السعودية تستكشف الحوار مع إيران دون أوهام بشأن حدوث تغيير في سياساتها

التغيّر الطفيف في موقف السعودية من إيران باتجاه خفض التوتّر بجرعات محسوبة والاستجابة لبدء حوار حذر معها يبدأ باستكشاف نواياها ومزاجها، جزء من تكتيك سياسي مدروس مفصّل على مقاس مصلحة المملكة في ضوء التحولات الدولية التي تحرص الرياض على متابعتها والتكيف معها بمرونة.
الرياض - أقرّت السعودية رسميا ببدء حوار مع إيران بهدف استكشاف مزاج غريمتها الألدّ في المنطقة، بعيدا عن أي آمال مبالغ بيها بشأن حدوث تغييرات في سياساتها الخارجية التي لطالما انتقدتها الرياض معتبرة أنّها مبعث عدم استقرار في الإقليم، وسببا لتوتّر العلاقة معها.
وأعلن وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان أنّ المحادثات بين بلاده وإيران ما تزال في مرحلة استكشافيّة.
وقال في مقابلة مع وكالة فرانس برس أثناء وجوده في باريس للمشاركة في مؤتمر دعم المرحلة الانتقالية بالسودان وقمّة تمويل الاقتصادات الأفريقية، “بدأنا مناقشات استكشافيّة”، موضّحا “أنّها في بدايتها”.
والمناقشات التي بدأت أوائل أبريل الماضي بتسهيل من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بقيت سرّية إلى أن ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أنّ اجتماعا أوّل عُقِد في بغداد. وأكّدت الحكومة الإيرانية ذلك لاحقا، كما أقّر الرئيس العراقي برهم صالح لاحتضان بلاده لجولات منها.
وقال الأمير فيصل “نأمل أن يرى الإيرانيّون أنّ من مصلحتهم العمل مع جيرانهم بطريقة إيجابية تؤدّي إلى الأمن والاستقرار والازدهار”، مضيفا “إذا استطاعوا أن يروا أنّ ذلك في مصلحتهم، يمكن أن يكون لديّ أمل”، ومستدركا “حاليّا نحن في مرحلة مبكرة” من المناقشات.
وقطعت طهران والرياض علاقاتهما الدبلوماسيّة عام 2016 إثر هجوم متظاهرين إيرانيين على مقرّين دبلوماسيين سعوديين في إيران، ما فاقم التوتّر في المنطقة. وينخرط البلدان في صراعات إقليميّة ويدعمان قوى متعارضة لاسيما في سوريا واليمن. وتتابع السعوديّة الملفين النووي والباليستي الإيرانيين عن كثب نظرا لما يشكّلانه من خطر مباشر على أمنها.
حاجة إيران الشديدة للتهدئة مع السعودية والتفرغ للملفات الداخلية المعقدة تدعم حظوظ تقدّم الحوار بين الطرفين
وفي نهاية أبريل، تبنّى وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نبرة تصالحيّة تجاه إيران، قائلا إنّه يأمل في إقامة علاقات جيّدة معها، وهي تصريحات رحّبت بها طهران.
ويقول متابعون لشؤون منطقة الخليج إنّ السعودية تفصّل التطوّر الحذر في موقفها من الحوار مع إيران على مقاس مصلحتها وفي ضوء التطورات الجارية في المنطقة والإقليم، ولاسيما تغيّر الموقف الأميركي في عهد إدارة الرئيس جو بايدن من إيران نحو درجة من التساهل معها قياسا بالموقف الذي كان قائما في إدارة سلفه دونالد ترامب التي سلكت طريق الضغوط القصوى على طهران.
وتريد الرياض التعامل بمرونة مع التطوّرات ومحاولة الاستفادة منها قدر الإمكان، وفي أدنى الحالات الحدّ من تأثيراتها غير المرغوب فيها.
