السعودية تحتفي بـ"سفينة الصحراء" في يومها العالمي

شاركت السعودية في الاحتفاء باليوم العالمي للإبل، مؤكدة مكانتها التراثية والاقتصادية، ويُبرز الحدث دور المملكة في حفظ الموروث، وتنظيم مهرجانات كبرى كـ"مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل"، إضافة إلى اكتشافات أثرية تؤكد عمق العلاقة التاريخية بالإبل.
الرياض – شاركت المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي في الاحتفاء بـ”اليوم العالمي للإبل”، الذي يُصادف 22 يونيو من كل عام، وذلك بعد أن أقرّته الأمم المتحدة ضمن أيامها العالمية، اعترافًا بمكانة الإبل التاريخية والثقافية والاقتصادية، ودورها في تحقيق الأمن الغذائي وتنمية المجتمعات الرعوية.
ومنذ القدم، ارتبط الجمل، الملقب بـ”سفينة الصحراء”، بالجزيرة العربية وإنسانها؛ فقد كان رفيق البدوي في حِلّه وترحاله، يشقّ عباب رمال الصحراء على ظهر ناقته أو بعيره، تمامًا كما تشقّ السفن عباب الأمواج المتلاطمة في أعالي البحار. وقد اعتمد الإنسان عليه غذاءً من لحمه وحليبه، وكساءً من وبره، ليظل الجمل عنصرًا أساسيًا في مشهد الصحراء وحياة الترحال، التي عاشتها أجيال متعاقبة في الجزيرة العربية، وفي المملكة على وجه الخصوص.
وتُعد الإبل من أهم عناصر التراث الثقافي الذي أولته الدولة اهتمامًا كبيرًا، لارتباطها الوثيق بحياة المجتمع السعودي، حيث ظل أبناء المملكة وأهل الجزيرة العربية يعتزون بهذا الإرث، ويحرصون على نقله حيًا من جيل إلى جيل.
واشتهر الجمل باسم “سفينة الصحراء” نظرًا إلى قدرته الفائقة على التأقلم مع الظروف البيئية القاسية، التي يندر فيها العشب والماء. ويتميّز الجمل بقدرته على تحمّل العطش الشديد، بفضل خصائصه الفسيولوجية التي تمكّنه من تقليل فقد الماء في أنسجته، حيث لا يفقد من سائله الدموي إلا نسبة ضئيلة. كما يستطيع تحمّل فقدان ما يصل إلى 30 في المئة من ماء جسده، في حين أن الكائنات الأخرى قد تموت إذا تجاوزت نسبة الفقد 20 في المئة.
وقد أوضحت دراسة نُشرت في دورية “نيتشر” العلمية عام 2021، أن كليتي الجمل العربي تلعبان دورًا أساسيًا في مساعدته على التكيف مع الجفاف، عبر إنتاج بول عالي التركيز يمنع فقدان السوائل، ما يتيح له البقاء دون ماء لأسابيع.
ويُطلق على الذكر اسم “الجمل”، والأنثى “ناقة”، أما القطيع فيُعرف بـ”الإبل”، والصغير يُسمى “الحوار” قبل الفطام، و”الفصيل” بعده. وتنقسم الإبل إلى نوعين: إبل ذات سنام واحد، وتعيش في مناطق شمال أفريقيا والصحراء الكبرى والشرق الأوسط وصحراء الربع الخالي، وإبل ذات سنامين، وتنتشر في آسيا الوسطى.
ويقول عيسى شريم المشفى، أحد محبي وملاك الإبل في منطقة الجوف، إن العلاقة بين الإنسان والإبل قديمة جدًا، وتصل إلى درجة من الألفة تجعل الجمل يميّز صوت صاحبه وحتى صوت سيارته. ويضيف أن الإبل نوعان: “المجاهيم” وهي ذات لون أسود، و”المغاتير”، وتشمل الوضح، والشقح، والشعل، والحمر، والصفر، وتُعرف أعدادها بمصطلحات مثل: الزود، والمتن، والهابط.
وأشار المشفى إلى أن الإبل حظيت باهتمام خاص من الحكومة السعودية من خلال إقامة المهرجانات والسباقات، لافتًا إلى أن منطقة الجوف شهدت إنشاء ميدان للهجن في مدينة سكاكا منذ نحو عام 1390 هـ، حيث كان عضوًا في إحدى اللجان المنظمة آنذاك.
وأضاف أن مهرجانات الإبل وندواتها تُقام في مختلف مناطق المملكة، وتتناول أنواعها وطرق تربيتها وكل ما يتعلق بها، مؤكدًا أن الإبل كانت مرتبطة بفريضة الحج، إذ كان الحجاج يأتون إلى مكة المكرمة على ظهورها من مختلف أنحاء الجزيرة، والعراق، والشام.
ووثّقت الاكتشافات الأثرية الحديثة العلاقة العميقة بين إنسان الجزيرة العربية والجمال، حيث تم العثور في منطقة سكاكا بالجوف على موقع أثري سُمّي بـ”موقع الجمل”. وكشفت دراسة علمية أن الموقع يضم 21 نحتًا مجسمًا، منها 17 نحتًا لجمال واثنان من فصيلة الخيليات، ويُرجّح أن يكون أقدم موقع في العالم لنحت الحيوانات المجسّمة بالحجم الطبيعي.
وتُشير الدراسة إلى أن الموقع يعود إلى العصر الحجري الحديث، ويُقدّر عمره ما بين 5200 و5600 سنة قبل الميلاد، ما يدل على قدم وجود الإبل في الجزيرة العربية.
وتحتضن المملكة سنويًا مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، الذي ينظمه نادي الإبل، في أرض الصياهد، على بُعد 120 كيلومترًا شمال شرق الرياض. ويهدف المهرجان إلى تأصيل الاهتمام بالإبل كموروث أصيل في الثقافة السعودية والعربية، وتشجيع المحافظة على السلالات المتميزة وتنميتها.
وتُعد جائزة الملك عبدالعزيز لمزايين الإبل انعكاسًا لحجم هذا الاهتمام، ولما تمثّله الإبل من قيمة ثقافية واقتصادية وحضارية في المجتمع السعودي.
يُذكر أن منطقة الجوف كانت أول من احتضن سباقًا للهجن على مستوى المملكة، وذلك في عام 1383 هـ، حين دُشّن السباق من قبل أمير المنطقة آنذاك.