الزرادشتيون يواجهون حقيقة تآكل ديانتهم القديمة

نيويورك – من بين الديانات الحالية في العالم، تعد الزرادشتية التي تأسست منذ أكثر من 3 آلاف سنة واحدة من أقدم الديانات وأكثرها تأثيرا من الناحية التاريخية. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن أتباعها يحافظون على مجتمعات نابضة بالحياة في أربع قارات، إلا أنهم يعترفون بأن أعدادهم صغيرة بشكل مقلق. حيث قد تقتصر على حوالي 125 ألفا في جميع أنحاء العالم.
وقيّم حوالي 1200 مشارك من 16 دولة آفاق ديانتهم خلال المؤتمر العالمي للزرادشتية الذي عقد خلال هذا الشهر واستمر أربعة أيام في مدينة نيويورك، وهو أول مؤتمر يعقدونه في الولايات المتحدة منذ سنة 2000.
وتعكس الأجندة وعيا شديدا بالتحديات التي تواجه ديانتهم، حيث أن آفاق النمو محدودة، نظرا إلى أن الزرادشتيين لا يسعون لجذب الغرباء ولا يعتبرون في كثير من الحالات أبناء الزيجات المختلطة من أتباع الدين. ومع ذلك، يوجد سبب للتفاؤل أيضا.
وتساءل الرئيس المشارك للمؤتمر أرزان سام واديا، وهو مهندس معماري مولود في مومباي ومقيم في نيويورك “هل مررنا بمثل هذا من قبل؟ هل يجب أن نستسلم جميعا لليأس؟ هل يجب أن نقول: لا يمكننا فعل أي شيء، دعنا نموت بسلام، أم أن لدينا أملا في المستقبل؟”.
وظهرت الزرادشتية منذ أكثر من 3 آلاف سنة، وهي واحدة من أقدم الديانات التوحيدية التي لا تزال موجودة، والتي سبقت المسيحية والإسلام بقرون عديدة. ومع ذلك، فإن تفاصيل أصلها غير دقيقة.
ويحظى النبي زرادشت بالتبجيل باعتباره مؤسس الدين الذي أصبح مهيمنا في بلاد فارس قبل أن يغزو العرب المسلمون المنطقة في القرن السابع.
وغادر العديد من الزرادشتيين إلى وجهات في غرب الهند، لاسيما مومباي وغوجارات خوفا من الاضطهاد. وأصبح عددهم في الهند هو الأكبر من أي دولة أخرى، على الرغم من أن الأعداد هناك تتناقص بينما تزداد في أميركا الشمالية وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا.
وتؤكد الزرادشتية في جوهرها على معركة لا تنتهي بين الخير والشر: صراع بين إله الخير أهورا مازدا والروح الشريرة أهرمان. ويتمتع المؤمنون بحرية اتخاذ خيارات جيدة أو سيئة. وحثهم زرادشت على أن يجعلوا الخير يطغى على أفكارهم وكلماتهم وأعمالهم.
ويقول الباحثون إن لهذه المعتقدات تأثيرا كبيرا على الأديان الأخرى، لاسيما المسيحية والإسلام واليهودية والبوذية.
وقال جمشيد تشوكسي، أستاذ دراسات وسط أوراسيا في جامعة إنديانا “لديك هذه الأفكار التي شكلت أساسا للمجتمع الغربي: محاربة الشر، هدف التواجد لفعل الخير، جعل العالم يزدهر، العمل معا، واحترام بعضنا البعض والحب المتبادل (…) يعود كل ذلك إلى زرادشت”.
وتحتوي المعابد التقليدية على نار مقدسة تهدف إلى الاحتراق بشكل دائم وهياكل مرتفعة دائرية معروفة باسم أبراج الصمت، حيث توضع الجثث لتتحلل بدلا من دفنها.
ولا يزال عيد النيروز، الذي يضم التقاليد الزرادشتية القديمة ويحتفل بالسنة الفارسية الجديدة، حدثا رئيسيا في التقويم الإيراني. ويُحتفل به على نطاق واسع، في/ أو حوالي الحادي والعشرين مارس في مناطق أخرى كانت ذات يوم جزءا من الإمبراطورية الفارسية.
