الرقص طريق سريعة نحو السجن في إيران

تمنع السلطات الإيرانية العديد من الرقصات التي تعتمد على الإيقاع والملابس الضيقة، ومن بينها رقصة الزومبا التي تلقى رواجا كبيرا في العالم اليوم لاقترانها بتمارين اللياقة البدنية وبالرقص. وتعرضت مجموعة من الشباب الإيراني مؤخرا للإعتقال من قبل الحرس الثوري بتهمة تعليم الزومبا للفتيان والفتيات، غير أن محبي الزومبا يرفضون قوانين منع هذه الرقصة وقد عبروا عن استيائهم من الاعتقالات الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الأربعاء 2017/08/16
الرقص في عمق الصحراء… حل ابتكره الشباب الإيراني للتخفي

طهران – اعتقلت السلطات الإيرانية ستة أشخاص (أربعة رجال وامرأتان) في بلدة شهرود، شرقي العاصمة طهران، موجهة إليهم تهمة تعليم رقصة الزومبا ومحاولة “تغيير نمط الحياة في إيران”، وتواجه المرأتان تهما إضافية وهي ممارسة الرقص وعدم الالتزام بالحجاب.

وتجرم القوانين الإيرانية رقص النساء أمام الرجال خارج محيط الأسرة، كما تنص على ضوابط للزي والحجاب في الأماكن العامة. وكانت في السنوات الأخيرة قد منعت العديد من الرقصات مثل الزومبا والآيروبيك والهيب هوب حتى داخل قاعات تمارين اللياقة البدنية المخصصة للنساء فقط، وهو ما يجعل النساء أكثر المتضررين من هذا الحظر.

وقال مسؤولو الرياضة في إيران، في شهر يونيو الماضي، إن التمارين التي تشمل “حركات إيقاعية ورقصات، غير قانونية تحت أي شكل أو مسمى”.

وكان السبب الذي سوّقته السلطات الإيرانية هو أن هذه التمارين الرياضية أو الرقصات على إيقاعات غربية لا تتوافق مع ثقافة إيران. وشدّدت في قرار المنع على ضرورة أن تكون البرامج الرياضية المطبقة في الصالات الرياضية “متوافقة مع البنية الثقافية للمجتمع الإيراني”.

وتفيد حيثيات اعتقال المتهمين الستة بتهمة تعليم رقصة الزومبا مؤخرا أنهم اجتذبوا فتيانا وفتيات، وعلموهم رقصات غربية، ونشروا تسجيلات مصورة عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن حامد دمغاني، القائد بالحرس الثوري، قوله “تم تحديد واعتقال أعضاء شبكة يعلمون ويصورون رقصات غربية”.

وأضاف دمغاني “اعتقلتهم قوات الاستخبارات التابعة للحرس الثوري أثناء تعليم الرقص وتصوير مقاطع فيديو، إذ كانوا يسعون إلى تغيير نمط الحياة وإلى ترويج لفكرة خلع الحجاب”. وأكد دمغاني أن “ترويج الرقص وتعليمه باسم الرياضة في صالات تمرينات اللياقة البدنية الخاصة بالنساء قضية خطيرة”.

بالنسبة لرجال الدين الإيرانيين فإن الاختلاط بين الرجال والنساء والتخلي عن الحجاب، ممارسات تؤدي إلى الخطيئة

ويعاقب القانون الإيراني على ممارسة الرقص بالجلد والسجن، ويصفه بـ”عادة شيطانية” تستهدف الهوية الإيرانية.

وقد أصبحت المداهمات والاعتقالات شائعة في السنوات الأخيرة في إيران بدعوى محاربة تأثيرات الثقافة الغربية على المجتمع الإيراني. هذا ما دفع عشاق التمارين الرياضية والرقص إلى القيام بتدريباتهم التي تصفها السلطات بأنها مخالفة للشريعة بشكل سري، وحتى في قاعات الرياضة فإنهم يجبرون على اتخاذ تدابير الحيطة خشية مداهمة السلطات لهم.

وبالرغم من القيود والتشريعات التي تمنع رقصة الزومبا التي صممها الكولومبي بيتو بيريز عام 1990، إلا أنها تشهد إقبالا كبيرا من قبل الإيرانيين المهتمين بصحتهم ولياقتهم، خاصة وأن الزومبا تعد مزيجا بين التمارين الرياضية والعديد من الرقصات مثل السالسا، والسامبا، وبيلي دانس ما يجعلها من التمارين التي تلقى رواجا عالميا لفوائدها في تحقيق اللياقة البدنية.

