السعوديون يستعيدون أمسياتهم الهادئة بعيدا عن الشاشات

الميل إلى أمسيات هادئة هو استجابة طبيعية للإفراط في التحفيز.
الخميس 2025/04/17
قسط من الراحة

يأخذ السعوديون قسطا من الراحة ضمن جداول أعمالهم المزدحمة، ويبتعد العديد منهم عن وسائل التواصل الاجتماعي. ويُعطي هذا التوجه الأولوية للتواصل الواعي، مُحاكيًا بذلك تقاليد سرد القصص القديمة.

الرياض - في مجتمع يشهد تحولًا سريعًا، تنمو ثقافة فرعية هادئة؛ ثقافة لا تتضمن الشاشات والهاشتاغات، أو ضجيج الإشعارات المستمر.

في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية يتعمد العديد من الشباب السعوديين إبطاء أمسياتهم، مستبدلين روتينهم السريع بطقوس هادئة تُعطي الأولوية للتواصل والسكون واليقظة.

هذه “الأمسيات الهادئة”، كما يُسميها البعض، هي فترات استراحة مُتعمدة؛ لحظات يُنسقها الشباب لإعادة التواصل مع أنفسهم ومحيطهم وبعضهم البعض.

يقول الخبراء إن الميل إلى أمسيات هادئة هو استجابة طبيعية للإفراط في التحفيز.

وتنقل صحيفة “عرب نيوز” عن الدكتورة أشواق الحربي، أخصائية نفسية مقيمة في المدينة المنورة، قولها إن هذه الحركة هي رد فعل نفسي صحي على الإرهاق النفسي المعاصر.

وأضافت الحربي “يتعرض الشباب السعوديون باستمرار للضغوط الأكاديمية والاجتماعية والرقمية. إن اختيار التباطؤ في المساء هو وسيلة لاستعادة السيطرة على مساحتهم الذهنية. إنه ليس كسلاً؛ إنه راحة مُتعمدة.” كما أكدت على الإلهام الثقافي الأعمق وراء هذا التوجه.

حح

وهناك ذاكرة عاطفية قوية مرتبطة بأنماط الحياة الهادئة في الثقافة السعودية؛ الجلوس مع العائلة، ورواية القصص، وتحضير القهوة من الصفر. ما نشهده الآن ليس مجرد توجه صحي، بل هو عودة إلى الألفة العاطفية في زمن غير مألوف.

بالنسبة إلى سارة المطيري، البالغة من العمر 27 عامًا، بدأت الأمسيات الهادئة خلال رمضان العام الماضي. قالت “بدأتُ باستضافة تجمعات أسبوعية على شرفة شقتي بعد الإفطار. لا هواتف، فقط شاي وعود وأحاديث تستمر إلى ما بعد منتصف الليل. جعلني هذا أدرك مدى ندرة التواجد الحقيقي مع الناس.”

أصبحت التجمعات روتينًا. الآن، حتى خارج رمضان، تُخصص المطيري ليالي الخميس لما تُسميه “عشاءات هادئة” مع الأصدقاء، مع قوائم طعام مكتوبة بخط اليد، وأسطوانات جاز، وضوء الشموع.

وأضافت “كنتُ بحاجة إلى استراحة من تصفح الإنترنت المتواصل. هذه هي طريقتي في السلام.”

وفي أحياء الدمام القديمة بدأ فيصل العمري، البالغ من العمر 29 عامًا، بإحياء المتع البسيطة التي كان أجداده يستمتعون بها يومًا ما.

قال “ألتقي بأصدقائي في ديوانية عمي مرتين أسبوعيًا. نحضر وجبات خفيفة منزلية الصنع، ونلعب الطاولة والبلوت، ونتحدث عن الكتب التي نقرأها. لا أحد يتفقد هاتفه إلا لتشغيل الموسيقى.”

بالنسبة إليه تُعدّ هذه الأمسيات فرصة لاستعادة “صفاء الذهن”. وقال “الأمر ليس حنينًا إلى الماضي، بل اختيار إيقاع يُشعر الإنسان بالعودة.”

لا يستمتع الجميع بالتواصل الاجتماعي خلال أمسياتهم الهادئة. وبالنسبة إلى البعض تُركّز التجربة على العناية بالذات.

تنهي أثير الدوسري (27 عامًا)، وهي ممرضة في الخبر، أيام عملها بطقس أتقنته على مدار العام الماضي. قالت “أشعل البخور، وأشغل أغاني أم كلثوم القديمة، وأكتب في يومياتي قبل النوم. كنت أقضي ليالي أتنقل بين نتفليكس وتيك توك. الآن أنام بشكل أفضل وأشعر براحة أكبر.”

خه

واتبعت صديقاتها روتينًا مشابهًا؛ دهن شعورهن بالزيت أثناء مطالعة كتب الشعر، أو إعداد شاي النعناع الطازج، أو ببساطة الجلوس في صمت على أسطح منازلهن تحت النجوم.

قالت الدوسري “نحن لا نرفض الحياة العصرية. نحن فقط نختار التمهل، خاصة في الليل.”

ورغم أن أغلب المقاهي في المدن السعودية لا تزال تقدم خدمة الواي فاي والموسيقى الهادئة، فإن عددًا متزايدًا من الشباب السعوديين يبحثون عن أماكن أكثر هدوءًا تتماشى مع روح “الأمسيات الهادئة”.

وفي الرياض أصبحت أماكن مثل نادي الكتاب ومكتبة صوفيا أماكن مفضلة لمن يتوقون إلى إيقاع هادئ. هذه مقاه ثقافية تتيح للزوار فرصة للقراءة والتأمل أو الانخراط في محادثات هادئة بعيدًا عن المشتتات.

وليس كل شخص يتمتع برفاهية التمهل، لكن العديد من الشباب السعوديين يفسحون المجال لذلك، حتى لِلَيلة واحدة فقط في الأسبوع. تقول سارة وليد البالغة من العمر 25 عامًا، وهي طبيبة متدربة في جدة، إن ذلك “بمثابة طريقتي في رفض الإرهاق.” وتضيف “لا أستطيع السيطرة على فوضى النهار، لكن أمسياتي ملكي. أجعلها بطيئة عمدًا.”

وبالنسبة إلى هذا الجيل -الذي غالبًا ما يُوصف بأنه سريع الحركة، ومهووس بالتكنولوجيا، ومفرط النشاط- قد تكون استعادة الأمسيات البطيئة هي الإجراء الأكثر جذرية على الإطلاق.

18