السعوديات يمسكن بمقود الحرية

النساء في السعودية يؤسسن أول نادي سيارات لهن بعد عام من القيادة، وعدد السعوديات اللواتي يمتلكن رخصة قيادة قد يصل إلى ثلاثة ملايين امرأة بحلول عام 2020.
الاثنين 2019/06/24
القيادة فن تتقنه النساء

تحتفل السعوديات بأول سنة سياقة لهن، وقد نشرن احتفالاتهن على مواقع التواصل، فهي مناسبة تفتح لهن هامشا من الحرية مع جملة إجراءات الإصلاحات التي تخص الشباب كافتتاح دور السينما وتنظيم الحفلات، كما أنهن أسسن أول نادي سيارات لهن ليكون خطوة تتوج حريتهن في القيادة.

القطيف (السعودية) – تجلس صبيحة الفاخر (68 عاما) خلف مقود السيارة بينما يستقر ابنها في المقعد المجاور، في انقلاب للأدوار لم تتخيّل الأم السعودية أنه سيصبح ممكنا في حياتها.

وحتى 24 من يونيو 2018، لم يكن مسموحا للنساء بقيادة السيارات في المملكة، بعدما اعتبر رجال دين متشدّدون على مدى عقود من الزمن أن السماح بقيادة المرأة للسيارة سيؤدي إلى الاختلاط بين الجنسين.

وبعد رفع الحظر المفروض على قيادة السيارات قبل عام، جلست الآلاف من السيدات خلف المقود، في مشهد يعكس التغييرات الاجتماعية المهمة في
المملكة التي كانت البلد الوحيد في العالم الذي يحظر على النساء قيادة السيارات.

وقالت الفاخر، وهي أم لخمسة أبناء، بينما كانت تقود سيارتها الفضية في شوارع مدينة القطيف شرق المملكة “إلى الآن، لا يمكنني أن أصدّق ذلك”.

يمكن أن تحصل نحو ثلاثة ملايين امرأة في السعودية على رخصة قيادة بحلول 2020 بحسب {برايس واتر هاوس كوبرز} للاستشارات
 

وكان زوجها، الذي توفي قبل نحو عشر سنوات، علّمها سرا القيادة خلال رحلات عائلية إلى مملكة البحرين المجاورة في التسعينات من القرن الماضي.

وحرصت سعوديات على مشاركة مقاطع فيديو وصور لهن وهن يقدن السيارة الخميس الماضي، بعد عام من السماح لهن بالقيادة، موثقين هذه اللحظات بسعادة بالغة، مؤكدات أنهن تنفسن نسيم الحرية بعد هذا القرار.

وأسست سعوديات أول نادي سيارات مخصص للسيدات في المملكة احتفالا بمرور عام على قيادتهن السيارات.

وتقول أمل فرحات، إحدى مؤسسات النادي، “أتيحت لنا الفرصة لقيادة السيارة قبل سنة من الآن، فكانت السنة الماضية استثنائية للآلاف من النساء في جميع أنحاء المملكة، تأسس نادي سيارات فولكس فاغن النسائي ليوحدنا بطريقة لم نكن نتخيلها من قبل، والآن وبعد أن بات بإمكاننا الجلوس خلف عجلة القيادة، أصبحنا نشعر بقوة أكبر وتعززَ شعورنا بالاستقلالية والسيطرة على حياتنا”.

ومنح قرار السماح بقيادة السيارات المرأة السعودية استقلاليتها وأنهى اعتمادها على السائقين أو الأقارب الرجال في التنقل.

وتؤكّد منيرة السناني (72 عاما) وهي تقود سيارتها في مدينة الظهران (شرق) وإلى جانبها زوجها “نشعر بأننا كنّا نعيش في قفص”. وتابعت “يفتح باب القفص، فنحلّق إلى كل مكان”.

مناسبة للاحتفال
مناسبة للاحتفال

وجاءت الخطوة في إطار برنامج إصلاحات طموح يقوده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي تعهّد بالانفتاح والقضاء على التشدّد.

ومع سعي المملكة إلى تنويع اقتصادها المرتهن للنفط، فإن قرار السماح بالقيادة يتيح للسيدات الانضمام إلى سوق العمل الساعي إلى توظيف المواطنين وخصوصا الشباب منهم.

