السعودية تبدأ الخروج من أسر النفط

أكدت تقارير عالمية أن الاقتصاد السعودي بدأ رحلة التعافي والخروج من دائرة الاعتماد على النفط، في ظل مؤشرات على تزايد القروض المصرفية للشركات الخاصة خلال الربع الأول من العام الحالي بأسرع وتيرة لها منذ 2016.
الرياض - أكدت بيانات رسمية وتقارير عالمية أن الاقتصاد السعودي يتجه إلى الانتعاش على أسس أكثر استدامة من أي وقت مضى بسبب الإصلاحات الاستراتيجية التي تقودها الرياض لإعادة هيكلة الاقتصاد.
ويختزل ذلك مؤشر قياس النشاط الاقتصادي، الذي سجل ارتفاعات كبيرة خلال أغلب شهور العام الماضي، إضافة إلى تحسن الإنفاق الاستهلاكي وتحقيق أول فائض في الموازنة خلال الربع الأول من العام الحالي بعد نحو 5 سنوات من تسجيل العجز.
وبحسب وكالة بلومبيرغ فإن المؤشرات المبكرة على تحسن الأداء الاقتصادي تشير إلى أن التراجع الذي أصاب الاقتصاد السعودي في أعقاب انهيار أسعار النفط العالمية خلال النصف الثاني من عام 2014 قد انتهى مع تماسك التعافي التدريجي بفضل زيادة الإنفاق العام.
ورغم أن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، إلا أن القطاعات غير النفطية أصبحت قاطرة لتوفير الوظائف في السنوات المقبلة، في وقت يحاول فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إعادة هيكلة الاقتصاد على أسس مستدامة وشاملة.
لكن استمرار معدل البطالة في السعودية بالقرب من أعلى مستوياته منذ نحو 10 سنوات، لا يزال يشير إلى مدى صعوبة المهمة، التي يواجهها الأمير محمد بن سلمان لتحديث الاقتصاد.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن خديجة حقي مديرة إدارة أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك الإمارات دبي الوطني، قولها إن “البيانات الاقتصادية بدأت ترسم صورة أكثر إيجابية” للاقتصاد السعودي.
وتوقعت أن تنمو القطاعات غير النفطية بنسبة 2.7 بالمئة خلال العام الحالي وهو أعلى معدل نمو لها منذ 4 سنوات، لكنه يظل أقل من متوسط معدل نمو هذه القطاعات خلال الفترة من 2000 إلى 2015 حيث كانت تصل في المتوسط إلى 6.2 بالمئة سنويا.
وسجل مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الإمارات دبي الوطني الذي يقيس النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص غير النفطي أعلى مستوى له منذ الربع الأخير من عام 2017.
لكن بيانات أخرى تشير إلى تراجع التوظيف خلال شهر مارس الماضي بعد وضع المتغيرات الموسمية في الحساب، رغم ارتفاع المؤشرات الفرعية للطلبيات الجديدة والإنتاج، وهو ما يعني، وفق المحللين، أن الارتفاع لم يترجم إلى وظائف جديدة.
وعندما تضرر الاقتصاد السعودي من انهيار أسعار النفط في 2014 سجل الإقراض المصرفي للشركات الخاصة تراجعا مطردا على مدى 13 شهرا على التوالي. ولكن منذ أبريل 2018 بدأت هذه القروض تنمو وتتحسن تدريجيا.
وتقول خديجة حقي “على الأقل لم تعد قروض القطاع الخاص تتراجع… هناك ارتفاع قوي في الإقراض لقطاع التشييد إلى جانب قطاع الصناعات التحويلية وقطاعي النفط والغاز خلال الفصلين الماضيين”.
أما محمد أبوباش المحلل الاقتصادي في بنك الاستثمار إي.أف.جي هيرمس في القاهرة فيقول إن التحسن الحالي في أداء الاقتصاد السعودي هو “تعاف تدريجي للغاية”. ويضيف أن البيانات تشير بشكل عام إلى أن التباطؤ الاقتصادي “وصل نهايته في 2018 ونحن نرى استقرارا في العام الحالي”.
ورغم تراجع السحب من ماكينات الصرّاف الآلي في مارس الماضي، فإن سكان السعودية استخدموا بطاقات الائتمان بما يكفي لارتفاع التعاملات عن طريقها بنسبة 20 بالمئة سنويا، وهو ما يشير إلى تحسن طفيف في الإنفاق الاستهلاكي بعد استئناف الحكومة تقديم المنح المالية لملايين المواطنين.
ونقلت بلومبيرغ عن مونيكا مالك كبيرة خبراء الاقتصاد في بنك أبوظبي التجاري قولها إن الدافع وراء ما يحدث هو “حقيقة أنك لن تواجه نفس التيارات المعاكسة. وقد تأثرت وتيرة التعافي بسبب عوامل أخرى مثل الرسوم التي تقرر فرضها على العمال الوافدين وأفراد أسرهم المقيمين معهم”.
وظهرت التحولات الكبيرة في طي صفحة عجز الموازنة في الربع الأول من العام الحالي وتسجيل فائض بقيمة 7.41 مليار دولار، بدعم من زيادة في الإيرادات النفطية وغير النفطية، وهو أول فائض منذ عام 2014.
وتوقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني الأربعاء، أن ينمو اقتصاد السعودية ما بين 2 إلى 2.5 بالمئة خلال السنوات الخمس المقبلة. وقالت إن “التقدم في خطط الحكومة السعودية لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط يمكن أن يرفع إمكانات النمو على المدى الطويل”.
وتصنف موديز السعودية، العضو الأبرز في منظمة أوبك عند درجة “أي 1” التي تعني جدارة ائتمانية عالية ونظرة مستقبلية مستقرة.
وأشارت إلى أن نقاط القوة الائتمانية في السعودية تشمل “وضعا ماليا قويا… ومخزونات كبيرة من السيولة الأجنبية واحتياطيات كبيرة من النفط بتكاليف استخراج منخفضة وإدارة حكيمة للنظام المالي”.
وأضافت أن “ميزانية الحكومة لا تزال قوية، رغم انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014، الذي دفع الميزانية لتسجيل عجز وتآكل احتياطيات الحكومة، والتوجه نحو إصدار أدوات دين كبيرة”.
وارتفع الدين العام السعودي بنهاية العام الماضي إلى نحو 149 مليار دولار، والدين المحلي إلى نحو 118 مليار دولار، لكنها لا تمثل سوى 36.3 من الناتج المحلي الإجمالي وهي مستويات منخفضة بالمعايير العالمية.
وشددت موديز على أن التحديات الائتمانية لدى السعودية تشمل “تعرضها الاقتصادي والمالي لتقلب أسعار النفط والقضايا الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن النمو السكاني القوي والبطالة المرتفعة”.
وأضافت “رغم أن الحكومة حققت بعض التقدم في خطط الإصلاح الطموحة والشاملة، إلا أن تنفيذها سيشكل تحديا وتأثيرها سيظهر على المدى الطويل”.