وأعادت حادثة اعتقال الشباب الأربعة والمرأتين مؤخرا بسبب رقصة الزومبا الجدل في إيران حول الصراع بين الشباب التائقين إلى الانفتاح ومواكبة العصر وبين السلطات الإيرانية الإسلامية التي تتدخل في كل تفاصيل حياتهم بقوة القانون وبادعاءات تطبيق الشريعة الإسلامية، فتوصد أمامهم كل سبل التمتع بالحياة وبحيوية الشباب.

كما أرجعت لذاكرة الشباب الإيراني حادثة اعتقال 7 شباب في العام 2014 بتهمة الرقص على أغنية الفنان الأميركي فاريل وليامز. وأصدرت المحكمة في حقهم أحكاما بالجلد والسجن.

ويرفض محبو الزومبا في إيران أن يعتقل الشباب بسبب الرقص بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ويرفضون الاستغناء عن رقصتهم ورياضاتهم المفضلة وقد صرحت صني نافيسي أستاذة لياقة بدنية في واحدة من أرقى قاعات الرياضة في طهران للصحيفة قائلة “بالطبع لا يمكنهم وقف الزومبا في إيران”، معتبرة أن هذا المنع لرقصة الزومبا يعد هجمة جديدة من السلطات على حريات النساء في إيران.

وتضيف نافيسي، البالغة من العمر 33 سنة، أنه رغم حظر الزومبا فقد قررت أن تواصل تقديم الدروس فيها للأربعين متدربا الذين يتلقون دروس الرقص في الصالة التي تعمل فيها.

رقصة الزومبا أصبحت تهمة تؤدي بممارسيها إلى السجن والجلد في إيران

وتقول إن الأمر ليس خطيرا وأنها ستغير فقط اسم الزومبا بتسمية أخرى. وأوردت الـ”بي بي سي” تصريحا لمسؤول على قاعة رياضة في طهران قال فيه “نحن نعلم الزومبا منذ 12 عاما تقريبا وإن منعوها فإننا سنواصل دروسنا تحت اسم آخر… فالزومبا من أكثر التمارين المطلوبة في إيران وبالتالي فهي أكثرها مردودية مادية ولا يمكن لنوادي الرياضة الاستغناء عنها”. وتقول العديد من التقارير إن إيران تشهد ثورة صحية في السنوات الأخيرة، حيث أصبح غالبية أفراد المجتمع يولون اهتماما أكبر للصحة واللياقة البدنية.

وراجت تبعا لذلك قاعات ونوادي الرياضة في العديد من الأحياء والمدن الإيرانية. ومثلما أصبح الرجال يهتمون بممارسة رياضات رفع الأثقال لتكون لديهم أجساد بعضلات مفتولة، فإن النساء يقبلن على قاعات الرياضة والآيروبيك ليحافظن على رشاقتهن ونحافة أجسامهن.

وعلقت نافيسي على قرار اتحاد الرياضة الإيراني بحظر ممارسة الزومبا التي اعتبرها مخالفة للشريعة الإسلامية قائلة “إن الحكومة الإيرانية شرّعت الكحول وسمحت ببيعها في المحلات، فكيف تكون رياضة الزومبا مخالفة للمبادئ الإسلامية؟”، مؤكدة أن الزومبا لن تتوقف في إيران وأنها والكثير غيرها من عشاق هذه الرقصة لن يستسلموا للحظر.

وتعتمد السلطات في إيران بإيعاز من رجال الدين المتشددين على سن العديد من القوانين والتشريعات، خصوصا منذ قيام الثورة الإسلامية العام 1979، بما يتيح لهم فرض نمط العيش الذي اختاروه لجل الإيرانيين وكأنهم قطيع لا يمكنه أن يخرج عن الطريق المستقيم المصمم من قبل السلطة وبحسب قراءتهم للشريعة الإسلامية.

وبالنسبة إلى رجال الدين الإيرانيين فإن الاختلاط بين الرجال والنساء والرقص والتخلي عن الحجاب وغيرها، من الممارسات التي تؤدي إلى الخطيئة، وهو ما يجعلهم يمنعونها قانونيا بادعاءات الحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية وعلى الهوية والثقافة الإيرانية.

ويحتال الإيرانيون خاصة منهم فئة الشباب على القواعد القانونية والدينية المتشددة والمسلطة عليهم، عبر ممارسة الأنشطة الممنوعة والتي تلقى رواجا كبيرا لديهم مثل الرقص في سرية أو تغيير اسم الرقصة، من أجل فرض رغباتهم وإرادتهم على القوانين وممارسة هواياتهم التي تقمعها السلطات دون أن يضطروا إلى مواجهة أجهزة الأمن التي عادة ما تعمد إلى العنف والزجر والاعتقال والحبس لتخويفهم وردعهم.

12