"السقوط من نص دافئ".. مسرحية سعودية تنتصر للكلمة الحرّة

العرض يتحدّث عن كلمة مفقودة من نص أضيفت فيه، وتريد العودة إلى نصها الأصلي، فتواجه في مسعاها مقص الرقيب.
الاثنين 2021/12/13
حين تسقط الكلمة يختلّ معنى الوجود

تونس- في أول حضور لها بمهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورته الثانية والعشرين المنتهية فعالياتها الأحد، قدّمت الفرقة المسرحية السعودية “شدو” عرضا مسرحيا بعنوان “السقوط من نص دافئ” الذي يتحدّث في أربعين دقيقة عن كلمة مفقودة من نص أضيفت فيه، وتريد العودة إلى نصها الأصلي، فتقوم بالبحث عن حل للعودة عن طريق المؤلف، فتواجه خلال ذلك الرقابة التي ستقرّر وتحدّد مصير الكلمة.

ويبدأ العرض الذي أخرجه محمد جميل عسيري عن نص لأحمد البن حمضة بمشهد صامت، حيث يُدير المؤلف ظهره للجمهور منكبا على أوراقه يكتب بينما تتراكم كومة الأوراق من حوله، ثم تظهر في المشاهد التالية شخصية الكلمة المحذوفة من نص ورحلتها في البحث عن النص الأصلي الذي حُذِفت منه، وهي التي لا تشعر بالانتماء إلى النص الجديد المضافة له. وفي رحلة بحثها عن حقها في العودة إلى النص الأصلي تواجه المؤلف ولجنة التحرير والرقابة وتتعرّض للتهديد والتعذيب.

عرض يتحدّث في أربعين دقيقة عن كلمة مفقودة من نص أضيفت فيه، وتريد العودة إلى نصها الأصلي

ورغم أن النص قدّم حالة مألوفة، إلاّ أن كاتبه أحمد البن حمضة اختار تصوّرا مبتكرا لطرح فكرته في قالب جاد وساخر معا، حيث تتناول الفكرة قضية أزلية في علاقة المؤلف بنصه ودور الناشر والمحرّر فيه، فهم يمثلون سلسلة لا تنتهي في علاقتهم بالنص وأثرهم عليه. ليطرح سؤال: إلى أي حدّ يمكن أن يتمسّك المؤلف بخياراته الكتابية؟ وأي دور للمحرّر والناشر والرقيب في تعاملهم مع النص؟ فهل ينحازون للمعنى أم المبنى في تحكيم النص؟

وتلك الفكرة المبتكرة قادها مخرج العمل محمد جميل عسيري نحو المسرح بسلاسة، حيث تتوالى المشاهد المسرحية في عرض الحدث تلو الآخر، عُقدة إثر عُقدة تتحرّر من مشهد إلى آخر حتى مشهد النهاية؛ إذ لم تعد الكلمة الباحثة عن نص تنتمي إليه مجرد فكرة وحيدة تخيّلها الجمهور بل ألقت تلك الكلمة ظلالها على رؤى مختلفة في الحياة، عن الانتماء والبحث عن بيئة يبتكر فيها المؤلف مساره الإبداعي، ورحلة صراع للبحث عن الذات التي تمثل حقيقته وحقيقة المُشاهد بشكل عام.

وأتت حركة الممثلين على المسرح متوافقة، وحواراتهم متدفقة، دون أن يشعر المُشاهد بالانفصال بين المشهد والذي يليه، وذلك من خلال الكلمات والحركات والإيماءات التي أظهرت الحالة الشعورية التي يمرّ بها كل ممثل على حدة حتى في اختلاف ملامح وجوههم بين مشهد وآخر وحوار وآخر.

وأثرى الديكور وأزياء الممثلين والإضاءة والصوتيات (السينوغرافيا) ولغة الحوار العمل المسرحي، حيث عبرّت عن جماليات الفعل المسرحي ببساطتها ورمزيتها وارتقت بالمعنى، فحين سقطت الكلمة كان لها أثر لا يُمحى.

