السعودية تستعيد المبادرة الإعلامية في توضيح ملابسات مقتل خاشقجي

مصدر سعودي يؤكد أن كتم النفس وراء وفاة خاشقجي، وأن رواية الحكومة الأولى استندت إلى معلومات خاطئة قدمتها جهات داخلية.
الاثنين 2018/10/22
السعودية تزيح الغموض عن قضية خاشقجي

قدمت السعودية تفاصيل دقيقة بشأن قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي توضح بها للرأي العام المحلي والدولي حقيقة ما حدث، وتغلق بذلك الباب أمام التسريبات والتأويلات، التي استغلت الحادثة لاستهداف الرياض. واستعادت المملكة المبادرة الإعلامية بعد حملة شرسة ضدها من قبل الدوائر التركية والقطرية حيث قدم مصدر سعودي لوكالة رويترز، الأحد، تفاصيل جديدة تناقض التفسيرات السابقة، حيث كشف أن كتم النفس كان وراء وفاة خاشقجي وفريق التفاوض معه خالف الأوامر وسرعان ما التجأ إلى العنف، فيما استعانت وكالة الأناضول بتقرير رويتزز ونقلته على غرار وسائل إعلام دولية، وهو ما يحرج بصفة خاصة الرواية التركية للحادثة التي تركتها في التسلل.

مروة رشاد

الرياض - استعادت السعودية المبادرة الإعلامية وصارت المصدر الذي تعول عليه وكالات الأنباء العالمية في كشف تفاصيل مقتل الصحافي جمال خاشقجي بعد أن كشفت ملابسات الحادثة وأخرجتها عن نطاق التسريبات خاصة من الدوائر التركية التي استغلت الغموض لقضاء المزيد من الوقت في تشويه السعودية عبر وسائل إعلام محلية أو غربية.

ونقلت وكالة رويترز، الأحد، رواية جديدة لموت خاشقجي نقلا عن مسؤول سعودي كبير، قدم نسخة جديدة لما حدث داخل القنصلية السعودية في إسطنبول تناقض في جوانبها الرئيسية التفسيرات السابقة. الأمر الذي دفع بوكالة الأناضول التركية التي كانت تعد نفسها المصدر الوحيد لتدفق القصص عن مصير خاشقجي، إلى الاستعانة بتقرير رويترز وإعادة بثه.

وطالب مراقبون إعلاميون الرياض منذ البداية بأن تكون مصدرا إعلاميا مفيدا في نشر المعلومات بغية تفنيد القصص الشائعة والغامضة خاصة وأن قضية خاشقجي هي شأن داخلي يخص المملكة وخبر سعودي أساسا، وبالتالي السعودية هي الأولى بشرح ملابسات الحادثة قبل التحقيق التركي الذي سقط في فخ التسييس إضافة إلى قطر التي وجدت من خلال القضية فرصة سانحة للانتقام من المقاطعة الخليجية، والإثنان حاولا استغلال الحادثة للضغط على الرياض.

وفي الوقت الذي تواجه فيه السعودية تشكيكا دوليا في روايتها بشأن وفاة خاشقجي، بددت وكالة رويتزر هذه الشكوك استنادا إلى مصدر سعودي قدم نسخة جديدة لما حدث داخل القنصلية السعودية في إسطنبول تناقض التفسيرات السابقة.

وتتضمن أحدث رواية قدمها المسؤول السعودي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لرويترز، تفاصيل عن كيف هدد فريق من 15 سعوديا، أرسلوا للقاء خاشقجي في 2 أكتوبر، وقاموا بتخديره وخطفه قبل أن يقتلوه في شجار عندما قاوم. ثم ارتدى أحد أفراد الفريق ملابس خاشقجي ليبدو الأمر وكأنه غادر القنصلية.

بمجرد أن تبين من أن التقارير المبدئية كانت كاذبة حتى بدأت الرياض تحقيقا داخليا ومازال التحقيق مستمرا

وبعد نفي أي تورط في اختفاء خاشقجي (59 عاما) لمدة أسبوعين، أوضحت المملكة السبت أنه توفي في شجار داخل القنصلية. وبعد ذلك بساعة عزا مسؤول سعودي آخر الوفاة إلى الخنق وهو ما كرره المسؤول الكبير.

