السعودية تتبنى مشروعا لتحسين مستوى التعامل مع وباء العصر الحديث

ينعكس اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على المجتمع كاملا باعتباره يؤثر على جميع مجالات الحياة، ومع ازدياد الإصابات بهذا الاضطراب، تعمل السعودية على تحسين الاستجابة له وتوفير البرامج والخدمات التخصصية بالكفاءة العالية لمواجهته.
الرياض - تزايد اهتمام الباحثين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وتبعاته على المجتمع السعودي، باعتباره وباء العصر الحديث الذي يرتبط بنمط الحياة الاستهلاكي والضغوطات الاجتماعية والنفسية المرافقة لهذا النمط.
ويتساءل معظم الناس عن مصدر مشاكلهم والصعوبات التي تواجههم بسبب الاندفاع والأرق، مع غرقهم في عالم من الرسائل الفورية وألعاب الفيديو والبرامج التلفزيونية السريعة، دون أن يدركوا أنهم ربما يكونون مصابين بهذا الاضطراب.
وكشف استشاري الطب والعلاج النفسي أحمد الهادي أن نسبة المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بلغت 8 في المئة في السعودية. وأضاف الهادي أنه يعتبر ثاني أكثر اضطراب شيوعا في المملكة وهو أكثر من الاكتئاب والرهاب الاجتماعي.
وأردف “توجد دراسات بشأن المسح الوطني للصحة النفسية، وتؤكد نسبة اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وجود ذلك الاضطراب الذي يحتاج تدخلا بشأنه”.
ونظرا إلى ارتفاع نسبة المصابين بهذا المرض لدى البالغين، دعا الهادي إلى تدخل عاجل لمعالجته، وذلك خلال لقاء على برنامج “الراصد” الذي تعرضه قناة “الإخبارية” الرسمية.
وينعكس اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على المجتمع كاملا، باعتباره يؤثر على جميع مجالات حياة الشخص تقريبًا. وهذا يعني أنه في كثير من الأحيان، قد يكون لدى الأفراد المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه نظرة سلبية عن الذات والعالم، مما قد يتسبب أيضًا في الاكتئاب والإحباط.
مشروع المسح الوطني في السعودية هو اللبنة الأولى لقياس تأثيرات وخطورة اضطراب فرط الحركة والعوامل المسببة له
ويرى متخصصون أن ضغوط الحياة والمشاكل النفسية المتعلقة بالعصر الحديث، ساهمت في ازدياد عدد المصابين بهذا الاضطراب الذي يعتبر أساسا من المشاكل النفسية.
وأجرت المراكز المتخصصة في السعودية العديد من الدراسات والبحوث حول هذه الظاهرة، ففي لقاء نظمته مؤخرا ناقشت جمعية “إشراق” مشروع المسح الوطني لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في ظل رؤية 2030.
وأوضحت الأميرة نوف بنت محمد بن عبدالله رئيسة مجلس إدارة جمعية “إشراق” أن المسح الوطني هو أحد مشاريع الجمعية لدعم ذوي اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وتحسين مستوى التعامل مع الذين يعانون منه وتنسيق الخدمات المقدمة لهم والتأكد من استمرار فعاليتها والتي تعمل عليها الجمعية جاهدةً في إيصال وتوفير البرامج والخدمات التخصصية بالكفاءة العالية والجودة المرجوة وفق خطة إستراتيجية وضعتها مرتبطة بشكل مباشر برؤية 2030 (مجتمع حيوي)، ومحققة لمستهدفات برنامج تحول القطاع الصحي أحد البرامج المستحدثة لرؤية المملكة 2030.
وأضافت الأميرة نوف أن الجمعية عملت على مشروع المسح الوطني كأول دراسة مسحية بمنهجية علمية دقيقة بالشراكة مع الهيئة العامة للإحصاء، تشمل جميع السكان لقياس نسبة شيوع الاضطراب في المملكة، علاوة على ذلك هو اللبنة الأولى لقياس تأثيراته وخطورته والعوامل المسببة له.
وقدم رئيس اللجنة العلمية الدكتور محمد القحطاني عرضا مرئيا عن مشروع المسح الوطني لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تضمن مراحل المشروع حول تشكيل الفريق العلمي الذي يضم 22 عضوًا من مختلف التخصصات، والجهات المعنية المشاركة بإجراء المسح الميداني.
وساهم المسلسل المصري “خلي بالك من زيزي” في زيادة الوعي بخصوص الاضطراب، وكان هذا هو الوقت الذي عرف فيه البعض عن تشخيصه.
وجاء المسلسل نتاج تجربة شخصية لصاحبة فكرة العمل السيناريست منى الشيمي التي عانت من عدم تقبل المجتمع لها لسنوات طويلة بسبب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
8
في المئة نسبة المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في السعودية
وقال فنانون وأطباء نفسيون إن المسلسل المصري “خلي بالك من زيزي” نجح في تغيير الصورة النمطية للمريض النفسي، والتي انتشرت عبر أعمال فنية سابقة على مدار سنوات طويلة، إذ قدمه بشكلٍ أقرب إلى الواقعية.