وأصبحت مجتمعات الزرادشتيين الذين غادروا إيران واستقروا في الهند أو في نهاية المطاف في مناطق أبعد مشهورة بإنتاج رواد الأعمال والمحسنين، حيث تشجع الديانة الثراء بشرط مساعدة الآخرين.
وأصبح جامستجي تاتا، المولود في الهند سنة 1839، أحد أبرز الصناعيين وفاعلي الخير في القرن التاسع عشر، وأصبحت مجموعة تاتا التي أسسها واحدة من أكبر التكتلات متعددة الجنسيات في العالم. وأسس لوفجي واديا مجموعة واديا في 1736. وأشرفت الشركة على بناء عشرات السفن الحربية لبريطانيا. وتشمل مقتنياتها اليوم مجلة أزياء وفريق كريكيت ومصنعي المنسوجات والبسكويت.
ومع ذلك، فإن أشهر شخص من أتباع الديانة الزرداشتية في العصر الحديث لم يكن رجل أعمال، بل هو فريدي ميركوري، المغني الرئيسي الأسطوري في فرقة الروك كوين. وكان اسمه فاروخ بولسارا وولد في 1946 لأبوين من ولاية غوجارات كانا يعيشان في زنجبار.
وكان احتمال حدوث مزيد من الانكماش في المجتمع الزرادشتي العالمي حاضرا في أذهان الحاضرين في مؤتمر نيويورك.
وركزت عدة جلسات على الزرادشتيين في العشرينات والثلاثينات من العمر. ووعد المنظمون بأن يخرج المشاركون “مطمئنين إلى أن مصير الإيمان آمن في أيدي شباب الزرادشتيين المتحمسين وذوي الرؤية”.
عدد الزرادشتيين في الهند هو الأكبر على الرغم من أن الأعداد هناك تتناقص بينما تزداد في أميركا الشمالية وبريطانيا
وتشمل المواضيع الأخرى في المؤتمر ريادة الأعمال والتعاون بين الأديان ودور المرأة.
وللرئيس المشارك في المؤتمر واديا، الذي لا علاقة له بالعائلة التي تقف وراء المجموعة التي تحمل نفس الاسم، دور قيادي في مبادرتين منفصلتين تهدفان إلى تعزيز آفاق الدين.
وتشمل الأولى دراسة استقصائية عالمية تجريها مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، وتهدف إلى إلقاء الضوء على العوامل التي تعزز أو تمنع نمو الزرادشتية وحيويتها.
ويدير واديا برنامج “عودة الزرادشتية إلى الجذور” الذي ينظم رحلات إلى الهند للشباب الزرادشتيين الذين يرغبون في معرفة المزيد عن تاريخ دينهم وثقافتهم.
وهو مقتنع بأن الدين سيبقى، لكنه قد يشهد تغييرات كبيرة. ويعتقد أن الالتزام بتقاليد ثقافية محددة قد يتضاءل في أميركا الشمالية على سبيل المثال، حتى مع حفاظ الزرادشتيين على مجموعة أساسية من المبادئ التوجيهية الروحية.
ووصفت ألموت هينتز، أستاذة الديانة الزرادشتية في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية، المجتمع الزرادشتي العالمي بأنه “صغير مجهري” وتنتابها مخاوف بشأن تراجعه في الهند.
وقالت عبر البريد الإلكتروني “ومع ذلك، فإن الزرادشتيين متألقون في الشتات العالمي. من المحتمل أن الأرقام ستستقر، على الرغم من أن العلمنة وقوانين الزواج تشكل تهديدات”.
ويرى جمشيد تشوكسي الأستاذ في جامعة إنديانا أن أميركا الشمالية هي المنطقة الواعدة للنمو. ويقدر أن الولايات المتحدة وكندا تضم الآن أكثر من 30 ألف زرادشتي، وهو رقم أعلى من العدد الأخير الذي سجلته إيران.
وقال إن “أميركا الشمالية هي حيث يوجد الأمل. ويرجع ذلك جزئيا إلى الهجرة، ولكن لأن للمجتمعات المزيد من الأطفال، وهي تشعر بمزيد من الاستقرار. إن هذا هو ما يمثّل الضوء الساطع”.