السلطات الإيرانية "تعاقب" المباني المشيدة على طراز أميركي في طهران

طهران – تفتقد مباني إيران المشيدة في منتصف القرن الماضي من تصميم أميركي وإيطالي إلى الحماية ما من شأنه أن يحولها إلى غبار وكتل من الخرسانة. ويأمل المدافعون عن انفتاح إيران على الغرب والمثقفون والأكاديميون والمهندسون الإيرانيون في أن تنتبه السلطة الرسمية إلى هذه المباني وتوليها الرعاية والحماية التي تستحق على أنها جزء لا يتجزأ من الثقافة الإيرانية ومن تاريخها المعاصر.
وأرجعت إعادة انتخاب حسن روحاني رئيسا للبلاد الأمل إلى الليبراليين في إيران. ففي فترة ولايته الأولى بدأت إيران تقترب من الغرب. كما تشير مواقفه في الشؤون الدولية والداخلية إلى المزيد من الانفتاح على التأثير الغربي.
وتتضمن القضايا التي يحتدم فيها الصراع في إيران إضافة إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية المسائل الثقافية. ويقول المهندسون المعماريون والمؤرخون إن على إيران التحرك من أجل حماية تراثها المعماري الحديث قبل فوات الأوان.
وتُعرف إيران بتصاميمها الفارسية الفريدة لكن في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين شهدت عاصمتها طهران قيام مهندسين معماريين غربيين ذوي شهرة عالمية بما في ذلك الحداثيون البارزون مثل فرانك لويد رايت (1867– 1959) ببناء بعض المباني الأيقونية في المدينة.
ويتعرض بعض هذه المباني إلى الهدم إلى حدود اليوم، كما أن الكثير غيرها معرض لمخاطر الهدم أو الانهيار. وإذا بقيت من دون حماية ستتحول العمارة، التي تمثل شاهدا على انفتاح إيران التاريخي على الغرب، إلى غبار وماض منسي.
في الـ19 من يناير 2017 انهار برج بلاسكو، وهو مبنى شاهق مكوّن من سبعة عشر طابقا، يقع في وسط مدينة طهران ولقي في الحادث أكثر من عشرين عامل مطاف حتفهم وجرح العشرات من الأشخاص الآخرين.
عندما تقوم الحكومة بحذف مبان تاريخية من قائمة تراثها فهي تبرهن على تفضيل مثير للقلق لفترات معينة من ماضيها
صمم هذا المبنى الأيقوني مهندسان معماريان أميركيان، وهما بنجامين براون وسبيرو دلتاس، كانا قد فتحا مكتبا في طهران في العام 1957 في فترة حكم الملك محمد رضا شاه (1941 -1979). وكان الشاه قد جعل من بناء “حضارة عظيمة” في إيران مهمته الأولى. ولتحقيق ذلك كان على طهران أن تصبح مدينة عصرية معولمة بشوارع واسعة وتصميم مسبق.
وتزامنت عملية التحديث في إيران في القرن العشرين مع مثيلاتها في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، إذ شعرت بلدان مثل مصر وتركيا وإيران بالحاجة إلى تطعيم حضاراتها القديمة بأفكار وتأثيرات جديدة بما في ذلك البنية التحتية والنماذج التعليمية الآتية من بلاد الغرب.
وتسارعت في إيران عملية التحديث بفضل زيادة الدخل من النفط مما ساهم في تمويل تطويرات جديدة ضخمة ستحوّل عاصمة البلاد إلى مدينة كبرى عصرية.
ووظفت الحكومة لتنفيذ هذه المخططات الطموحة مهندسين غربيين ومخططي عمران وخبراء آخرين ليأتوا للعمل في طهران.
وأعد المهندس الأميركي فيكتور غروان المخطط الرئيس للمدينة لعام 1968، وتصور فيه طهران تزداد توسعا وتضم مراكز تجارية وأحياء سكنية تصل بينها الطرقات السريعة.
كما شهد هذا العصر الذهبي للتطور العمراني الغربي ازدهار الأجزاء الغنية من طهران بمبان من التمويل الخاص. لكن كل ذلك تغير في العام 1979، فبعد الثورة الإسلامية انطوت طهران على نفسها وأغلقت أبوابها على الغرب.
يوجد عدد كبير من الأكاديميين والمهندسين المعماريين والمثقفين الإيرانيين الذين يعبرون اليوم عن قلقهم بأن البلاد ربما تشكو من قصور الذاكرة الثقافية. ومن بين هؤلاء بارشيا كاريغوزلو التي أشرفت على الجناح الإيراني في معرض البندقية لسنة 2016، وليلى أراغيان مهندسة جسر الطبيعة الجديد ذي التقنية العالية في طهران، وعلي مظفري محرر مشارك ومؤسس لسلسلة الكتب برغاهن للاستكشافات في الدراسات التراثية.
