الرواية العربية والترجمة

الحقيقة أن الروائيين العرب لا يعلمون أن الشهرة التي يسعون إليها بعجلة محمومة لن تتحقق لهم بمجرد التطرق إلى قضايا حارقة، بل عليهم أن يبتكروا أساليب جديدة في الكتابة الروائية.
الثلاثاء 2019/01/29
البحث عن عناوين تثير الاهتمام

الإقبال على كتابة الرواية مشرقا ومغربا ظاهرة لم يسبق لها مثيل، وعلى مدى القرن العشرين كان الروائيون الحقيقيون والبارزون يُعدّون على أصابع اليدين، أما الآن فإن عدد هؤلاء أصبح من الصعب حصره، إذ في كل سنة تبرز وجوه جديدة لم يسبق للنقاد أو القراء أن سمعوا بها. حتى الشعراء ورجال السياسة شملهم هذا الإقبال على كتابة الرواية فأصبحت وسيلتهم المفضلة لفرض وجودهم في المشهد الثقافي في بلدانهم.

وما أظن أن الجوائز الهامة المخصصة لهذا اللون من الأدب الذي هو الرواية هي الدافع الوحيد لذلك، بل هناك دوافع أخرى، وقد تكون التحولات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها مختلف البلدان العربية، الغنية منها والفقيرة، والأزمات التي تتخبط فيها، والكوارث التي أصابتها وتصيبها من بين هذه الدوافع.

ولعل الرواية هي الفن الوحيد القادر على أن يتابع كل هذا، ويقدم وصفا دقيقا لما حدث، ولما يحدث، أما الشعر فقد أصبح عاجزا عن ذلك، لذا فقد الشعراء الجاذبية التي كانوا يتمتعون بها في الماضي، وما عادوا يثيرون الاهتمام إلاّ لدى جمهور ضئيل.

وأما الدافع الآخر فهو سعي الروائيين العرب إلى الحصول على الاعتراف بأعمالهم خارج بلدانهم الأصلية، وتحديدا في البلدان الغربية، لذلك نراهم يتهافتون على ترجمة أعمالهم إلى الفرنسية أو الإنكليزية أو الألمانية أو الإسبانية أو غيرها من اللغات، معتقدين أن الترجمة سوف تكسبهم شهرة عالمية مثل تلك التي اكتسبها كتاب أميركا الجنوبية، أو كتاب اليابان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

وخلال العقد الأخير، ترجمت الكثير من الأعمال الروائية العربية إلى اللغات الأجنبية بما فيها تلك التي حازت على جوائز مرموقة مثل جائزة “البوكر”، إلاّ أن أصحابها لم يحصلوا حتى على القليل من فتات الشهرة التي كانوا يحلمون بها.

وكانت مبيعات رواياتهم محبطة بالنسبة لدور النشر، حيث إنها لم تتعد بضع المئات من النسخ، وهناك دور نشر أعادت إلى روائيين عرب مُحرزين على جوائز كبيرة بعد اطلاع لجانها عليها باعتبارها غير صالحة للنشر.

وقد يفسر الروائيون العرب إحباطاتهم وخيباتهم اعتمادا على نظرية “المؤامرة” كما هو الحال عند رجال السياسة، ولعلهم يعتقدون أن في كل دار نشر غربية “عدوا” يترصدهم ليقطع عليهم طريق الشهرة المنشودة، والحال أن الأمر له جوانب أخرى تتوجب الإشارة إلى أهمّها.

متحدثا عن نقل الروايات الإيطالية التي لم تنعم بالرواج بعد نقلها إلى لغات أخرى، أشار إيطالو كالفينو إلى أن مذاق الأنبذة في الأمكنة التي تعدّ فيها، يكون مُختلفا عن مَذاقها في أماكن أخرى بعيدة بمسافة آلاف الكيلومترات، كذلك الرواية الإيطالية، فقد تحْصُل هذه الرواية أو تلك على شهرة واسعة في بلاد دانتي، لكنها لن تتمكن من ذلك إن هي نشرت في فرنسا القريبة أو أميركا البعيدة، لأن القراء هناك لا يجدون فيها ما يثير اهتمامهم.

ويمكننا أن نسحب كلام إيطالو كالفينو على وضع الرواية العربية، فقد يظن الروائي العربي أنه بمجرد أن يخوض في قضايا حارقة مثل حرب العراق، أو تبعات الحرب الأهلية في سوريا، أو في قضايا تتصل بالتطرف الأصولي، أو بالكبت الجنسي الناتج عن التزمت، فإن دور النشر الكبيرة في الغرب سوف تتسابق للحصول على حقوق الترجمة، كما يتصور هذا الروائي أن الشهرة سوف تتحقق له حالما ينقل عمله الذي يتحدث فيه عن القضايا المذكورة إلى واحدة من اللغات العالمية.

ولذلك تكون الصدمة موجعة عندما يلاحظ أن عمله الروائي لم يحظ حتى ببضعة أسطر في جريدة متوسطة الانتشار، بل قد يفضل الناشر وضعه في القبو المخصص للكتب سيئة الرواج بعد مرور بضعة أشهر فقط على صدوره.

والحقيقة أن الروائيين العرب لا يعلمون أن الشهرة التي يسعون إليها بعجلة محمومة لن تتحقق لهم بمجرد التطرق إلى قضايا حارقة، بل عليهم أن يبتكروا أساليب جديدة في الكتابة الروائية مثلما فعل كتّاب أميركا الجنوبية المنتسبين إلى موجة ما أ صبح يسمى بـ”الواقعية السحرية”، كما عليهم أن يأتوا بما هو غير معهود وغير مسبوق في فن الرواية، أي أن يكونوا خلاّقين لا مقلّدين، من دون ذلك سوف يظلون يراوحون مكانهم، مُتجرّعين الخيبات والنكسات المرّة.

14