، وتعتبر “نشر التصريحات في الصحافة” على أنه “من الظروف المشددة”.
كذلك تقدم مجلس القضاء الأعلى بشكوى ثالثة ضده تتعلق بوقائع تندرج في سياق المادة 210 بشأن “المعلومات الكاذبة”.
وفي فبراير 2020، وبينما كانت البلاد في خضم انتفاضة شعبية وتسعى إلى تشكيل حكومة تحل محل حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الذي استقال من منصبه، كتب الصميدعي في تغريدة أن 30 مليون دولار عرضت من أجل حجز وزارة “لجهة معينة”.
ويعرف الباحث في الشأن العراقي يحيى الكبيسي أيضا بانتقاده للحكومة العراقية والأحزاب السياسية الرئيسية في السلطة. وقال الكبيسي في تصريحات لقناة “سي.إن.إن” “كنت أتوقع صدور مذكرة الاعتقال بحقي”، وأضاف أنه يعتقد أنها مرتبطة بمقالات له انتقد فيها المحكمة العليا.
وأصدرت مجموعة من النخب السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية بيانا طالبت فيه بإطلاق سراح الصميدعي والكفّ عن استغلال المواد القانونية لتصفية حسابات سياسية.
وأضافت في البيان الذي وقعته أكثر من مئة شخصية “نذكّر القضاء والحكومة معا بأن زمن الدكتاتورية قد ولّى إلى غير رجعة وأن الشعب العراقي الكريم لا يمكن أن يقبل بأي شكل من أشكال التضييق على الحريات وحرية الرأي والتعبير”.