الزعتري مدينة كرافانات تضيق فيها سبل الحياة

أحلام السوريين في الأردن تتعلق بالهجرة إلى أوروبا.
الخميس 2023/11/16
صفيح حارق في الصيف بارد في الشتاء

طالت سنوات لجوء السوريين الذين استقروا بمخيم الزعتري في الأردن دون أن تتحسن أوضاعهم المعيشية بل تزداد صعوبة مع نقص التمويل. كما أن إمكانية العودة إلى بلدهم ما زالت بعيدة نظرا لعدم الاستقرار في سوريا، لذلك يزداد تعلقهم بمحاولة الهجرة إلى أوروبا رغم صعوبة الطريق والإمكانيات.

الزعتري (الأردن) - في يوليو 2012 تأسس الزعتري كمخيم لبضع عشرات من اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا، وسرعان ما تطور المخيم الأردني ليصبح مدينة حاويات يعيش فيها الآن حوالي 80 ألف شخص. وبوجه عام لا تلوح في الأفق حاليا فرص مستقبلية لعودة ما يقرب من 1.3 مليون سوري فروا من ويلات الحرب إلى الأردن.

باستخدام عكازيها، تتجول هويدا اليعقوب في الممرات المتربة بين حاويات المدينة. تعيش السيدة البالغة من العمر 40 عاما مع زوجها وأطفالها الثلاثة في الزعتري، أكبر مخيم للاجئين السوريين، منذ عام 2013.

وقامت ألمانيا ببناء نظام كبير للطاقة الشمسية في المخيم، الذي يذهب فيه أيضا الأطفال إلى المدارس، وهو وضع أفضل مقارنة بلبنان، حيث لا يذهب العديد من أطفال اللاجئين السوريين إلى المدارس. ومن منظور سياسة التنمية الألمانية، يعتبر مخيم الزعتري بوجه عام مكانا تم فيه إنجاز الكثير من الأشياء بشكل صحيح.

لكن عائلة هويدا اليعقوب لا تزال تريد الرحيل من المخيم حالمة بالوصول إلى أوروبا. الابنة بيسان البالغة من العمر اثني عشر عاما، والتي تحب لعب كرة القدم خلال العطلات المدرسية، تحلم بأن تصبح طبيبة في يوم من الأيام، وتأمل والدتها المصابة بالسرطان في الحصول على طرف اصطناعي حديث، بعد أن اضطرت إلى الخضوع لعملية بتر في أحد ساقيها عام 2018.

◙ حياة مريرة مع قدوم فصل الشتاء
◙ حياة مريرة مع قدوم فصل الشتاء 

منذ ذلك الحين تعتمد هويدا بشكل كبير على زوجها طارق الهواندة، الذي يصغرها بثلاث سنوات، في حياتها اليومية. في سوريا، حيث كان يعيش في منزل صغير مع عائلته، كان يعمل أجيرا باليومية. الآن يعيش أفراد العائلة المكونة من خمسة أفراد في مساحة 15 مترا مربعا.

في ألمانيا، عندما يدور الحديث عن العبء الذي تتحمله البلديات بسبب استقبال اللاجئين، غالبا ما يُنسَى أن ثلاثة أرباع اللاجئين في جميع أنحاء العالم يتم استقبالهم في البلدان المجاورة، حسبما تقول وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه.

تتحدث الوزيرة إلى عائلة شابة مقيمة في إحدى الحاويات بالزعتري. ورغم أن برنامج زيارتها كان يتطلب منها المضي سريعا في المخيم، تمكنت هويدا اليعقوب من إقناع شولتسه بإلقاء نظرة سريعة على الأعمال اليدوية مثل أغطية وسائد مطرزة، وحقائب، ودمى ذات شعر مصنوع من خيوط صوفية صنعتها هي ونساء أخريات في حاوية مكيفة.

ويعاني الأردن، الذي استقبل مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بعد حربي الشرق الأوسط عامي 1948 و1967، من شح المياه ومعدل بطالة يزيد عن 22 في المئة.

ولهذا السبب أيضا جاء رد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على التكهنات حول إمكانية قبول المزيد من اللاجئين من الأراضي الفلسطينية بالرفض. ويراقب الأردن حاليا بقلق كبير تزايد الهجمات العنيفة التي يشنها مستوطنون يهود متطرفون على فلسطينيين في الضفة الغربية.

