الساحر دوغو برينجك سيبهرنا بصلح بين الأسد وأردوغان

يسابق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزمن لتحقيق مصالحة مع نظيره السوري بشار الأسد، وعقد صفقات رابحة معه قبيل خوضه الانتخابات التركية القادمة، لكنه يصطدم بشروط وخلافات لا يرجح محللون أن يتم تجاوزها دون وساطة طرف ثالث، حيث يبرز اسم السياسي دوغو برينجك كقادر على تحقيق المصالحة.
واشنطن - يرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إشارات للتقارب مع النظام السوري وإعادة إحياء العلاقات بين البلدين بعد أكثر من عشر سنوات على تأزمها، وهو ما يؤكد محللون أنه لن يتم دون وساطات تحاول تقريب المواقف وتخفف من حدة الشروط التي يفرضها الطرفان.
وكشفت مصادر دبلوماسية عن جهود روسية تبذل لأجل عقد لقاء بين الرئيس التركي ونظيره السوري بشار الأسد، خلال اجتماع مرتقب لقادة منظمة شنغهاي للتعاون أواسط الشهر المقبل في مدينة سمرقند بأوزبكستان.
وقالت وكالة تسنيم الإيرانية إن رئيس حزب الوطن التركي دوغو برينجك بصدد إجراء زيارة قريبة إلى
دمشق على رأس وفد سياسي ودبلوماسي، يلتقي فيها الأسد.

جيمس دورسي: جهود برينجك ستكون أكثر نجاحا من السابق
ويرجح المحلل السياسي والباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي، أن يكون برينجك هو من سيعقد صلحا بين الأسد وأردوغان.
ويقول دورسي إن “للوهلة الأولى، لا تبدو هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الرئيس التركي الإسلامي القومي رجب طيب أردوغان والاشتراكي المستقل الأوراسيوي العلماني الكمالي المتشدد دوغو برينجك.
ومع ذلك، يلجأ أردوغان في بعض الأحيان إلى برينجك للمساعدة في حل القضايا الجيوسياسية الحساسة، لأن له شبكة من الاتصالات في روسيا والصين وإيران وسوريا، وتحدد رؤيته التآمرية للعالم الولايات المتحدة على أنها جوهر كلّ الشرور”.
وكان برينجك توسّط قبل سبع سنوات في المصالحة بين روسيا وتركيا بعد أن توتّرت العلاقات بينهما في أعقاب إسقاط القوات الجوية التركية مقاتلة روسية. ويتوجه الآن إلى دمشق ليهندس تقاربا مدعوما من روسيا مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي شجع أردوغان الإطاحة به على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية، منذ اندلاع مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة تحولت إلى حرب أهلية دامية.
ويرى المحلل السياسي أن هناك احتمالات تبرز أن جهود برينجك ستكون أكثر نجاحا مما كانت عليه عندما حاول آخر مرة في 2016 رأب الصدع بين أردوغان والأسد، لكنه تعثر في النهاية بسبب رفض الرئيس التركي التخلي عن إصراره على أن الرئيس السوري يجب أن يرحل. اقترح أردوغان الكثير في الأيام الأخيرة، وأصر على أن تركيا بحاجة إلى الحوار مع حكومة الأسد.
وقال أردوغان “ليست لدينا مشكلة سواء هزمنا الأسد أم لا…عليك أن تقبل أنه لا يمكنك قطع الحوار السياسي والدبلوماسية بين الدول. يجب أن تكون هناك مثل هذه الحوارات دائما. نحن لا نطمع في الأراضي السورية… لكن سلامتها مهمة بالنسبة لنا. يجب أن يكون النظام على علم بذلك”.
وجاء استعداد أردوغان لدفن بلطة الحرب بعد فشله في حشد القبول الروسي والإيراني في عملية عسكرية تركية متجددة في شمال سوريا. وكانت العملية تهدف إلى ضمان عدم إنشاء الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين، منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي على الحدود التركية، مثل منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق.
وكانت تركيا تأمل في أن تسمح لها العملية بإنشاء منطقة عازلة بطول 30 كيلومترا تسيطر عليها قواتها ووكلاؤها السوريون على الجانب السوري من الحدود بين البلدين. وأجبر رفض روسيا وإيران دعم المخطط، الذي كان سيقوض سلطة حليفهما الأسد، تركيا على قصر عمليتها على قصف مواقع عسكرية كردية وسورية.
ودفع عدم استعداد الولايات المتحدة على ما يبدو لتقديم أي شيء للأكراد أكثر من الدعم اللفظي الضئيل إلى اقترابهم من دمشق، وبالتالي من روسيا وإيران، حيث توسع سوريا بهدوء وجودها العسكري في المنطقة. وكانت الولايات المتحدة قد اعتمدت كثيرا على الأكراد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا.
وتستمر إعادة تنظيم العلاقات والتحالفات في سوريا على المستويين الدبلوماسي والعسكري.