و”السقوط من نص دافئ” تأليف: أحمد البن حمضة وإخراج محمد جميل عسيري وتمثيل كلّ من محمد جميل، فهد الغامدي، أحمد الحمدان، عبدالهادي نشمي الشاطري، عبدالجليل الحرابة، خالد الهويدي وآمنة محمد الزهراني.

وقال مدير مكتب الهيئة الدولية للمسرح في السعودية، إبراهيم قاسم عسيري “السقوط من نص دافئ’ تقدم رؤية جديدة للمسرح السعودي في تصور جديد وفكرة خارجة عن المألوف“.

وأشاد عسيري، بالاهتمام والترحيب الكبير الذي حظيت به الفرقة بشكل خاص وبالمسرح السعودي بشكل عام في أول حضور لها بتونس، وهو ما عدّه دافعا للعمل على المشاركة في الفعاليات القادمة ضمن إطار مهرجان قرطاج أو في أي فعاليات ومهرجانات أخرى من العالم.

وقال مخرج المسرحية محمد جميل عسيري، إن المسرحية تحاكي واقع الكلمة اليوم، التي تجد مصيرها محصورا بين الكاتب والمؤلف من جهة والرقابة من جهة أخرى، معتبرا أن المشاركة في فعاليات أيام قرطاج المسرحية تزيد من خبرته باكتساب ثقافات أخرى من خلال العروض المقدّمة.

وعن أول مشاركة خارجية لها كمسرحية سعودية، قالت الشابة آمنة محمد الزهراني “هذه هي المشاركة الثانية لي في مسيرتي المسرحية، والأولى لي خارج المملكة”.

وأضافت “سبق لي العمل مع فريق في كتابة مسلسل إذاعي، وكنت مؤدية صوتية في المسلسل. وبعد ذلك عملت في المسرح الوطني من خلال مسرحية ‘كما نشاء’، ومن ثم شاركت في مسابقة إثراء للمسرحيات القصيرة، بمسرحية ‘إلى الأبد’، إلى أن وصلت إلى المشاركة الخارجية في العرض المسرحي لـ’سقوط من نص دافئ’ في تونس”.

وأكّدت الزهراني أنها وصلت إلى ما هي عليه الآن بفضل رؤية المملكة 2030 التي دعمت المرأة السعودية ومكنتها من البروز في مختلف المجالات والأنشطة، ممّا جعلها تخطو خطوات واثقة نحو التقدّم لتحقيق النجاح، وإثبات أن المرأة السعودية قادرة على الظهور والإبداع في شتى مجالات الحياة.

الرقابة للكلمة: لا خيار لك سوى الإذعان

بدوره قال المسرحي السعودي عبدالهادي نشمي الشاطري، إن هذه هي المشاركة الأولى له خارجيا، مبيّنا أنه حرص منذ بداية عمله المسرحي على عدم التسرّع بالمشاركة في المهرجانات الدولية، حتى يكون متمكّنا من التعامل مع العرض المسرحي بحرفية عالية.

ويوضّح “الدور الذي قمت به كان مختلفا عن كل أعمالي السابقة، فهو يتطلّب جهدا كبيرا من حيث الحركة والتنقل على الخشبة، وقد تمّ التحضير له لأكثر من ثلاثة أشهر عمل متواصلة، تضمّنت التعامل مع النص من حيث التدريبات الجسدية، إضافة إلى الاطلاع على التجارب المسرحية المختلفة لمواكبة تطوّرات المسرح العالمي”.

وأكّد الشاطري أن المشاركة في مهرجان دولي بقيمة أيام قرطاج المسرحية، هو مطلب كل فنان سعودي يطمح لرفع اسم وطنه عاليا والمساهمة في تطوير القطاع الثقافي بالسعودية وهو أحد مكونات رؤية المملكة 2030.

15