ويعيش فقط أفقر فقراء اللاجئين في مخيم الزعتري، 81 في المئة من اللاجئين السوريين الذين استقبلهم الأردن تمكنوا من تدبير نفقاتهم المعيشية عبر العمل. وفي العاصمة عمان يمكن في الكثير من الأحيان رؤية أطفال يتسولون عند التقاطعات.

◙ مخيم بلا آفاق
◙ مخيم بلا آفاق

وبسبب الأزمات العديدة في جميع أنحاء العالم، تقلصت في الآونة الأخيرة الأموال المتبقية لرعاية اللاجئين في الأردن، حسبما أفاد رولاند شونباور من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويوضح أنه نتيجة لذلك، يتزايد اليأس ويحاول المزيد من اللاجئين الوصول بطريقة أو بأخرى إلى أوروبا، وغالبا ما يكون ذلك عن طريق قوارب التهريب عبر البحر المتوسط، مشيرا إلى أن من الأردن يمر الطريق غالبا عبر مصر إلى ليبيا.  ويضيف أن الشباب يعرفون أنهم يخاطرون بحياتهم في البحر المتوسط، موضحا أن من المهم ألا ينتهي بهم المطاف إلى وضع يقولون فيه لأنفسهم "لا يهمني أي شيء الآن، سأخاطر بحياتي".

طارق الهواندة لديه شقيق تمكن من الفرار من سوريا إلى بريطانيا. يقول طارق إن حال شقيقه في المملكة المتحدة أفضل بكثير من حاله هو شخصيا في مخيم اللاجئين، مشيرا في المقابل إلى أن لم شمل أسرة شقيقه في بريطانيا لم يمض قدما كما كان متوقعا، حيث تنتظر زوجته وأولاده فرصة للحاق به إلى هناك منذ أكثر من ثلاث سنوات.

◙ الهجرة مخاطرة لكن البعض لم تعد لديه القدرة على تحمل الوضع خصوصا مع تجاهل العالم لمعاناة هؤلاء ونقص المساعدات الإنسانية

ويقول محمد الحريري (34 عاما)، الأب لثلاثة شباب في مخيم الزعتري، "لم يبق أمام اللاجئ السوري إلا الهجرة". ويرى الحريري أن "الهجرة مخاطرة لكن البعض لم تعد لديه القدرة على الاحتمال، خصوصا مع تجاهل العالم معاناتنا ونقص المساعدات الإنسانية، ماذا ينتظرون منا أن نموت بصمت؟ بالطبع السوري أمام خيارين، إما العودة والموت في بلده، أو الهجرة".

ويقول قاسم الشحمة (25 عاما)، بلسان حال الشباب “نحلم بأن نعيش حياة طبيعية، وهذا المطلب من المفترض أن يكون حقا لكل إنسان، فالعيش تحت سقف كرفان، وفي مخيمات اللجوء وسط الصحراء، وما يتضمنها من تقييدات أخرى، أصبح يخنقنا، في الوقت الذي تخلى عنا العالم أجمع، وأصبحنا آخر أولوياته. من هنا، أصبحت الهجرة هي سفينة النجاة التي ستخرجنا من الدوامة”.

وبيّن أن حال اللاجئين في بداية الأزمة كان أفضل من الآن، لأسباب عدة، أبرزها تراجع التمويل الدولي، ما يعني ببساطة أن المنظمات التي كانت تعتني بهم تغلق أبوابها بالتدريج، وهو ما حصل بالفعل، كما أن فرص العمل في انخفاض، والحديث عن العودة إلى سوريا ما زال معلقا، بسبب الصعوبات المعيشية هناك، وأيضا الحالة الأمنية، التي ما زالت تشكل قلقا بالنسبة للعائلات.

يقول المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن حوالي 350 شخصا من مخيم الزعتري يعودون شهريا إلى سوريا، مشيرا في المقابل إلى أنه نادرا ما تتم معرفة كيف سارت الأحوال معهم عقب العودة. لكن العودة ليست خيارا للهواندة، إذ يقول “لقد دُمرَ منزلي، وقد أضطر إلى الذهاب إلى الجيش، ولن يكون هناك طرف اصطناعي لزوجتي”.

◙ طفولة يائسة
◙ طفولة يائسة 

16