وتشير شركة “برايس واتر هاوس كوبرز” للاستشارات إلى أنّ عدد السعوديات اللواتي يمتلكن رخصة قيادة قد يصل إلى ثلاثة ملايين امرأة بحلول عام 2020.

ولم يفتح سوى عدد قليل من معاهد تعليم قيادة السيارات الأبواب أمام النساء في المدن السعودية، حيث سارعت المتقدّمات إلى تعلّم قيادة السيارات والدراجات النارية أيضا، في مشهد بقي محظورا لعقود من الزمن.

وقبل ذلك اضطرت العديد من الفتيات الى الحصول على رخص قيادة من دول أخرى لكن  ذلك لم يمنحهن الحق في  قيادة السيارات قبل القرار. وافتتحت بعض وكالات السيارات صالات عرض خاصة بالنساء بعد أن شهدت إقبالا ملحوظا خلال العام المنصرم، وتوظيف فتيات سعوديات مؤهلات تم تدريبهن وتعريفهن بالمواصفات ومزايا المركبات، وشرح وسائل السلامة التي تتمتع بها كل مركبة، إضافة إلى أسعار السيارات، ليسهل عليهن إيصال المعلومات للراغبات في شراء السيارات.

وكانت الحكومة استبقت بدء تطبيق قرار قيادة السعوديات للسيارات بتجريم التحرش، وأعلنت عن غرامة بقيمة 300 ألف ريال (نحو 80 ألف دولار) وعقوبة بالسجن تصل إلى خمس سنوات بحق المتحرش، لكن في مجتمع يتمتّع فيه المحافظون بالنفوذ، تقول كثيرات إنّهن تعرّضن للتمييز، وحتى بعض التصرفات العدوانية.

وتزخر وسائل التواصل الاجتماعي بالصور والتعليقات الساخرة التي تلوم السائقات على الازدحام المروري، إلى جانب “النصائح” التي تدعوهن إلى “تجنّب وضع مواد التجميل” أثناء القيادة.

والأخطر من ذلك، وبحسب وسائل إعلام محلية، أشعل عدد من المعارضين لقيادة النساء النيران في مركبة إحدى السيدات في مدينة مكة المكرمة العام الماضي.

وكانت السيدة بحسب التقارير الإعلامية بدأت بالقيادة من أجل توفير بعض المال بعدما كانت تنفق نسبة كبيرة من راتبها من أجل توظيف سائق.

وتحدّثت وسائل الإعلام، منذ تلك الحادثة، عن خمس عمليات حرق لسيارات تقودها نساء في مناطق مختلفة من المملكة.

سنة أولى قيادة
سنة أولى قيادة

وتواجه كثيرات أيضا معارضة من الأقارب الرجال، في دولة يسود فيها نظام “ولاية الرجل” الذي يجبر المرأة السعودية على الحصول على إذن “وليّ أمرها” للقيام بإجراءات عدّة.

وينصّ “نظام الولاية” على حاجة النساء لموافقة الرجال من الأقرباء، الزوج أو الأخ أو الأب أو الابن، للتعلّم، وتجديد جوازات السفر، ومغادرة البلاد.

ولا تحتاج النساء إلى موافقة الأقارب الذكور للحصول على رخصة قيادة، لكن الإجراءات القضائية التي قد تلجأ المرأة إليها في حال منعها من القيادة ليست واضحة.

وتقول الفاخر إنّها سألت عائلتين محافظتين في القطيف “لماذا تقمن بعرقلة الفتيات؟”، مشيرة إلى أنّها اتُهمت “بالتدخل في حياتهن”، وتم إبلاغها بأن الرجال صمّموا على منع بناتهن من القيادة.

السماح للنساء بقيادة السيارات في المملكة سبقته خطوات إصلاحية اجتماعية عديدة، بينها إعادة فتح دور السينما وإقامة فعاليات موسيقية مختلطة، ضمن حملة تغييرات قال وليّ العهد إنها تهدف إلى إعادة المملكة للإسلام المعتدل.

يذكر أنه في يناير 2018، سُمح للنساء بدخول الملاعب الرياضية والجلوس في أماكن مخصّصة لهن وللعائلات للمرة الأولى، بعدما مُنعن من ذلك طيلة عقود.

كما حدّت السعودية من سلطة الشرطة الدينية التي كانت تلاحق النساء اللواتي لم يكنّ يغطين رؤوسهن. وبدأت النساء في السعودية مؤخرا الظهور في الأماكن العامة من دون حجاب.

20