الرسالة العربية ليوم المسرح

الهيئة الدولية للمسرح تكلف اللبنانية مايا زبيب لكتابة وقراءة رسالة يوم المسرح العالمي ممثلة عن العالم العربي.
الثلاثاء 2018/03/27
بحث أزلي عن الحقيقة بجميع أشكالها

بيروت - كلفت الهيئة الدولية للمسرح المخرجة والممثلة والكاتبة المسرحية اللبنانية والعضو المؤسس لفرقة “زقاق” المسرح، مايا زبيب، لكتابة وقراءة رسالة يوم المسرح العالمي، ممثلة عن العالم العربي.

وجاء في الرسالة “هي لحظة من التواصل، هو لقاء لا يمكن أن يتكرّر ولا يمكن وجوده في أي نشاط علماني آخر، إنها ببساطة بادرة من قبل مجموعة من الناس اختاروا أن يجتمعوا معا في نفس المكان والزمان للمساهمة في تجربة مشتركة، إنها دعوة لأفراد كي يشكّلوا مجموعة، ويتبادلوا الأفكار، ويتصوّروا سبل تقاسم عبء الأفعال الضرورية كي يستعيدوا ارتباطهم الإنساني رويدا رويدا، ويجدوا أوجه التشابه بينهم، إنه المكان الذي يمكن فيه لقصة معينة أن ترسم خطوط العالمية، هنا يكمن سحر المسرح، حيث يستعيد التمثيل خصائصه القديمة”.

وتضيف زبيب في رسالتها “في ظل ثقافة الخوف من الآخر المستشرية عالميا، والعزلة والوحدة، يصبح وجودنا معا هنا والآن، فعلا من المحبة، أن تبتعد عن الإشباع الفوري والانغماس الذاتي في مجتمعاتنا ذات النزعة الاستهلاكية العالية والتطوّر المُتسارع وتُقرّر أن تأخذ الوقت للتفكير والتأمل في الآخرين، فذلك بحدّ ذاته فعل سياسي وهو عمل فيه ما فيه من السخاء.

كيف يمكننا إعادة تصوّر مستقبلنا بعد سقوط الأيديولوجيات الرئيسية وبعد ثبوت فشل النظام العالمي الحالي على مرّ العقود؟ ولما كانت السلامة والراحة الشاغلين الأساسيين وذوي الأولوية في الخطابات السائدة، فهل ما زال يمكننا الخوض في نقاشات غير مريحة؟ هل يمكننا أن نخطو تجاه المناطق الخطرة دون الخوف من فقدان امتيازاتنا؟”.

مايا زبيب: المسرح يأتي ليسترد الخطاب من السياسيين ويعيده إلى مكانه الصحيح
مايا زبيب: المسرح يأتي ليسترد الخطاب من السياسيين ويعيده إلى مكانه الصحيح

وتسترسل المخرجة اللبنانية “اليوم أصبحت سرعة المعلومات أكثر أهمية من المعرفة، وأصبحت الشعارات أكثر قيمة من الكلمات، وصور الجثث أكثر تبجيلا من الجسد الإنساني الحقيقي، هنا يأتي المسرح، ليس فقط ليذكّرنا أننا مصنوعون من لحم ودم وأنّ لأجسادنا وزنا، بل ليوقظ جميع حواسنا، ليقول لنا إننا لسنا بحاجة إلى الاستيلاء والاستهلاك بما تراه أعيننا فقط، فالمسرح يأتي ليعيد للكلمات قوّتها ومعناها، ليستردّ الخطاب من السياسيين ويعيده إلى مكانه الصحيح، إلى ساحة الأفكار والمناقشة، حيث الرؤية الجماعية”.