واستعانت الأناضول بتقرير رويترز وقالت في تقرير نشرته الأحد أن الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، قتل داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، جراء “كتم النفس”، وتجاوز فريق التفاوض معه الصلاحيات و”خالف الأوامر”، وهو ما يكشف ضمنيا أنها لم تكن واثقة من التحقيقات التركية وأنها وقعت في فخ التسييس ولم تكن المعلومات التي قدمتها سوى حملة إعلامية شرسة لاستهداف السعودية وتشويه صورتها أمام الرأي العام الدولي.

وكان مسؤولون أتراك قد زعموا أن جثة خاشقجي، المنتقد البارز لسلطات بلاده والذي كان يكتب عمودا في صحيفة واشنطن بوست، قُطعت لكن المسؤول السعودي قال إنه تم لفها في سجادة وتسليمها “لمتعاون محلي” للتخلص منها. وردا على سؤال عن مزاعم تعذيب خاشقجي وقطع رأسه قال المسؤول إن “النتائج الأولية للتحقيق لا تشير إلى ذلك”.

وقدم المسؤول السعودي ما قال إنها وثائق مخابرات سعودية تكشف في ما يبدو عن خطة لإعادة المعارضين بالإضافة إلى الوثيقة التي تخص خاشقجي. كما عرض شهادة من أشخاص ضالعين في ما وصفه بتغطية الفريق الذي ذهب للقاء خاشقجي، لما حدث والنتائج الأولية لتحقيق داخلي. ولم يقدم دليلا لإثبات نتائج التحقيق والأدلة الأخرى.

وهذه أحدث نسخة من الرواية السعودية لما حدث والتي تغيرت عدة مرات. وقد استنكرت السلطات في البداية تقارير اختفاء خاشقجي داخل القنصلية ووصفتها بالكاذبة وقالت إنه غادر المبنى بعد قليل من دخوله. وحينما ذكرت وسائل الإعلام بعد بضعة أيام أنه قُتل هناك وصفت الرياض الاتهامات بأنها “لا أساس لها”.

وردا على سؤال من رويترز عن لماذا يتغير تفسير الحكومة لموت الصحافي باستمرار قال المسؤول إن رواية الحكومة الأولى استندت إلى معلومات خاطئة قدمتها جهات داخلية في ذلك الوقت. وقال المسؤول إنه بمجرد أن تبين من أن التقارير المبدئية كانت كاذبة حتى بدأت الرياض تحقيقا داخليا وتوقفت عن الإدلاء بالمزيد من التصريحات، مضيفا أن التحقيق مازال مستمرا.

وتقول مصادر تركية إن لدى أنقرة تسجيلا صوتيا يشير إلى مقتل خاشقجي داخل القنصلية لكنها لم تكشف عنه، وتضع الرواية السعودية الجديدة تركيا في التسلل، خاصة أنها كانت تريد أن تقدم هي التحقيقات وأن تستثمرها في الضغط على الرياض.

التحقيق مستمر
التحقيق مستمر

وأرسلت المملكة وفدا رفيع المستوى إلى إسطنبول، الثلاثاء الماضي، وأمرت بإجراء تحقيق داخلي، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب السبت، التفسير الذي قدمته الرياض “معقول” فيما وصفت ألمانيا وفرنسا التفسير السعودي بأنه غير كاف.

ووفقا لأحدث نسخة من الرواية، كشف المسؤول أن الحكومة السعودية أرادت إقناع خاشقجي، الذي انتقل للإقامة في واشنطن قبل عام خوفا من الانتقام بسبب آرائه، بالعودة إلى المملكة كجزء من حملة للحيلولة دون تجنيد أعداء البلاد للمعارضين السعوديين.

وأضاف المسؤول أنه من أجل ذلك شكل نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري فريقا من 15 فردا من الاستخبارات والأمن للذهاب إلى إسطنبول ومقابلة خاشقجي في القنصلية ومحاولة إقناعه بالعودة. وقال المسؤول إن هناك أمرا دائما بالتفاوض على عودة المعارضين بطريقة سلمية مضيفا أن “أمر العمليات يمنحهم سلطة التصرف دون الرجوع للقيادة”. وأضاف أن “عسيري كون الفريق” وأن المستشار بالديوان الملكي “سعود القحطاني شارك في إعداد العملية”. وتابع أن القحطاني وافق على أن يدير أحد موظفيه المفاوضات.