ويقول المتخصصون إن نقص الانتباه وفرط النشاط لا يعد مرضا، ولكنه اضطراب في هرمونات المخ، واضطراب في طريقة توصيل أجزاء المخ للمعلومات، واضطراب في التعامل.
وتوجد ثلاثة أنواع من نقص الانتباه وفرط النشاط، فهناك من يعاني من فرط الحركة، ومن يعاني من تشتت الانتباه، ومن يعاني من الاثنين معا. وبجانب هذه الأعراض، يعاني المشخصون بالاضطراب من أعراض أخرى في حياتهم اليومية مثل الأرق والنشاط ليلا ومقاطعة الآخرين والتحدث كثيرا، وصعوبة ترتيب الأفكار والحوارات، وضعف في الذاكرة قصيرة المدى ما يؤدي إلى نسيان الأشياء والأسماء والأرقام والأماكن، وقلة الصبر وعدم القدرة على إنهاء المهام قبل بدء غيرها، وعدم القدرة على القيام بالأعمال الروتينية.
وأكد مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض أن نسبة إصابة الأطفال باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تبلغ ما بين 3 و5 في المئة على المستوى العالمي.
وبين أن هذا الاضطراب يتكون من شقين: أولا فرط الحركة، وينتهي بانتهاء فترة الطفولة، وثانيا تشتت الانتباه الذي قد يستمر حتى الكبر، وتظهر أعراضه في الاندفاع وتشتُّت الانتباه، والميل إلى عدم تقدير الذات، والفشل الأكاديمي والوظيفي، والتعرض لتزايد خطر تعاطي الكحول والمخدرات وغيرها من السلوكيات المنحرفة.
وشددت البروفيسورة المساعدة واستشارية الصيدلة الإكلينيكية في مجمع إرادة بالرياض الدكتورة هديل بنت فخري دغش على أنه لا يمكن اعتبار الطفل مصابا بتشتت الانتباه إلا عندما يكون غير قادر على تأدية مهامه اليومية في المنزل والمدرسة بشكل مستمر، وصعوبة الحفاظ على التركيز والانتباه، واتباع التعليمات والتوجيهات، والترتيب والتنظيم أو الحفاظ عليهما، إضافةً إلى عدم الإنصات لمن يتحدث معه، وسهولة تشتيته، وكره وتجنب المهام التي تتطلب جهدًا عقليًا وتركيزًا مستمرًا، وفقدان الأدوات بسهولة، ونسيان الأنشطة والمهام اليومية، والتنقل من نشاط أو مهمة إلى أخرى دون إنجاز أي منهما.
فيما تتمثل أعراض فرط الحركة في الصعوبة في البقاء جالسًا لمدة طويلة، والركض والتسلق كثيرًا في أي مكان، والثرثرة والتحدث كثيرًا، والعبث باليدين والقدمين كالتأرجح أثناء الجلوس على الكرسي، وصعوبة المشاركة في الأنشطة بهدوء، والملل بسرعة، والاندفاعية، إضافةً إلى عدم التفكير والاهتمام بعواقب الأمور أو الخوف منها، والتهور والمشاركة في الأنشطة الخطرة دون تردد، وعدم القدرة على كبت ما يريد قوله بغض النظر عمن يتحدث معه، مشددةً على أنه في حال ثبوت الإصابة يخضع الطفل إلى البروتوكولات العلاجية المتبعة، وتشمل العلاج الدوائي، والعلاج السلوكي والتربوي.
وما لا يدركه الكثيرون أن هذا الاضطراب يمتد إلى البالغين، فقد اكتشف علي يوسف وهو في الثلاثين من عمره أن لديه تركيبة دماغية تختلف عن أغلب الناس، حيث تم تشخيصه باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو ما يعرف بـADHD، واكتشف أن نشاط المخ لديه في بعض الأوقات يكون أعلى من المعدلات الطبيعية بعشرات الأضعاف.
وينتشر تشخيص نقص الانتباه وفرط النشاط بشكل كبير حول العالم بين كل الأعمار وإن كان من الأفضل تشخيصه منذ الطفولة. وتقدر الإحصاءات أن معدلاته قد تصل إلى 6 في المئة من الأشخاص.
ويتعامل المجتمع يتباين مع الرجال والنساء المصابين بهذا الاضطراب، إذ يتم الحكم على سلوك الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بقسوة، إذ غالبا ما يتم التسامح مع السلوك الذكوري، فيما تحاول العديد من الفتيات المصابات بالاضطراب إخفاء مشاكلهن وبذل جهد كبير للتخفيف من عوارضه في ظل نقص المساعدة ووجود عقوبات اجتماعية قوية، حيث تميل النساء إلى تطوير إستراتيجيات أفضل للتكيف وإخفاء أعراضهن. ومع ذلك يمكن أن يسبب ذلك إرهاقًا وضيقًا وتأخيرًا في التشخيص. كما أنه يجعل النساء أكثر عرضة لتدني مفاهيم الذات ومستويات عالية من الضيق النفسي.