وقال دبلوماسي خليجي سبق له العمل في السعودية، إنّ رسالة المملكة من خطوات التهدئة مع إيران أنّها لن تخوض منفردة أيّ صراع قد تكون أطراف أخرى قد آثرت الانسحاب منه، وهو ما ينطبق على الموقف الأميركي المستجدّ من طهران رغم عدم تسجيل الولايات المتّحدة أيّ تغيّر يذكر في سياساتها التي تنتقدها واشنطن بشدّة.
وستحرص المملكة خلال تقاربها بخطوات محسوبة مع إيران على إبقاء هامش المناورة والتراجع واسعا أمامها، آخذة في الاعتبار عدم تراجع الإيرانيين عن سياساتهم الإقليمية غير الملائمة لاستقرار المنطقة وأمنها.
وفي مرحلة ما سيكون مجزيا للسعودية أن تحصل على تعهدّ من إيران بعدم تعرّض أمن المملكة بشكل مباشر لتهديدات من الوكلاء الإيرانيين في المنطقة، وأن تراقب تنفيذ ذلك التعهّد تدريجيا وتكييف تطور العلاقة مع الجمهورية الإسلامية في ضوء ذلك.
وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تبنّى نبرة تصالحيّة تجاه إيران، قائلا إنّه يأمل في إقامة علاقات جيّدة معها، وهي تصريحات رحّبت بها طهران
ولن يكون صدور مثل ذلك التعهد من طهران أمرا مستحيلا بالنظر إلى المصلحة الإيرانية في تهدئة الصراع مع السعودية والتخفف من أعبائه قصد التفرّغ لمتوالية المصاعب الاقتصادية والمالية التي تتخبط فيها إيران.
لكنّ الإشكال أن إيران لا تبدو رغم رغبتها المعلنة في محاورة السعودية مستعدة للتفريط بنفوذها الذي بنته بطرق غير مشروعة في عدد من بلدان المنطقة القريبة من المملكة وبالاعتماد على وكلاء محلّلين من أحزاب سياسية وميليشيات مسلّحة تلعب دورا بالغ السلبية في منع استقرار بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ورغم انخفاض سقف التوقّعات بشأن حدوث تطبيع سريع وشامل للعلاقات السعودية – الإيرانية، إلاّ أنّ مراقبين يتوقّعون تأثيرا ملموسا لتقارب القوّتين الإقليميتين على المنطقة في اتجاه تبريد الصراعات داخلها.
ويقول هؤلاء إنّ أسرع أثر لذلك التقارب يمكن أن يحدث في اليمن حيث تمتلك كل من طهران والرياض تأثيرا قويا على الطرفين الرئيسيين في الحرب؛ المتمرّدين الحوثيين والسلطة الشرعية التي يقودها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
وعدا عن الملف اليمني تبدو باقي الملفات والقضايا المسبّبة لتوتّر العلاقة بين إيران والسعودية على درجة كبيرة من الصعوبة والتعقيد بحيث لا يُتوقّع إيجاد حلول سريعة لها ترضي الطرفين.
فلا إيران تبدو في وارد التخلي عن برنامجها النووي والصاروخي، ولا هي مستعدّة لتغيير سياسة التدخّل في شؤون بلدان الجوار واستخدام الميليشيات المسلّحة في تلك البلدان، ولا السعودية تبدو مستعدة للتسليم بتلك السياسات الإيرانية التي تشكّل خطرا مباشرا على أمنها.
وردّا على سؤال حول تأثير نتيجة الانتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة المرتقبة خلال شهر يونيو القادم في إيران على سياسات الأخيرة، اعتبر وزير الخارجية السعودي أنّ هذا التأثير سيكون ضئيلا، ذلك أنّ السياسة الخارجيّة يُقرّرها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، مضيفا “دور المرشد الأعلى أساسي، ولذلك لا نعتقد أنّه سيكون هناك أيّ تغيير جوهري في سياسة إيران الخارجيّة”.