شجار

قال المسؤول إنه وفقا للخطة كان الفريق سيحتجز خاشقجي في مكان آمن خارج إسطنبول لبعض الوقت ثم يفرج عنه إذا رفض في نهاية الأمر العودة إلى السعودية. وأضاف أن الأمور ساءت من البداية إذ أن الفريق تجاوز التعليمات ولجأ سريعا للعنف.

ووفقا لرواية الحكومة تم توجيه خاشقجي إلى مكتب القنصل العام حيث تحدث أحد أفراد الفريق ويدعى ماهر مطرب معه عن العودة إلى السعودية. وقال المسؤول إن خاشقجي رفض وأبلغ مطرب أن شخصا ما ينتظره بالخارج وسيتصل بالسلطات التركية إذا لم يظهر خلال ساعة.

وكانت خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي قالت لرويترز إنه كان قد سلمها هاتفيه المحمولين وطلب منها أن تنتظره وتتصل بمساعد للرئيس التركي إذا لم يعد. وفي داخل القنصلية، وفقا لرواية المسؤول، قال خاشقجي لمطرب “هذا الأمر مخالف للأعراف الدبلوماسية والأنظمة الدولية. ماذا ستفعلون بي هل لديكم نية لخطفي؟”.

وردّ مطرب “نعم سنخدرك وسنقوم باختطافك” وهو ما وصفه المسؤول بمحاولة تخويف تخالف هدف المهمة. وعندما رفع خاشقجي صوته أصيب الفريق بذعر. ووفقا لرواية الحكومة حاولوا أن يسكتوه وكتموا أنفاسه.

وقال المسؤول “نتيجة إصرار جمال على رفع صوته وإصراره على مغادرة المكتب حاولوا تهدئته لكن تحول الأمر إلى عراك بينهم… ما اضطرهم لتقييد حركته وكتم نفسه”. وأضاف “حاولوا أن يسكتوه لكنه مات. لم تكن هناك نية لقتله”. وردا على سؤال حول ما إذا كان الفريق خنق خاشقجي قال المسؤول “إذا وضعت شخصا في سن جمال في هذا الموقف سيموت على الأرجح”.

الجثة المفقودة

التحقيق مستمر

قال المسؤول إنه ولتغطية الجريمة لف الفريق جثة خاشقجي في سجادة وأخرجوها في سيارة تابعة للقنصلية وسلموها “لمتعاون محلي” للتخلص منها. وأضاف أن صلاح الطبيقي خبير الأدلة الجنائية والطب الشرعي حاول إزالة أي أثر للحادث.

وكان مسؤولون أتراك قد أبلغوا رويترز أن قتلة خاشقجي ربما ألقوا أشلاءه في أحراش بلغراد المتاخمة لإسطنبول وفي موقع ريفي قرب مدينة يلوا التي تبعد بالسيارة عن جنوب إسطنبول مسافة 90 كيلومترا. وقال مسؤول كبير إن المحققين الأتراك سيعرفون على الأرجح ما حدث للجثة خلال فترة “غير طويلة”.

وقال المسؤول السعودي إن المتعاون المحلي يقيم في إسطنبول ولم يكشف عن جنسيته. وأضاف أن المحققين يحاولون معرفة مكان الجثة.

وفي الوقت ذاته ارتدى أحد أفراد الفريق ويدعى مصطفى المدني ملابس خاشقجي ونظارته وساعته الأبل وغادر من الباب الخلفي للقنصلية في محاولة لإظهار أن خاشقجي خرج من المبنى. وتوجه المدني إلى منطقة السلطان أحمد حيث تخلص من المتعلقات.

وقال المسؤول إن الفريق كتب بعد ذلك تقريرا مزورا لرؤسائه قائلا إنه سمح لخاشقجي بالمغادرة بعد أن حذر من أن السلطات التركية ستتدخل وأنهم غادروا البلاد سريعا قبل اكتشاف أمرهم.

ويتساءل متشككون عن سبب مشاركة مثل هذا العدد الكبير وبينهم ضباط بالجيش وخبراء في الطب الشرعي متخصصون بالتشريح في العملية، إذا كان الهدف هو إقناع خاشقجي بالعودة إلى السعودية بإرادته. وقال المسؤول إن جميع أفراد الفريق ومجموعهم 15 شخصا اعتقلوا ويجري التحقيق معهم إضافة إلى ثلاثة أشخاص مشتبه بهم آخرين.

7