السعودية تزيد جرعة الحوافز لتبديد تلكؤ الشركات العالمية

الرياض - أعلنت السعودية، الثلاثاء، أنها ستمنح إعفاءات ضريبية لمدة 30 سنة لكل شركة متعددة الجنسيات تقيم مقرها الإقليمي في السعودية، وذلك في إطار برنامج أطلقته المملكة بهدف تنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم، يبدو حسب محللين، أنه لم يستهو الكثير.
ويقول محللون إن جرعة الإغراءت والحوافز السعودية التي تأتي قبل شهر على انتهاء مهلة افتتاح المقرات الرسمية للشركات الأجنبية في الرياض مع بداية يناير القادم، تعكس تلكؤا من قبل أصحاب الشركات.
ويُنظر إلى برنامج “جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية” الذي أطلقته السعودية في فبراير 2021 على أنّه محاولة من المملكة لمنافسة جارتها الإمارات، وتحديدا إمارة دبي التي أصبحت المركز المفضل للمقرات الإقليمية للشركات العالمية ورائدة في استقطاب المستثمرين الأجانب والشركات والمؤسسات العالمية لإنشاء مركز اقتصادي في المنطقة.
إعفاءات ضريبية لـ30 سنة لكل شركة عالمية وإعفاء لمدة 10 سنوات من كوتا وظائف المواطنين السعوديين
وتستخدم العديد من الشركات الأجنبية منذ سنوات الإمارات كنقطة انطلاق لعملياتها الإقليمية، بما في ذلك عملياتها في السعودية.
وتضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقرات إقليمية لحوالي 346 شركة عالمية، لا يتجاوز نصيب السعودية منها 7 في المئة.
وحسب البرنامج السعودي، فإن الشركات العالمية التي لا يوجد مقرها الإقليمي في السعودية بداية من يناير 2024 تخاطر بخسارة العقود الحكومية.
وتُعرّف الرياض المقر الإقليمي لشركة ما بأنه مكتب يقدّم “الدعم والإدارة والتوجيه الإستراتيجي لفروعها والشركات التابعة لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، بحسب وزارة الاستثمار.
ودعمت إصلاحات ونمو الاستثمار الخاص في قطاعات جديدة النمو الاقتصادي غير النفطي في المملكة، وهو عنصر أساسي في رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد التي يشرف عليها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وضخت المملكة مئات المليارات من الدولارات في رؤية 2030، وهي إستراتيجية واسعة النطاق لتنويع مصادر دخلها بعيدا عن الهيدروكربونات، بقيادة صندوق الاستثمارات العامة في السعودية الذي تبلغ قيمة أصوله 700 مليار دولار بهدف تنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن النفط.
والثلاثاء، قالت وزارة الاستثمار في بيان إن حزمة الإعفاء الضريبي تهدف إلى “تشجيع وتيسير إجراءات افتتاح الشركات العالمية لمقراتها الإقليمية في المملكة العربية السعودية”.
وأوضحت أن “حزمة الإعفاء الضريبي للمقرات الإقليمية لمدة 30 سنة تشمل نسبة صفر في المئة لكل من: ضريبة الدخل على كيانات المقرات الإقليمية، وضريبة الاستقطاع للأنشطة المعتمدة للمقرات الإقليمية”.
وأضافت أن “الشركات العالمية ستستفيد من حزمة الإعفاءات الضريبية من تاريخ إصدار ترخيص المقر الإقليمي”.
ونقل البيان عن وزير المالية محمد الجدعان قوله إن “الإعفاءات الضريبية الجديدة، الممنوحة على أنشطة المقر الإقليمي، ستمنح المقرات الإقليمية للشركات العالمية في المملكة المزيد من وضوح الرؤية والاستقرار”.
وأضاف أن هذا الأمر سيعزز قدرات هذه الشركات “على التخطيط المستقبلي، المتعلق بتوسيع أعمالها في المنطقة، انطلاقا من المملكة، مع المشاركة، أيضا، في مسيرة التنمية والتحول التي نشهدها في المملكة”.
ومن جهته، قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، وفقا للبيان، إن البرنامج أسهم حتى اليوم “في جذب أكثر من 200 شركة”.
ويتضمن البرنامج سلسلة مزايا وحوافز من بينها إمكانية حصول الشركة على عدد غير محدود من تأشيرات العمل وإعفائها لمدة 10 سنوات من الشرط المفروض على سائر الشركات لتخصيص نسبة محددة (كوتا) من وظائفها لمواطنين سعوديين.
لكن محللين يتساءلون عما إذا كان تهافت الشركات العالمية على نقل مقراتها الإقليمية إلى السعودية سببه رغبة هذه الشركات في الاستفادة فعلا من مزايا تفاضلية تقدمها الرياض أم مجرد محاولة منها لتلبية شرط مفروض عليها للحصول على عقود حكومية في المملكة.
وكانت بعض الشركات العالمية، قد أثارت عدة مخاوف من نقل مقراتها الإقليمية إلى السعودية، بسبب بعض النظم، ومنها الضرائب.
ويقول الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن روبرت موغيلنيكي إنه لا تزال توجد حزمة مخاوف لدى الشركات متعددة الجنسيات، بينما يقترب الموعد النهائي للبرنامج السعودي الخاص بنقل المقرات الإقليمية لهذه الشركات إلى العاصمة الرياض في الأول من يناير المقبل.
المملكة تضخ مئات المليارات من الدولارات في رؤية 2030، وهي إستراتيجية واسعة النطاق لتنويع مصادر دخلها بعيدا عن الهيدروكربونات
ومتحدثا عن احتمال تأثر برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية سلبا، قال موغيلنيكي إنه “يخيم على المنطقة شعور بعدم الارتياح جراء الصراع بين إسرائيل وحركة حماس”، في إشارة إلى حرب مدمرة يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
واستدرك “لكن ثمة توقعات بأن الاقتصادات في السعودية ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى (السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان) ستظل صامدة حتى في ظل انتشار الصراع”.
وقال إنه “من المتوقع أن يصل العجز المالي (في السعودية) لعام 2023 إلى نحو 22 مليار دولار، وإلى حوالي 21 مليار دولار لعام 2024، غير أن المسؤولين أقل قلقا بشأن تأثير العجز (على الإنفاق الحكومي) على المدى القصير”.
وأوضح موغيلنيكي أن “بعض الشركات العاملة في الصناعات الحساسة إستراتيجيا، مثل الدفاع والأمن والتكنولوجيا والتعاقدات الحكومية، قد تواجه صعوبات في إدارة عملياتها على مستوى المنطقة من مقرها الرئيسي في السعودية”.
وأضاف أن “شركات أجنبية أخرى لا تزال تتساءل: كيف يمكن أن يؤثر مقرها الإقليمي الموجود مسبقا في الشرق الأوسط خارج منطقة الخليج، على أهليتها للفوز بعقود الحكومة السعودية”.
واستطرد “ويمكن أن تشكل العديد من القضايا الفرعية عقبات أمام إقناع كبار الموظفين بالعمل في المقر الجديد بالسعودية، خاصة إذا كانوا سينتقلون مع عائلاتهم، إذ تعد جودة وتوافر المدارس الدولية للأطفال أحد الاهتمامات الرئيسية”.