وأهملت الكثير من المباني البارزة التي تعود إلى منتصف القرن الماضي، بما في ذلك دار سابت بسال المزخرفة في طهران التي تعرف على أنها قصر فرساي الإيراني وكادت أن تهدم في العام 2015. إضافة إلى قصر مورفاريد في مدينة كرج والذي بني في عام 1966 من تصميم لويد رايت، وكانت تملكه قديما أخت الشاه شمس بهلوي.
عدد كبير من الأكاديميين والمثقفين الإيرانيين عبروا عن قلقهم بأن البلاد تشكو من قصر الذاكرة الثقافية
تتعرض إقامات خاصة مهمة في طهران كذلك إلى خطر التدمير، وتشمل هذه الإقامات في حي زعفرانية البيت السابق للملكة توران زوجة رضا شاه وهو والد آخر شاه في إيران، وفيلا كانت تترد عليها فروغ فرخزاد، شاعرة إيرانية ومخرجة سينمائية في فترة الستينات من القرن الماضي، إلى جانب دار بناهي التي صممها المهندس الفرنسي رونالد ديبرول.
قد تكون فيلا نمازي البناية العصرية المهددة الأكثر أيقونية من الجميع. وقد صممها المهندس المعماري المقيم في ميلانو والمصمم الصناعي جوفاني بونتي (1891–1979)، وهو يعد إحدى الشخصيات القيادية للحداثة الإيطالية ما بعد الحرب ومؤسس مجلة دوموس. تملك الفيلا فناء مكشوفا وسقفا معلقا وفتحات خارجية محمية عن طريق أفريزات متدلية واسعة.
كان بونتي الذي بنى أول ناطحة سحاب إيطالية يعرف بتقديره للطراز الكلاسيكي، وسلامة مواد البناء، وتقنيات الإنتاج الجديدة، كما عرف بحساسيته تجاه حاجة الإنسان والظروف البيئية.
وكلفته عائلة نمازي الثرية في عام 1957 بتصميم إقامة في حي نياوران شمال تلال طهران بالتعاون مع فوستو ملوتي (1901–1986) وباولو دي بولي (1905-1996). ويحتوي المنزل على أبواب منزلقة ونوافذ داخلية توفر مناظر مقطعية عرضية، وتقوم شاهدا على أسلوب فرحة الحياة مثل مشاريع بونتي في كراكاس عاصمة فنزويلا (فيلا بلانشارت وفيلا أريازا).
وتم تسجيل فيلا نمازي في عام 2007 في قائمة التراث الوطني الإيراني لكن اشتراها مالك جديد قبل أربع سنوات وحذفت من القائمة تمهيدا لبناء نزل فاخر مكون من عشرين طابقا.
وأنجز بونتي بناية أخرى في الشرق الأوسط وهي مكتب وزارة التخطيط في بغداد التي بنيت في العام 1957. وتعرضت مربعات الخزف ذات اللون الأزرق المائل إلى الرمادي للتدمير الجزئي في الحرب العراقية.
عندما تقوم الحكومة بحذف مبان تاريخية مثل فيلا نمازي من قائمة تراثها الوطني فهي تبرهن على تفضيل مثير للقلق لفترات معينة من ماضيها على حساب فترات أخرى لها قيمة ثقافية بدورها. مازال الكثير من الإيرانيين متعلقين بهذه الرموز الحداثية، وفي السنوات الأخيرة بذلت جهود كبيرة لإنقاذها.
وأطلق بعض النشطاء الإيرانيين الذين يسمون أنفسهم “اللجنة الشعبية للحفاظ على المنازل التاريخية في طهران” موقعا إلكترونيا يدافع عن معالم طهران.
لقد كان احتجاج الناس ضد مخطط هدم فيلا نمازي عنيفا، وتم تداول عرائض إنقاذها على الصعيد العالمي ولاقت التأييد من منظمة اليونسكو و”اللجنة الدولية للتوثيق والحفاظ على المباني والمواقع والأحياء في الحركة الحديثة”، وهي منظمة مقرها في ألمانيا، هذا فضلا عن منظمات دولية أخرى. وقد تساعد هذه الحالة ذائعة الصيت على إنقاذ مبان عصرية أخرى في المستقبل.
إن تدمير هذه المباني يمحو تراث طهران الحداثي المعاصر، فليست الإقامات مجرد حلقات ربط مع زمن فتحت فيه إيران أبوابها على الغرب، بل هي أيضا ذاكرة الطبقة الأرستقراطية من النظام السابق والكتّاب والمثقفين الراديكاليين الذين أصبحت طرق عيشهم أقل وضوحا في إيران اليوم.