برينجك كان توسّط قبل سبع سنوات في المصالحة بين روسيا وتركيا بعد أن توتّرت العلاقات بينهما
ويبدو أن الهجمات التركية وردود فعل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي عسكرية بقدر ما هي في جوهرها رسم سياسي لخطوط القتال، تحسبا لتغيير العلاقات التركية والكردية مع حكومة الأسد.
وتشير تركيا إلى أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وسوف تستهدف القوات العسكرية السورية إذا دعمت سوريا الأكراد أو وفرت لهم غطاء. وفي حين يظهر الاستهداف الكردي غير المسبوق للقوات التركية أن الأكراد قد تبنوا خططا قتالية جديدة، تشير تركيا إلى أنها تحتفظ بحقها في استهداف القوات الكردية متى شاءت، مثلما تفعل في شمال العراق.
ويتّبع أردوغان والأكراد رهانات خطيرة.
ويأمل الأكراد رغم كل الصعاب أن يرد الأسد فضلهم بالسماح له بتحقيق هدفه المتمثل في السيطرة على أجزاء من سوريا كانت خاضعة للمتمردين وإجبار القوات الأميركية على الانسحاب من المنطقة، وذلك بمنح الأكراد درجة من الاستقلالية.
ويأمل أردوغان أن يساعده الأسد في تلبية المشاعر القومية المعادية للأكراد والمهاجرين من خلال السيطرة على المناطق الكردية مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا في العام المقبل.
وتريد تركيا البدء في إعادة نحو أربعة ملايين لاجئ معظمهم من السوريين الذين تستضيفهم. وأعلنت وزارة الداخلية التركية في مطلع أغسطس أنها أكملت بناء أكثر من 60 ألف منزل لعودة اللاجئين إلى شمال شرق سوريا.
وأثار القلق بشأن صفقة محتملة مع الأسد ودعوة من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للمصالحة بين جماعات المعارضة ودمشق، احتجاجات مناهضة لتركيا في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا، وكذلك إدلب التي يسيطر عليها المتمردون.
وتتوقع تركيا أيضا من الأسد، الذي يحرص على استعادة الأراضي مع الحفاظ على سلطة مركزية، أن يقمع في نهاية المطاف الجماعات الكردية المسلحة والجهود المبذولة للحفاظ على المناطق الكردية الخاضعة للحكم الذاتي.
ويشدد دورسي على أن نتيجة لذلك، فإن أمام برينجك مهمة صعبة، حيث أن الفجوة بين التطلعات التركية والسورية واسعة.
ويريد الأسد انسحابا كاملا للقوات التركية وعودة السيطرة السورية على المناطق الكردية والمعارضة. ومن غير المحتمل أن يكون راغبا أو قادرا على توفير نوع الضمانات الأمنية التي قد تطلبها تركيا.
ووجد الأكراد وأردوغان أنفسهم في معضلة لا مفر منها بسبب ظروف متضاربة.
وقد يُترك الأكراد بلا خيارات إذا نجح التقارب التركي – السوري أو في مواجهة هجوم تركي إذا فشل. وبالمثل، فإن المصالحة بشروط مقبولة لدى أردوغان قد تكون بمثابة تحقيق معجزة.
وسواء اتفق مع الأسد أو تصاعد العنف في شمال سوريا، فإن أردوغان يخاطر بإثارة موجة جديدة من اللاجئين تشق طريقها إلى تركيا في وقت لا يستطيع تحمله اقتصاديا وسياسيا.
وعلى حد تعبير المحلل كمال علم، فإن مشكلة أردوغان هي أنه “لا يمتلك الكثير من الوقت قبل موعد الانتخابات القادمة لحل المعضلة الصعبة المتمثلة في سوريا. أما الأسد فإن بإمكانه الانتظار حتى النهاية، لأنه بعد فشل تركيا مرة أخرى في العثور على طريق الخروج من ورطة الشمال الشرقي، فإن أردوغان سيكون في حاجة إلى الأسد أكثر من حاجة الأسد إلى أردوغان”.