السعوديات: قيادة السيارة لن تكون ترفا اجتماعيا بل رافدا تنمويا

الرياض – شرعت السعودية في إصدار رخص قيادة سيارات للنساء، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من بدء تطبيق قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة، في خطوة تتجاوز بعدها الحقوقي والاجتماعي إلى أبعاد اقتصادية وتنموية.
وتؤكد السعوديات اللاتي يشكلن 50 بالمئة من إجمالي عدد الخريجين في الجامعات، أن قيادة السيارة لن تكون ترفا نخبويا بل رافدا تنمويا، يساعد على تحقيق الذات وتحسين دخل الأسرة والتحرك في سوق العمل، وخطوة ستوفر على السعودية مليارات تذهب تحويلات للسائقين الأجانب سنويا.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية السعودية (واس) “بدأت الإدارة العامة للمرور استبدال الرخص الدولية المعتمدة في المملكة برخص سعودية استعدادا لموعد السماح بالقيادة للمرأة في 24 يونيو الحالي”.
ويشكل السماح للمرأة بقيادة السيارة أحد أعمدة حملة الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في السعودية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضمن رؤية السعودية 2030. وفي إطار هذه الرؤية رفعت السعودية الحظر عن دور السينما، وسمحت بإقامة حفلات يحضرها الرجال والنساء وقلصت سلطة الشرطة الدينية.
وذكرت الوكالة الرسمية أن تسليم الرخص السعودية تم في عدة مدن، وأن إصدارها جاء “بعد التأكد من صحة الرخصة (الدولية) وتقييم مدى قدرة من يرغبن باستبدالها على القيادة من خلال إجراء اختبار عملي”.
10 نساء حصلن على رخصة قيادة ويتوقع أن تحصل ألفا امرأة على رخص الأسبوع المقبل
وقال مركز التواصل الدولي التابع لوزارة الإعلام في بيان إن عشر نساء حصلن على رخصة قيادة سعودية، بينما يتوقع أن تحصل ألفا امرأة على رخص مماثلة الأسبوع المقبل.
وسلطت الكاتبة الفرنسية فلورانس بوجي، في أحدث أعداد نشرية لوموند ديبلوماتيك، الضوء على التغييرات في السعودية، منطلقة من حديث مع طالبة تدرس الهندسة المعمارية في الرياض، عبرت عن وجهة نظر انتشر صداها مؤخرا في كل مكان في السعودية، حين قالت “لقد أصبحنا أخيرا دولة طبيعية”.
وتشير فلورانس بوجي إلى أن “السعودية تتعرض إلى الكثير من الانتقادات، لا سيما بسبب حقوق المرأة، لكن المملكة بدأت في تحمل مسؤولية بعض التغييرات. بدأت تجند النساء في الجيش والشرطة، وكذلك سمحت بإعادة فتح دور السينما بعد حظر دام 35 سنة. لكن ما جذب الاهتمام بشكل أكبر هو إنهاء حظر قيادة النساء للسيارة”.
وفي 26 سبتمبر 2017، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أمرا ملكيا سمح بإعطاء رخص للنساء لقيادة السيارات لأول مرة منذ عقود. وتم تأسيس مدارس لتعليم قيادة السيارات خاصة بالنساء في خمس مدن في أنحاء المملكة.
وتهدف رؤية 2030 إلى تحويل اقتصاد بلاده من اقتصاد ريعي إلى آخر منتج. وتمكين النساء من قيادة السيارات سيمنحهن القدرة على التحرك والانضمام إلى القوة العاملة في البلاد، بعد أن كن يعتمدن على الرجال في تنقلاتهن.
ويجمع الخبراء على أن قرار السماح للنساء بقيادة السيارات سيحقق للاقتصاد السعودي مكاسب كبيرة ويؤدي إلى توسيع مشاركة المرأة في سوق العمل التي يمكن أن تشهد تغييرات واسعة مع انتفاء الحاجة إلى أعداد كبيرة من الوافدين الذين يعملون كسائقين لدى الأسر السعودية.
وسيؤدي رفع نسبة النساء العاملات إلى 30 بالمئة بحلول عام 2030 (15 بالمئة اليوم، و40 بالمئة في باقي دول الخليج) إلى زيادة دخل الأسرة وتحسين معدل النمو واستبدال الـ 11 مليون أجنبي ممن يعملون في القطاع الخاص.
وقالت مونيكا مالك كبيرة خبراء الاقتصاد لدى بنك أبوظبي التجاري إن “انتفاء الحاجة إلى سائق للأسرة، حتى إذا لم تكن المرأة تعمل، سيساهم في تعزيز الدخل الحقيقي للأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض”.
كما يشير الخبراء إلى أن قيادة المرأة ستنعش سوق المبيعات كما أسواق السيارات والمحروقات وغير ذلك من المجالات الاقتصادية المرتبطة بالمرأة سواء كانت منتجة أو مستهلكة. ويقول الكثير من السعوديات إنهن يتطلعن إلى قيادة السيارات لأنها ستوفر لهن مبالغ كبيرة من المال. من هؤلاء موظفة بالحكومة تدعى مها عبدالرحمن قالت “أنا امرأة عاملة، أحتاج إلى السيارة كل يوم في الذهاب والإياب للعمل بغض النظر عن المشاوير الأخرى التي احتاج إليها لأسباب عائلية. إضافة إلى ذلك المواصلات هنا باهظة التكلفة؛ فقرار القيادة سيوفر لي مبلغا كبيرا”.
ويرى الخبير الاقتصادي السعودي فضل البوعينين أن السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة سيزيل أهم ما يعيق ذهابها إلى العمل، وهو عملية التنقل، كما أن هذا القرار لا يعبر فقط عن تغيير اجتماعي بل هو جزء من الإصلاح الاقتصادي الذي تقوده المملكة. ومن المتوقع أن يؤثر بشكل إيجابي على مبيعات السيارات وشركات التأمين التي ستكون المستفيد الأكبر من بين القطاعات الاقتصادية. ويرى البوعينين أن هذا القرار سيغلق الملف الذي كان مستغلا بشكل سيء من مدعي الحقوق والنشطاء الغربيين الذين كانوا يوجهون للمملكة العديد من التهم بخصوص تعاملها مع المرأة.
ويقول ستيفان لاكروا (أستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس) “يتميز ولي العهد السعودي بالاستمرارية في تخطيطه. فهو يتحدث عن الاقتصاد وليس عن الدين. والتغيير الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون تغيير مجتمعي، والعمل بالنسبة إلى المرأة السعودية جزء لا يتجزأ منه”.
تؤمن السـعوديات بأن طريق التغيير طويل، وقائمة الممنوعات الاجتماعية التي يجب مراجعتها طويلة، تبدأ بقيادة السـيارة ومنع السـفر دون إذن ولي الأمر ولا تنتهي عند ضـرورة الحصول على جواز سفر والسفر دون محرم ومنع الاختلاط بين الجنسين في الدراسة والعمل، لكن إيمانهن بأن التغيير قادم يزداد قوة وهن أمام مقود السيارة وبرخصة سعودية.