ويصف كثير من المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة إحساسهم بالاضطراب بأن لديهم عقلا لا يكل ولا يمل، حتى وهم يشعرون بالتعب والإرهاق، فإن عقلهم يعمل بسرعة كبيرة وبدون توقف حول كل الأمور التي يتعاملون معها يوميًا، بغض النظر عن مدى أهميتها أو جدوى التفكير بها.
وقال حسين (اسم مستعار) وهو أحد المشخصين بالاضطراب منذ الطفولة “تخيل أن صوت عقلك عال جدًا، لدرجة أنه يصعب عليك سماع الآخرين أو ملاحظة الكثير مما يدور حولك”.
ويؤدي التعايش مع هذه الأعراض أحيانا إلى التغير المزاجي، وقلة الثقة في القدرات الشخصية.
وكان أصعب ما في التجربة بالنسبة إلى علي هو ضعف الذاكرة قصيرة المدى وتشتت الانتباه، فيقول “أشعر بأنني لم أكن حاضرا حقا في أي لحظة في حياتي”.
ويندرج نقص الانتباه وفرط الحركة في مدرسة علم النفس الأميركية تحت ما يعرف بإعاقات التعلم مع تشخيصات أخرى مشابهة مثل الديسليكسا والديسباركسيا.
ولكن يرى العديد من الخبراء أن المشكلة الحقيقية تكمن في نظم التعليم المصممة خصيصا للمخ العادي.
وتقول أخصائية صعوبات التعلم بجامعة لندن كارول جون إن “أغلب الأنظمة التعليمية التقليدية لا تأخذ في الاعتبار أصحاب تركيبة المخ المختلفة، إذ يجب أن يكون هناك نظام تعليمي متنوع يتناسب مع قدرات الطلاب المختلفة”.
ويتذكر علي تجربته الدراسية، فيقول إنه طالما كان يبكي في المدرسة، فهو لم يكن يسعه أن يجلس في مكانه لساعات مستمعا لدرس تلو الآخر. فكان يفضل المشي والأنشطة.

وعن إمكانية الشفاء من نقص الانتباه وفرط الحركة تقول نهلة قنديل “لا يوجد شفاء، إذا تم تشخيص حالة بفرط الحركة، فلا ينتهي فرط الحركة. ولكن ما يمكن أن يحدث هو تدخلات معينة تجعل الشخص قادرا على التحكم في تصرفاته وسلوكه وفي أدائه اليومي وبالتالي نشعر أن الأعراض بدأت تقل”.
والحل في رأي الطبيبة المصرية يتمثل في ملاءمة أسلوب الحياة مع الاضطراب، حيث تعامل كل حالة وفقا لخصوصيتها والصعوبات التي يواجهها الشخص.
وقال علي “مثلما يقولون، التشخيص هو نصف العلاج، فمجرد فهمي لكيفية عمل مخي، ساعدني ذلك كثيرا في التعايش مع الاضطراب”.
وأثبت ما يعرف بالعلاج السلوكي المعرفي في دول أوروبا فعاليته في تمكين المشخصين بنقص الانتباه وفرط الحركة من التعامل مع أعراض الاضطراب. وهو علاج بالكلام بحيث يتعلم الشخص كيف يمكن أن يحل مشاكله عن طريق تغيير طريقة تفكيره وتصرفاته.
وينصح المشخصون بنقص الانتباه وفرط الحركة بممارسة الرياضة، والاعتماد على الأدوات المكتبية والتكنولوجية في تنظيم الوقت والعمل، كاستخدام التقويم الشخصي، والقارء الصوتي والأقلام الملونة، حيث أن ربط الأشياء بالألوان أو تزويدها بشيء يحرك شعورا ما يساعد على تذكرها أو التركيز فيها.
كما ينصح المشخصون بنقص الانتباه وفرط الحركة بشغل الوظائف الإبداعية، فغالبا ما يتميز المشخصون بنقص الانتباه وفرط الحركة بالشخصيات الإبداعية والقدرة على الابتكار والتفكير غير التقليدي.
كما لدى المشخصين بنقص الانتباه وفرط الحركة أيضا القدرة على التركيز العالي، في حال اهتموا بما يقومون به. كما يتميزون أيضا بارتفاع مستوى الذكاء والقدرة على التصرف في أوقات الضغط وأوقات الكوارث. والجدير بالذكر أن من أشهر المشخصين بنقص الانتباه وفرط الحركة هو العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين صاحب نظرية النسبية.