قوة الخيال

ترى زبيب في رسالتها أنه “من خلال قوّة الحكاية والخيال، يمدّنا المسرح بطرق جديدة لرؤية العالم ولرؤية بعضنا البعض، وهذا من شأنه أن يفتح المجال للتفكير المشترك وسط الجهل الساحق للتعصّب، عندما يعود مجدّدا وبكل سهولة الخوف من الآخر وخطاب الكراهية وسيادة الرجل الأبيض بعد سنوات من العمل الشاق وتضحيات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم لمحاربة كل تلك الأمور المخزية.. وعندما تُطلق النار على الأولاد والبنات في عمر الزهور في الرأس ويُسجنون لرفضهم الامتثال للظلم والفصل العنصري، وعندما يحكم متطرّفون غير متّزنين بعض الدول الكبرى في العالم، وعندما تلوح في الأفق الحرب النووية كلعبة افتراضية بين رجال وصبية في مواقع السلطة، وعندما يصبح التنقّل مقصورا أكثر فأكثر على عدد قليل من المختارين، في حين أن اللاجئين يموتون في البحر في محاولة للدخول إلى الحصون العالية للأحلام الوهمية، حيث يتم بناء جدران أكثر وأكثر تكلفة”.

ومن هناك تطرح الفنانة اللبنانية سؤال “أين يجب أن نسائل عالمنا؟ خاصة، في حين أن معظم وسائل الإعلام قد باعت مبادئها، ليست لنا إلاّ ألفة المسرح، حيث يمكننا أن نعيد التفكير في حالتنا الإنسانية، وأن نتصوّر النظام العالمي الجديد بشكل جماعي، ليس فقط بالحبّ والرحمة، ولكن أيضا بمواجهة بنّاءة من خلال الذكاء والمرونة والقوّة”.

كسر الجدران

بما أنها من منطقة عربية، تقول مايا زبيب في رسالتها “فإنني أستطيع أن أتحدّث عن الصعوبات التي يواجهها الفنانون في العمل، ولكنني أنتمي إلى جيل من المسرحيين الذين يشعرون بالامتياز، لأنّ الجدران التي نحتاج إلى تدميرها كانت دائما جدرانا واضحة، وقد دفعنا هذا إلى تعلّم كيفية تحويل ما هو متاح ودفع التعاون والابتكار إلى أقصى حدوده، فقد قمنا بالعمل المسرحي في الأقبية وعلى أسطح المنازل وفي غرف الجلوس وفي الأزقّة وفي الشوارع”. ولأن الجمهور هو غاية المسرح الجاد، توضّح “كنّا نجمع جمهورا حيثما ذهبنا، في المدن والقرى وفي مخيّمات اللاجئين، لقد كانت لدينا ميزة بناء كل شيء من الصفر في بيئاتنا، وتصوّر طرق للتهرّب من الرقابة، في حين أننا لا نزال نعبر الخطوط الحمراء ونتحدّى المحظور، تواجه اليوم هذه الجدران جميع المسرحيين في العالم، حيث لم يسبق للتمويل أن وصل إلى هذه الندرة وأن تحوّل التهذيب السياسي إلى رقابة جديدة”.

وهكذا، تسترسل زبيب “فإنّ لمجتمع المسرح الدولي دورا جماعيا يلعبه اليوم أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه الجدران المتنامية، الملموسة وغير الملموسة، اليوم هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة ابتكار هياكلنا الاجتماعية والسياسية بصورة خلاّقة، وبأمانة وشجاعة لمواجهة أوجه القصور لدينا وتحمل المسؤولية تجاه العالم الذي نشارك في صنعه”.

وتختم مايا زبيب رسالتها بقولها “بِوصفنا صنّاع مسرح العالم، فإننا لا نتبع أيديولوجية أو نظاما يرتكز على معتقد واحد، ولكن نشترك في بحثنا الأزلي عن الحقيقة بجميع أشكالها، وفي مساءلتنا المستمرّة للوضع القائم، وفي تحدينا لأنظمة القوة القمعية، وأخيرا وليس آخرا، في نزاهتنا الإنسانيّة، نحن كثيرون، نحن لا نعرف الخوف، ونحن باقون ههنا!”.

14