السعودية تحتاج إيرادات نفطية عالية لاستعادة عافيتها المالية

تؤثر تقلبات أسعار النفط على خطط الحكومة السعودية الاقتصادية والإنفاق المستقبلي. ونظراً إلى أن النفط يشكل المصدر الرئيسي لإيرادات المملكة، فإن انخفاض الأسعار عن المستوى المطلوب لتحقيق التوازن المالي يضغط على الحكومة السعودية لتنفيذ مشاريع رؤية 2030 الطموحة.
الرياض - مع تقدّم المملكة العربية السعودية في مبادرة رؤية 2030 لبناء مدن ومنتجعات مستقبلية كبيرة، ستحتاج أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم إلى زيادة الاقتراض، حيث لا تزال أسعار النفط أقل بنحو 20 دولارا للبرميل عن المستوى المطلوب لتعديل الموازنة السعودية.
وبدأت المملكة، التي تقود تخفيضات إنتاج أوبك+ وتُصمّمها، بتخفيف هذه التخفيضات بشكل طفيف في 1 أبريل، تماشيا مع خطة الكارتل لإضافة 138 ألف برميل يوميا إلى الإمدادات هذا الشهر.
وقد يضغط ارتفاع إنتاج أوبك+ هذا العام على أسعار النفط، التي استقرت مؤخرا في نطاق 70 دولارا للبرميل، أي أقل بكثير من الـ91 دولارا للبرميل التي يُقدّر صندوق النقد الدولي أنها ضرورية لتحقيق التعادل في موازنة المملكة.
وتقول الباحثة الاقتصادية تسفيتانا باراسكوفا في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إنه مع تواصل حالة الغموض المحيطة بالتجارة العالمية والنمو الاقتصادي والطلب على النفط، قد تواجه السعودية فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط عن نقطة التعادل، ما يستلزم زيادة الدين العام.
ويُشير المحللون إلى أن الاقتراض سيكون ضروريا لتمويل النفقات المخطط لها، وإلا فقد تواجه بعض المشاريع الضخمة وبرامج رؤية 2030 تأخيرات أو تخفيضات في حجمها.
وبالإضافة إلى ذلك خفّضت شركة أرامكو، عملاق النفط ومصدر الدخل الرئيسي للمملكة، توزيعات أرباحها مؤخرا، ما أثر بشكل أكبر على إيرادات السعودية (أكبر مساهم في أرامكو).
وتتوقع السعودية في بيان موازنتها لعام 2025 إنفاقا إجماليا قدره 342 مليار دولار (1.285 تريليون ريال سعودي)، في ظل استمرارها في الاستثمار في جهود تنويع الاقتصاد بعيدا عن عائدات النفط التي تُمثل حوالي 61 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية.
ومن المتوقع أن تبلغ الإيرادات 316 مليار دولار (1.184 تريليون ريال)، وهو ما سيخلق عجزا قدره 27 مليار دولار (101 مليار ريال سعودي)، أي ما يعادل 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأعلنت وزارة المالية في نوفمبر أن الحكومة ستواصل تمويل ودعم تنفيذ البرامج والمبادرات ومشاريع التحول الاقتصادي المتوافقة مع رؤية السعودية 2030، مع الحفاظ على كفاءة الإنفاق والاستدامة المالية على المدى المتوسط وكذلك الطويل.
ولمعالجة العجز تخطط السعودية للتوجه نحو المزيد من الديون هذا العام، بهدف الاستفادة من فرص السوق المتاحة لتنفيذ عمليات مالية حكومية بديلة تعزز النمو الاقتصادي، كالإنفاق الموجه نحو الإستراتيجيات والمشاريع الكبرى وبرامج رؤية 2030.
ومن المتوقع أن يبلغ الدين العام 29.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2025، مشكّلا ارتفاعا من 29.3 في المئة خلال 2024.
وستواصل المملكة الاستفادة من أسواق الدين واستكشاف خيارات تمويل أخرى هذا العام، حيث تُقدر احتياجاتها التمويلية لسنة 2025 بنحو 37 مليار دولار (139 مليار ريال) لتغطية العجز ومواصلة سداد الديون المستحقة.
ومن المرجح أن تكون متطلبات التمويل هذه أعلى من تقديرات يناير، حيث أعلنت أرامكو في أوائل مارس أن توزيعاتها ستنخفض بنسبة 30 في المئة هذا العام.
كما أعلنت عن توزيعات أرباح إجمالية متوقعة بقيمة 85.4 مليار دولار لعام 2025. ويمثل هذا انخفاضا بنحو 30 في المئة مقارنة بأرباح العام الماضي البالغة 124 مليار دولار والتي تضمنت ما يقرب من 43.1 مليار دولار من الأرباح القائمة على الأداء.
وستشهد السعودية، التي تسيطر بشكل مباشر على أرامكو من خلال حصة مباشرة تبلغ 81.5 في المئة بالإضافة إلى حصة صندوق الاستثمارات العامة البالغة 16 في المئة، انخفاض الدخل بسبب انخفاض توزيعات الأرباح لسنة 2025.
ومع اتساع العجز الناتج عن انخفاض توزيعات أرباح أرامكو، تتمتع السلطات السعودية بالمرونة اللازمة لتعديل الاستثمارات، وفقا لما ذكرته وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الشهر الماضي.
وتتوقع فيتش أن تخفض الحكومة السعودية الإنفاق الرأسمالي والإنفاق الجاري المرتبط به هذا العام، مشيرة إلى أن مراجعات المشاريع الجارية تسببت مؤخرا في تقليصات وتغيير بعض الجداول الزمنية.
وفي حين قد تخفف مثل هذه التعديلات في الموازنة من تأثير أسعار النفط المنخفضة على الاقتصاد السعودي، فإن فيتش تحذر من أنها قد تساهم كذلك في إبطاء التقدم في تقليل اعتماد الاقتصاد على النفط من خلال مبادرات التنويع.
ومن المفارقات أن جهود المملكة لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط تتطلب طلبا مستداما على المادة نفسها وبقاء أسعارها مرتفعة نسبيا.
وتشهد أسواق النفط وأسعاره تقلبات غير مسبوقة هذا العام، مع سعي الإدارة الجديدة في واشنطن إلى فرض هيمنة أميركية من خلال فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين الرئيسيين وإعادة تشكيل الدبلوماسية الخارجية.
وقد تُثقل الرسوم الجمركية كاهل الاقتصادات، بما في ذلك اقتصادا الولايات المتحدة والصين. وسيضعف الطلب على النفط إذا تباطأت هذه الاقتصادات، وستنخفض أسعاره، وهو ما يُقلل من عائدات النفط في الرياض.
وأشار استطلاع أجرته رويترز إلى أن أسعار النفط قد تبقى محدودة بسبب زيادات إنتاج أوبك+ وضعف توقعات الطلب نتيجة السياسات التجارية الأميركية والمخاطر الاقتصادية.
وتُقارب أسعار النفط اليوم 70 دولارا للبرميل، وتشمل الخيارات السعودية المؤقتة إما زيادة الاقتراض لتمويل مشاريع ضخمة أو تأجيل بعض الخطط.