"الزعيم" يتصالح مع صديقه اللدود
بات نجم الكوميديا المصري عادل إمام، والملقب بـ”الزعيم” منذ حوالي خمسة أعوام، تحديدا منذ العام 2012، ملح الفضائيات العربية الذي لا يغيب عن طعام، ولا محيد عنه في الشهر الدرامي الرمضاني الأكثر متابعة، كلّفه ذلك ما كلّفه، أو بعبارة أدق كلّف ذلك المُنتجين ما كلّفهم؟
عادل إمام هذه الظاهرة الفنيّة غير المسبوقة في العالم العربي، من حيث الإنتاج أولا، وبريق نجوميّته ثانيا، عرفت عنه طوال مسيرته التمثيليّة التي فاقت الستة عقود، وفرة إنتاجاته السينمائية التي فاقت المئة فيلم، وقلّة إنتاجاته التلفزيونية التي لم تتجاوز الخمسة عشر مسلسلا، بدءا بمسلسل “النشال” (إنتاج 1968) وصولا إلى آخر مسلسلاته “مأمون وشركاه” (إنتاج 2016)، الأمر الذي يجعل المرء يتساءل عن أسباب الوفرة السينمائية وعن مُسببات القلّة العدديّة في الدراما التلفزيونية؟ وما بينهما من مسرحيات جاوزت العشر، ولو أن للمسرحيات عمرا أطول من حيث سنوات العرض التي يمكنها أن تتجاوز الخمس سنوات متعاقبة أو أكثر، كحالنا مع مسرحياته “واد سيد الشغال” و”الزعيم” و”بودي غارد”.
الجواب هنا بسيط، حيث يقول أباطرة الفرجة التمثيليّة، وعلى رأسهم طبعا “زعيمنا”، الذي ما بات “زعيما” في ملعبه الأول السينما، إن التلفزيون يحرق النجوميّة، على اعتباره يدخل كلّ البيوت العربيّة دون استئذان، على عكس السينما والمسرح اللذين يذهب إليهما المُتيّمون بالفنان وفنّه طوعا، لا غصبا ولا هم مُضطرون؟
فما الذي جعل “الزعيم” يتخلّى عن قراره السابق ليلتحق بركب اللاّهثين وراء النجوميّة التلفزيونية؟ فيشارك تباعا في خمسة مسلسلات دفعة واحدة في خمس سنوات متلاحقة، انطلاقا من “فرقة ناجي عطا الله”، مرورا بـ”العراف” و”صاحب السعادة” و”أستاذ ورئيس قسم” وصولا إلى “مأمون وشركاه”!
بالعودة إلى سنة 2011، نفهم الدواعي التي تقف وراء هذا القرار، أو بالأحرى ذاك الاضطرار، فالمسلسل الذي عاد به إمام إلى التلفزيون بعد أكثر من ربع قرن من الغياب، ونعني هنا “فرقة ناجي عطا الله”، سبقته فكرة طرحه كفيلم تتولى إنتاجه قناة “اللورد التلفزيونية”، إلاّ أنها انسحبت من الموضوع خوفا من أن تتعرض لخسارة مالية كبيرة بعد سقوط فيلم “بوبوس” جماهيريا.
ومن هناك، لم يجد الفيلم شركة تنتجه فتقرر تحويله إلى مسلسل تلفزيوني يقوم على إنتاجه التلفزيون المصري في عهد نظام رئيس مصر الأسبق حسني مبارك، ورصدت له ميزانية ضخمة حينها ليعرض في رمضان، إلاّ أن تغيير النظام وسقوط الرئيس مبارك أجّل عرض المسلسل لرمضان الذي يليه.
وبمعرفة السبب، يبطل العجب، طبعا، فالسقوط المُدوّي لفيلم “بوبوس” 2009، جعل “الزعيم” الذي كان في ما مضى لا يودّ أن يحترق تلفزيونيا، يعوّل على صديقه اللدود، التلفزيون، ليعيد إليه بعض نجوميّته الضائعة، وهو ما كان، نتيجة تعطّش جماهير البيوت المُغلقة لرؤية “الزعيم” من جديد عبر شاشاتها الصغيرة بعد النجاح الذي خلّفه ظهوره الأخير بينها من خلال مسلسله الأشهر “دموع في عيون وقحة”.
ولأنّ “الزعيم” يظلّ “زعيما” حتى وهو في أتعس حالاته الإبداعيّة، فقد حوّل السقوط السينمائي لصالحه، باعتباره الغائب الأكبر والأشهر عن الشاشة الصغيرة لنحو ثلاثة عقود، وما خلّفه ذاك الغياب من شوق في قلوب المُتحمّسين له والمُتشوّقين لإطلالته التي ما عادت مُتصابية كحاله مع السينما في أفلامه الأخيرة، حيث دخل البيوت العربيّة مرّة أخرى من أوسع أبوابها، كشأنه مع “دموع في عيون وقحة”، فكانت إسرائيل هي الثيمة وهي الموسومة لدى العرب، كلّ العرب، بأنّها أصل الداء والجريمة، فتحقق له النجاح مرّتين.
النجاح الأول كان جماهيريا، فنجا بذلك “الزعيم” بناجي وفرقته من سقطة ثانية، ربمّا تكون نهائيّة هذه المرّة، أما النجاح الثاني وهو الأهم، قطعا، فمادي ربحي ومُبالغ فيه أحيانا، وهو الذي تحصّل عن دوره في المسلسل على ما يفوق المليون دولار.
ومن يومها و”الزعيم” يحصد الأرباح تلو الأرباح من مسلسلاته الرمضانيّة المُتعاقبة، ومن قال إنّ التلفزيون مقبرة النجوم، عليه أن يُراجع قناعاته، ورصيده البنكي، أصلا؟!
كاتب وصحافي من تونس